محمد داود
لقد مرت القضية الفلسطينية بمراحل تغيُر متعددة ومستمرة، تميزت كل مرحلة بصفات معينة، لا سيما السنوات الأخيرة منها والتي شهدت تحولات جوهرية، جميعها تؤرخ بأن القضية الفلسطينية وإشكالية التحرير ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية الكاملة على الأرض الفلسطينية التاريخية أخذة في الضمور والتراجع وهذا ما لمسناه عبر صيرورة تاريخية منذ أن رفضت القيادة الفلسطينية في عام 1939م اقتراح لجنة PEEL' بيل ' إعطاء الفلسطينيين 80 % من مساحة فلسطين التاريخية و 20% لليهود، وأيضاً في عام 1947م رفضت القيادة ذاتُها قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، ثم تحدث السادات في كامب ديفيد عام 1979م عن مشروع سلام تعايشي على أراضي عام 1967م وتم مقاطعته وطرد التمثيل المصري من الجامعة العربية ونقلها، لأنه تعامل مع إسرائيل باعتبارها أمراً واقعياً يجيب التسليم بها، والذي ترجم فيما بعد وفق إطار أتفاق مدريد واسلوا وسمي مشروع السلام بـ'غزة أريحا أولاَ' والذي أتاح جلب السلطة الفلسطينية 1994م من عذاب الشتات، وفيما بعد تم التوقيع على إسناد بعض المحافظات في الضفة الغربية، وفي سنة 2000 رفضت القيادة الفلسطينية مشروع بيل كلينتون الواعد بقيام دولة فلسطينية ثم عادت وقبلته ولكن بعد 22 شهراً من عرضه وخروجه مع صاحبه من البيت الأبيض ! ، وبنفس حدود هذا السقف طرحت المبادرة العربية للسلام في بيروت في لحظة كان فيها الرئيس عرفات محاصراً بالدبابات الصهيونية، حيث تجلت المرحلة بحالة من الجمود السياسي، إلى أن تم الخلاص من الشريك السياسي المشاكس نهائياً 'الشهيد ياسر عرفات ' بعد معركة شديدة ضد مؤسسات السلطة، لا تزال تدور رحاها حتى هذه اللحظة كونه العقبة في تحقيق السلام وفق المزاعم الصهيونية، حتى بعد أن تولي الرئيس عباس القيادة وزمام السلطة عقب انتخابات رئاسية، وفق برنامج سياسي سلمي، أصبح الحديث ‘أن الرئيس أبو مازن أشد تمسكاً وتطرفاً عن سلفه السابق.
وما نريد الحديث حوله، هو أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة وأكملت سيناريو إعادة الانتشار وادعت أنها تركت غزة إعلامياً وسياسياً واقتصادياً و...، ولكن على الأرض هي لا تزال تتحكم به اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً، وفي أبسطها، فهي من تتحكم في ملف لم الشمل 'الممنوعين والمرفوضين'، وحتى إصدار شهادات الميلاد، والسفر، وكل ما يتعلق بالذهاب والإياب، كيف ولا وهي من تحدد الصادرات والواردات وطبيعتها وشكل المزروعات، بل وأنها تستنزفها، عبر وسائلها المتعددة، وضرباتها الموجهة المباشرة والغير مباشرة.
أيضاً المشهد لا يختلف كثيراً عن الضفة التي نهشها الجدار وابتلع أراضيها وأصبحت كنتونات ممزقة هنا وهناك تعاني كما والضفة وغزة، ... التي أنسحب منها الاحتلال بعد إفراغها من مخزونها الجوفي 'المياه والتراب' واستبدالها بالنافيات، ونحن نتطلع إلى الصراع القادم حول المياه، وهذا ما لحظناه في صراعات الكيان الصهيوني مع دول الجوار، وأيضاً الدول الإقليمية، دول الوفرة ودول الندرة.
فعندما بدءَ المشروع الصهيوني في التبلور، أخذت الفكرة في كيان صغير على أي بقعة من ألأرض واختيرت فلسطين وطننا لليهود، انطلاقاً من مقولة 'وطن بلا شعب لشعب بلا وطن'، على أن تكون حدود الدولة المنغرسة على أهم المصادر المائية، وبالفعل لعب الاستعمار في الخارطة الجغرافية بما يتلاءم مع مصلحة الكيان الناشئ، ببعض اليهود أصحاب المهن، والذين عملوا بإخلاص على الاستيطان والهجرة اليهودية وتوطينهم في الأراضي الفلسطينية، التي سيطروا عليها بطرقهم المختلفة، لذلك يخطئ من يظن أن المؤسسة 'الإسرائيلية' قد مارست التطهير العرقي لمرة واحدة عام 1948م، بل ها هي ما تزال تواصل ممارسة هذا النهج العنصري الإبادي حتى الآن، وبتغطية دولية التي تطرح مشاريع التسوية وفق مصالحها الخاصة، فتارة الشرق الأوسط الجديد وتارة أخرى بالكبير.
فالاحتلال الصهيوني عمل ما بجهده لإفراغ القضية الفلسطينية من بعدها الدولي والقانوني وأيضا الإنساني، فالوطن اليوم ليس كما قبل ثلاثين عاماً، والقدس ليست كما هي قبل عشرين عاماً، وهي ليست كما بعد عشرة أعوام أخرى، كما حال الوطن ألأكبر من فلسطين الإسلامية إلى فلسطين التاريخية، وصولاً لمشاريع دولة فلسطين المحدودة وناقصة السيادة على بعض المدن والقرى في الضفة أو القطاع.
ولذلك فالمسألة تحتاج للحذر والتعامل معها وفق أجندة وبدائل مختلفة تتلاءم وطبيعة المخاطر، في إطار المحافظة على ثوابتنا الوطنية والفلسطينية، والخشية تبقى من قبولنا لحدود أقل من سقف خارطة الطريق والتي هي أقل من المبادرة العربية، واستجدائنا وتوسلنا لذلك بعد التراجع العربي والدولي اتجاه القضية الفلسطينية بفعل الأحداث الداخلية الأخيرة من اقتتال وانقسام، فتحت المجال لارتكاب جرائم صهيونية بالجملة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني دون أدنى استنكار أو إدانة بالتالي نكون قد سلمنا فلسطين المغتصبة بإرادتنا واستبدلنا قراراتها الدولية بعكسها.
كاتب وباحث
لقد مرت القضية الفلسطينية بمراحل تغيُر متعددة ومستمرة، تميزت كل مرحلة بصفات معينة، لا سيما السنوات الأخيرة منها والتي شهدت تحولات جوهرية، جميعها تؤرخ بأن القضية الفلسطينية وإشكالية التحرير ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية الكاملة على الأرض الفلسطينية التاريخية أخذة في الضمور والتراجع وهذا ما لمسناه عبر صيرورة تاريخية منذ أن رفضت القيادة الفلسطينية في عام 1939م اقتراح لجنة PEEL' بيل ' إعطاء الفلسطينيين 80 % من مساحة فلسطين التاريخية و 20% لليهود، وأيضاً في عام 1947م رفضت القيادة ذاتُها قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، ثم تحدث السادات في كامب ديفيد عام 1979م عن مشروع سلام تعايشي على أراضي عام 1967م وتم مقاطعته وطرد التمثيل المصري من الجامعة العربية ونقلها، لأنه تعامل مع إسرائيل باعتبارها أمراً واقعياً يجيب التسليم بها، والذي ترجم فيما بعد وفق إطار أتفاق مدريد واسلوا وسمي مشروع السلام بـ'غزة أريحا أولاَ' والذي أتاح جلب السلطة الفلسطينية 1994م من عذاب الشتات، وفيما بعد تم التوقيع على إسناد بعض المحافظات في الضفة الغربية، وفي سنة 2000 رفضت القيادة الفلسطينية مشروع بيل كلينتون الواعد بقيام دولة فلسطينية ثم عادت وقبلته ولكن بعد 22 شهراً من عرضه وخروجه مع صاحبه من البيت الأبيض ! ، وبنفس حدود هذا السقف طرحت المبادرة العربية للسلام في بيروت في لحظة كان فيها الرئيس عرفات محاصراً بالدبابات الصهيونية، حيث تجلت المرحلة بحالة من الجمود السياسي، إلى أن تم الخلاص من الشريك السياسي المشاكس نهائياً 'الشهيد ياسر عرفات ' بعد معركة شديدة ضد مؤسسات السلطة، لا تزال تدور رحاها حتى هذه اللحظة كونه العقبة في تحقيق السلام وفق المزاعم الصهيونية، حتى بعد أن تولي الرئيس عباس القيادة وزمام السلطة عقب انتخابات رئاسية، وفق برنامج سياسي سلمي، أصبح الحديث ‘أن الرئيس أبو مازن أشد تمسكاً وتطرفاً عن سلفه السابق.
وما نريد الحديث حوله، هو أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة وأكملت سيناريو إعادة الانتشار وادعت أنها تركت غزة إعلامياً وسياسياً واقتصادياً و...، ولكن على الأرض هي لا تزال تتحكم به اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً، وفي أبسطها، فهي من تتحكم في ملف لم الشمل 'الممنوعين والمرفوضين'، وحتى إصدار شهادات الميلاد، والسفر، وكل ما يتعلق بالذهاب والإياب، كيف ولا وهي من تحدد الصادرات والواردات وطبيعتها وشكل المزروعات، بل وأنها تستنزفها، عبر وسائلها المتعددة، وضرباتها الموجهة المباشرة والغير مباشرة.
أيضاً المشهد لا يختلف كثيراً عن الضفة التي نهشها الجدار وابتلع أراضيها وأصبحت كنتونات ممزقة هنا وهناك تعاني كما والضفة وغزة، ... التي أنسحب منها الاحتلال بعد إفراغها من مخزونها الجوفي 'المياه والتراب' واستبدالها بالنافيات، ونحن نتطلع إلى الصراع القادم حول المياه، وهذا ما لحظناه في صراعات الكيان الصهيوني مع دول الجوار، وأيضاً الدول الإقليمية، دول الوفرة ودول الندرة.
فعندما بدءَ المشروع الصهيوني في التبلور، أخذت الفكرة في كيان صغير على أي بقعة من ألأرض واختيرت فلسطين وطننا لليهود، انطلاقاً من مقولة 'وطن بلا شعب لشعب بلا وطن'، على أن تكون حدود الدولة المنغرسة على أهم المصادر المائية، وبالفعل لعب الاستعمار في الخارطة الجغرافية بما يتلاءم مع مصلحة الكيان الناشئ، ببعض اليهود أصحاب المهن، والذين عملوا بإخلاص على الاستيطان والهجرة اليهودية وتوطينهم في الأراضي الفلسطينية، التي سيطروا عليها بطرقهم المختلفة، لذلك يخطئ من يظن أن المؤسسة 'الإسرائيلية' قد مارست التطهير العرقي لمرة واحدة عام 1948م، بل ها هي ما تزال تواصل ممارسة هذا النهج العنصري الإبادي حتى الآن، وبتغطية دولية التي تطرح مشاريع التسوية وفق مصالحها الخاصة، فتارة الشرق الأوسط الجديد وتارة أخرى بالكبير.
فالاحتلال الصهيوني عمل ما بجهده لإفراغ القضية الفلسطينية من بعدها الدولي والقانوني وأيضا الإنساني، فالوطن اليوم ليس كما قبل ثلاثين عاماً، والقدس ليست كما هي قبل عشرين عاماً، وهي ليست كما بعد عشرة أعوام أخرى، كما حال الوطن ألأكبر من فلسطين الإسلامية إلى فلسطين التاريخية، وصولاً لمشاريع دولة فلسطين المحدودة وناقصة السيادة على بعض المدن والقرى في الضفة أو القطاع.
ولذلك فالمسألة تحتاج للحذر والتعامل معها وفق أجندة وبدائل مختلفة تتلاءم وطبيعة المخاطر، في إطار المحافظة على ثوابتنا الوطنية والفلسطينية، والخشية تبقى من قبولنا لحدود أقل من سقف خارطة الطريق والتي هي أقل من المبادرة العربية، واستجدائنا وتوسلنا لذلك بعد التراجع العربي والدولي اتجاه القضية الفلسطينية بفعل الأحداث الداخلية الأخيرة من اقتتال وانقسام، فتحت المجال لارتكاب جرائم صهيونية بالجملة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني دون أدنى استنكار أو إدانة بالتالي نكون قد سلمنا فلسطين المغتصبة بإرادتنا واستبدلنا قراراتها الدولية بعكسها.
كاتب وباحث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق