عطا مناع
بلادة مفعمة باللامبالاة والبرود إلى درجة التجمد وعدم القدرة على رفع الصوت وهو اضعف الإيمان في وجه الآلة الاحتلالية التي استباحت دماء الأهل والأحبة في قطاع غزة المحاصر الذي يذبح ويتحول خيرة أبناءة لأشلاء محترقة، غزة تذبح في عز الظهر وينبت الأيتام بالمئات في شوارعها الحزينة، غزة خرجت عن المألوف وشرعت أبوابها في وجه العاصفة متجاوزة المعقول لتصبح المستحيل، غزة ليست حمساوية أو فتحاوية إنها فلسطينية ، هي يافا وحيفا والجليل وبيسان هي صبرا وشاتيلا وكفر قاسم،إنها سنوات التيه المرة اللجوء الذي يلاحقنا ليل نهار يطالبنا بإعادة الحياة للأموات قاطني المخيمات.
البعض يصف مقاومة غزة بالعدمية، وهناك من يقول إنها انتحارا، ومنهم من يشكك يالايثارية التي يبديها أبناء غزة، يحاولون إقناعنا بأنها إرهابية ، متناسين أننا ندافع عن أنفسنا في هجومنا على غزة التي لا ما عادت تحتمل أن تطعن في الظهر من أبناء جلدتها الذين لا زالوا يرددوا اسطوانتهم القديمة المتعلقة بالانقلاب أو الحسم العسكري سموه كما شئتم، لان الشعب تجاوز تلك المرحلة التي دفع وما زال ثمنها غاليا من دماء أبناءة وثوابته وأرضة المستباحة للبلد وزر الإسرائيلي الذي يؤسس لبناء الوحدات الاستيطانية في المستعمرات الإسرائيلية وتحت حجج واهية مستندين إلى حالة التمزق والتشرذم الفلسطيني.
لا أريد أن أسهب في الطرح العاطفي الذي لن يلاقي آذانا صاغية من البعض الذي أصبح يعتقد بضرورة معاقبة غزة على ما اقترفته من خطيئة أدخلتها في بطن الشيطان، وبما أننا نعيش في عصر العولمة الثقافية والسياسية لا بد أن نكون واقعيين في طرح قضيتنا التي باتت مستباحة حتى من الذين عاشوا على رصيف القضايا العربية والقومية، والذين أخصتهم الإدارة الأمريكية وأدخلتهم في قفص المؤتمرات الدولية التي أغدقت عليهم الأموال في محاولة فاضحة لرشوتهم لالتزام الصمت تجاه المذبح اليومية التي ترتكبها دولة الاحتلال لتصل إلى جرائم حرب يفترض أن يعاقب عليها القانون الدولي الغير مطبق في فلسطين.
لدي رغبة جامحة باستحضار الآلام عشرات الشهداء المرضى المحاصرين في غزة يعانون الأوجاع مدركين أن ساعتهم حانت لان دولة الاحتلال لم تسمح لهم بالخروج من غزة للعلاج وتمنع دخول الأدوية إلى المستشفيات الغزية التي نفذ منها الدواء، أفكر وقد ينسحب تفكيري على بعضكم في المشاعر التي تجتاح غزة وهي تشيع أشلاء أبناءها في مواكب جنائزية لاتتوقف وانعكاس هذا الواقع على التكوين العاطفي والثقافي للمواطن ألغزي الذي لم يتبق له شيء سوى مواجهة الموت وهزيمته، أتخيل حال الأطفال الذين ترعبهم طلعات الطائرات الاحتلالية التي تنشر الموت في غزة، أطفال يعيشون الرعب في كل لحظة يعيشون زمن الاشتباك من اجل الحياة التي لا تسمح لهم بالنشوء في جو طبيعي كبقية أطفال العرب، ماذا عن الجوع والفقر الذي وصل إلى ادني مستوياته منتهكا كرامة أرباب الأسر الذي أصبحوا بين مطرقة الخلافات الداخلية وسنديان الحصار.
غزة تحترق وتدمر ببنائها الفوقي والتحتي، ولن تعود عقارب الساعة فيها إلى الوراء لان الاقتتال والحصار والحكام الجدد فعلوا فعلهم فيها،لنشهد ولادة ثقافات بائسة شكلت انعكاس طبيعي للمستجدات الميدانية التي تنادي بإقصاء الآخر والتشنيع بة، ثقافة تجاوزت النخبة السياسية لتنتشر بشكل سرطاني في أوساط شرائح المجتمع التي تتلمذت على أيدي جهابذة العمل السياسي لتشكل حاضنة لكل الأمراض المجتمعية التي أصبحت المعضلة الحقيقية لإعادة بناء المجتمع الذي فككه الاقتتال والإقصاء والتجاذبات السياسية العفوية سمحت للوصوليين والانتهازيين والنفعيين والطابور الخامس باختراق جسم الحركة الوطنية، هذه المستجدات تمثل خطرا لا يقل عن خطر الطائرات الإسرائيلية التي تعزز حالة التشرذم المجتمعي وبروز الأنا وتعزيز الأمراض المستعصية على الحل.
إن قطاع غزة يعيش ظروفا مشابه لعواصم عاشت الإبادة، و ما يميز هذه العواصم عن غزة أنها لاقت دعما ساعد على ديمومة الحياة فيها، لكن غزة نادت ولم يسمعها احد، دقت جدران الخزان ولا زالت تدق الجدران ، غير أن صدى هذه الدقات تضيع في صحراء التيه السياسي العربي وتصدم في مرحلة يقف على رأسها الخصيان مما يؤكد ما قاله الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني في رائعته رجال في الشمس على لسان أبو الخيزران الذي مثل مرحلة السقوط والهزيمة للنظام العربي الرسمي" دار حول نفسه دورة ولكنه خشي أن يقع فصعد الدرجة إلى مقعده وأسند رأسه فوق المقود- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا وفجأة بدأت الصحراء كلها تردد الصدى- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟"
هذا هو الحال في غزة التي تشهد عمليات إبادة، من يتوقع أن يعود إلى غزة عودة الأبطال بعد الاجتياح الكامل لها لاسمح اللة فهو مخطئ لأنها سترفضه كلها وستواجههم بقوة لن يتوقعوها لأنهم ضحوا بها ولم يقفوا إلى جانبها في الوقت التي كانت بحاجة إليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق