محمد داود
مع التصعيد العسكري الإسرائيلي المتواصل ضد أهلنا في قطاع غزة وسقوط المزيد من الشهداء، والضحايا بمنعهم من السفر للعلاج في الخارج، وما تشهده الحالة المزرية برمتها التي يعيشها المواطنين في القطاع الصامد من حصار وإغلاق شامل، منذ ستة أشهر على الأقل أوجد حالة من آلا مبالاة على الصعيد المحلي والإقليمي، لقبول هذه السياسة والتأقلم معها دون أدنى استنكار لها، مما يرشح بانتهاج الخيارات المتاحة لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتصعيد عدوانها ضد قطاع غزة.
ففي اللحظة التي تطل علينا بها وسائل الإعلام عن رفض أولمرت فكرة القيام بعملية عسكري واسعة النطاق في قطاع غزة، يخرج براك بتصريحات منافية مصرحاً بأن "كل يوم يمضي يقربنا من العمل العسكري" ، وأنه أعطى العنان لقواته بتكثيف العمليات ضد قطاع غزة، باعتبارها الخيار الوحيد لعلاج الأزمة الحالية في قطاع غزة متجنباً في نفس الوقت الزج بقواته للعمق الأراضي الغزية، سيما بعد غياب الشريك السياسي المسيطر في السابق على قطاع غزة "السلطة الوطنية الفلسطينية"، بالتالي الخيار العسكري يبقى هو الوارد في كل الأحوال للقضاء على المقاومة الأخذة في تعاظم قوتها، وفي ظل مناخ ملائم لتهريب الأسلحة، وإطلاق القذائف المحلية. ... ولذلك يكون السيناريو المطروح هو الضغط النفسي كجزء من الحرب النفسية المبرمجة بجانب النشاط العسكري وذلك لقطع الطريق أمام أي أفق سياسي وتعزيزاً لفكرة الفصل والتي ربما تكون على هذا النحو:
1- ستكتفي إسرائيل في المرحلة الأولى وهي الحالية بقصف المواقع المباشرة لها أو مراكز المراقبة والمرابطين ومواقع التدريب وستطول قيادات بارزة في الأجنحة العسكري للفصائل، بالتالي سيكون التركيز على تلك القوات الثابتة المراقبة، وهو ما أكدته الأيام القليلة الماضية وسقوط العديد من الشهداء بعد كل عملية إطلاق ينفذها رجال المقاومة.
2- استخدام الطيران الحربي وقذائف الدبابات وقصف البوارج البحرية والصواريخ الموجهة وبعض التوغلات المحدودة ضد مراكز وتجمعات المقاومين بغية استنزاف المقاومة، ودفعها إلى الرد على هذا التصعيد، خاصة بإطلاق القذائف الصاروخية والهاون على المجمعات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة لإتاحة المبررات.
3- إسرائيل تراقب بدقة الفصائل التي تقف وراء إطلاق الصواريخ والقذائف، والتي لم تدين حتى اللحظة تورط قيادات في حركة حماس بشكل مباشر فيها، وإن كانت تقوم بعضها على العمل الفردي وفق تقارير أستخبارتية إسرائيلية، بالتالي رداً على هذه الصواريخ يكون بشكل مباشر ضد العناصر المكشوفة والمتواجدة بغض النظر عن انتمائها أو عدم مشاركتها، سواء كانت تقف ورائها "سرايا القدس- أو ألوية الناصر أو كتائب شهداء الأقصى أو أبو علي مصطفى"، وللمتتبع سيجد بأنه ليس هناك قرار سياسي أو عسكري كما في السابق رغم سقوط الشهداء من كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، حول الرد على هذه الاعتداءات أو التلويح به.
4- الاستهداف المستمر للمجموعات الراصدة والمرابطة المتمترسة قرب الشريط الحدودي وسقوط الكم الكبير من الشهداء هو عوامل تأييد ونجاح مثمر تراها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وشخصها المخضرم عسكرياً "براك" بالتالي ازدياد شعبيته مرهون بتقدمه العسكري على حساب رئيس وزراءه "أولمرت"، لاسيما بعد الفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل ومؤسستها العسكرية في حرب تموز 2006م في جنوب لبنان، وهذا النجاح على الأرض والمطلب الشعبي الإسرائيلي وحتى الائتلافي في الحكومة، هي عوامل ضغط من اجل القيام بعمل عسكري قد يكون وشيكً.
5- وعودة إلى الاستهداف المتواصل الذي أوجد حالة من الإرباك العسكري لدى الفصائل الفلسطينية المرابطة في مواقع التماس والضرورة لأن تبحث عن سبل وبدائل أخرى لمواجهة هذه التهديدات لا سيما وأن ديمغرافية غزة لا تخدمها بالقدر المرجو، نتيجة سقوط قطاع غزة أمنياً وافتقارها لمقومات المناورة العسكرية، بعكس النموذج اللبناني، أمام جيش يمتلك من العدة والعتاد والخبرة الطويلة في قطاع غزة.
6- مع مواصلة سياسة الاغتيالات واستهداف رموز المقاومة الفلسطينية، والتركيز على عناصر من حركة حماس وذراعها العسكري، في ظل عدم الرد الصريح والعلني والميداني، يخلق تساؤلات عدة في الشارع الفلسطيني أولاً ثم عند عناصر الموالين للحركة، كونها مشروع إسلامي مقاوم، بالتالي سيحرجها أمام عناصرها وأنصارها، فتكون أمام خيارين وأحلهما مُرً، "التصدي أو الانقسام" فيسهل مهاجمتها، وقد أثبتت الحالة الفلسطينية كيف استغلت لتعميق الانقسام ، بالتالي الفرصة مواتية نحو مزيد من الفرقة وتمزق في الصف الفلسطيني، وهو ما تعمل إسرائيل على تكريسه، بغية إفشال الطرف المفاوض الفلسطيني، أمام أي حل سياسي جرى التوقيع عليه في مؤتمر انابوليس الأخير، باعتباره طوق النجاة أمام أي حل سياسي.
7- الشارع الفلسطيني أصبح أكثر مهيئاً لقبول فكرة الاجتياح من ذي قبل وقد أخذت الحرب النفسية وسياسة التهديد وتشويه الأخر مناحي حتى أصبح حديث الساعة لكل مواطن، وهناك إقبال على سلع معينة خشية من حصول الاجتياح خاصة وأن القطاع يعاني من ظروف قهرية وحصار وإغلاق وغلاء معيشي في ظل افتقار لكثير من السلع الرئيسية ووضع أمني متردي، وغياب أي أفق سياسي مستقبلي مطمئن قد يلوح في الأفق القريب، والتي جميعها تسجل ضد حركة حماس باعتبارها القوة المسئولة عن إدارة القطاع في الوقت الحالي ولكونها المتسببة في هذا البؤس خاصة بعد قيام عناصرها بأعمال ينتدب لها الجبين، بالتالي فقدت مصداقيتها شعبياً.
8- أمام هذه الفروض لقدر الله وقع الاجتياح فكيف سيكون على الأرض / العملية وفق الحديث ستكون عملية متدحرجة مرهونة بالتطورات ومدى نجاعة الأهداف التي ترتئيها المؤسسة الإسرائيلي العسكرية والسياسية، وستشهد المرحلة حركة دبلوماسية نشطة لوقف العدوان لا سيما والاحتمالات مرشحة لسقوط العديد من الضحايا، خاصة وأن الدبابات الإسرائيلية ستقف على أبواب المخيمات بعد احتلالها الشريط الفاصل بين قطاع غزة ومصر "محور فيلادلفيا"، في خطوة إسرائيلية لمنع الضربات الصاروخية ضد البلدات الإسرائيلية، سيما وأن المعلومات تؤكد امتلاك المقاومة الفلسطينية صواريخً مطورة تصل مداها من عشرين إلى خمسة وعشرين كيلو متر مربع، أي أن بإمكانها ضرب عسقلان ومدن تقع في العمق الإسرائيلي بسهولة، والنقطة الثانية جنوباً بمنع نزوح أو هروب شخصيات مسئولة أو متورطة في عمليات فدائية.
9- من المؤكد أن العمل العسكري مُكلف وسيخلف أزمة ليس على الصعيد الإنساني في قطاع غزة، بل أيضاً في أزمة العلاقات الجاري ترتيبها بين المفاوض الفلسطيني والطرف الأخر الإسرائيلي التي هي قيد التبلور، وهي ستكون خيبة أمل لنتائج مؤتمر انابوليس، وتأكيدات بوش على حل الدولتين، وزياراته للمنطقة قريباً، بالتالي أي عمل عسكري سيتبعه تراجع وجمود في العمل السياسي، على أن توظف تلك الجهود لوقف المأساة التي قد يُخلّفها الجيش الإسرائيلي في حال حصول اجتياحُ كامل لقطاع غزة، وهنا من المحتمل أن تبرز قضية الجندي شاليط مرة أخرى والمساومة عليه مقابل وقف العدوان، وستشهد المحافل الدولية وربما العواصم العربية لقاءات ومشاريع تطالب إسرائيل بوقف عدوانها ضد قطاع غزة مقابل رهانات سياسية..؟.
10- العلاقات المصرية الإسرائيلية ستشهد من جديد حالة من التوتر الشديد وسيُحمّل الطرف الإسرائيلي جزء من المسئولية على مصر لعدم محاربته الأنفاق المفتوحة على مصرعيها لتهريب السلاح، وربما أيضا على المسار الأردني، وستخرج مسيرات عربية رافضة وكلها ستكون ورقة ضغط حتى تعدل إسرائيل عن قرارها رغم حالة الانتكاس التي صنعتها الأيدي الفلسطينية بفعل الاقتتال والانقلاب ومدى تأثيرها على الشارع العربي.
11- حيثيات العمل العسكري : ستواصل إسرائيل استنزافها لقوى المقاومة المسلحة دون استثناء، مستخدمة الطيران الحربي لحسم المعركة، خاصة طائرات الاستطلاع، وستتبعها بحملة إعلامية دولية لشرح موقفها في المحافل الدولية وتوظيف الإعلام لتبرير عملياتها، وستحاول جاهدةً على إبعاد الأنظار عن قطاع غزة وإشغال الرأي العام المحلي والدولي، بإحداث تقدم ملموس على المسار السياسي من إعادة انتشار لمدن في الضفة الغربية، في خطوة منها لإثبات حسن نواياها، وربما تشهد هذه المرحلة تقدماً جوهرياً على المسار السوري، لأن المشكلة عند الطرف السوري ليست تحرير الجولان بل مشاطئة سوريا لبحيرة طبريا.
12- عدة حلول وخيارات متعددة قد تجبر حركة حماس بتنحيها عن الحكم، وهو ما تسعى إليه الدول العربية إلى تحقيقه لتجنب كارثة إنسانية قد يحدثها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ودفع حماس لتنحيها وتسليم تلك المقارات ضمن شروط، بالتالي تجنب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أزمة لا يحمد عقبها.
13- في حالة فشل كل الجهود سيواصل الجيش الإسرائيلي عملياته وفق ما يراه جيشه وتقييمه للأحداث، حيث ستشهد المرحلة تحركاً سياسياً مكثفاً ومجدياً، بعد قضاء عدة شهور أستنزف بها الفلسطينيون كل ما يملكون، وربما تكون هي السيناريو المطروح إسرائيلياً بدلاً من تنفيذ عملية واسعة تؤدي لسقوط الضحايا والجرحى من كلا الطرفين، وذلك بدفع الجماهير الفلسطينية وتحريكها داخلياً لفض الحالة المأساوية والتحرك ضد القوة المسيطرة، وبأي نتيجة كانت تنتهي بإبرام أتفاق جديد بين دول عربية وبإشراك السلطة الوطنية الفلسطينية بشروط جديدة تكون حماس وأحزاب أخرى مجرد أحزاب سياسية بسيطة ومهذبة.
14- السلطة الوطنية الفلسطينية لن تقبل بتسلم المقارات وإدارة غزة من خلف الجيش الإسرائيلي، وأشك في نوايا إسرائيل لأنها من أسكبت الزيت على النار وعمقت فكرة الانقسام، ولكن أمام الضغوط الدبلوماسية التي ربما قد تترجم وتشرف عليها لجنة مصرية رغم رفضها باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي تريد المحافظة على علاقتها مع الفلسطينيين ولم تتسخ أيديها بالدماء الفلسطينية في دول الطوق، وهذا ما شاهدناه قبل أيام من مسألة الحجاج، فيما تبقى مسألة قوات من اليونيفيل وبمتابعة من الجامعة العربية أمر محتوم منه، يأتي من خلال مشروع عربي في مقارات الأمم المتحدة يدين إسرائيل، وفي نهاية المطاف ستحط من جديد القوات الفلسطينية وسيكون لها دور أخر وفق المعطيات السياسية الحاصلة.
على اي حال الخضم السياسي كثير والهرج مكثف كلها تعمل على خلط الأوراق ولا ندري ماذا سيكون عليه الحال، والمواطن هو الضحية، لذلك نسأل الله أن يتوافق الطرفان الفلسطينيان لإسقاط هذه المؤامرات.
كاتب وباحث
مع التصعيد العسكري الإسرائيلي المتواصل ضد أهلنا في قطاع غزة وسقوط المزيد من الشهداء، والضحايا بمنعهم من السفر للعلاج في الخارج، وما تشهده الحالة المزرية برمتها التي يعيشها المواطنين في القطاع الصامد من حصار وإغلاق شامل، منذ ستة أشهر على الأقل أوجد حالة من آلا مبالاة على الصعيد المحلي والإقليمي، لقبول هذه السياسة والتأقلم معها دون أدنى استنكار لها، مما يرشح بانتهاج الخيارات المتاحة لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتصعيد عدوانها ضد قطاع غزة.
ففي اللحظة التي تطل علينا بها وسائل الإعلام عن رفض أولمرت فكرة القيام بعملية عسكري واسعة النطاق في قطاع غزة، يخرج براك بتصريحات منافية مصرحاً بأن "كل يوم يمضي يقربنا من العمل العسكري" ، وأنه أعطى العنان لقواته بتكثيف العمليات ضد قطاع غزة، باعتبارها الخيار الوحيد لعلاج الأزمة الحالية في قطاع غزة متجنباً في نفس الوقت الزج بقواته للعمق الأراضي الغزية، سيما بعد غياب الشريك السياسي المسيطر في السابق على قطاع غزة "السلطة الوطنية الفلسطينية"، بالتالي الخيار العسكري يبقى هو الوارد في كل الأحوال للقضاء على المقاومة الأخذة في تعاظم قوتها، وفي ظل مناخ ملائم لتهريب الأسلحة، وإطلاق القذائف المحلية. ... ولذلك يكون السيناريو المطروح هو الضغط النفسي كجزء من الحرب النفسية المبرمجة بجانب النشاط العسكري وذلك لقطع الطريق أمام أي أفق سياسي وتعزيزاً لفكرة الفصل والتي ربما تكون على هذا النحو:
1- ستكتفي إسرائيل في المرحلة الأولى وهي الحالية بقصف المواقع المباشرة لها أو مراكز المراقبة والمرابطين ومواقع التدريب وستطول قيادات بارزة في الأجنحة العسكري للفصائل، بالتالي سيكون التركيز على تلك القوات الثابتة المراقبة، وهو ما أكدته الأيام القليلة الماضية وسقوط العديد من الشهداء بعد كل عملية إطلاق ينفذها رجال المقاومة.
2- استخدام الطيران الحربي وقذائف الدبابات وقصف البوارج البحرية والصواريخ الموجهة وبعض التوغلات المحدودة ضد مراكز وتجمعات المقاومين بغية استنزاف المقاومة، ودفعها إلى الرد على هذا التصعيد، خاصة بإطلاق القذائف الصاروخية والهاون على المجمعات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة لإتاحة المبررات.
3- إسرائيل تراقب بدقة الفصائل التي تقف وراء إطلاق الصواريخ والقذائف، والتي لم تدين حتى اللحظة تورط قيادات في حركة حماس بشكل مباشر فيها، وإن كانت تقوم بعضها على العمل الفردي وفق تقارير أستخبارتية إسرائيلية، بالتالي رداً على هذه الصواريخ يكون بشكل مباشر ضد العناصر المكشوفة والمتواجدة بغض النظر عن انتمائها أو عدم مشاركتها، سواء كانت تقف ورائها "سرايا القدس- أو ألوية الناصر أو كتائب شهداء الأقصى أو أبو علي مصطفى"، وللمتتبع سيجد بأنه ليس هناك قرار سياسي أو عسكري كما في السابق رغم سقوط الشهداء من كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، حول الرد على هذه الاعتداءات أو التلويح به.
4- الاستهداف المستمر للمجموعات الراصدة والمرابطة المتمترسة قرب الشريط الحدودي وسقوط الكم الكبير من الشهداء هو عوامل تأييد ونجاح مثمر تراها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وشخصها المخضرم عسكرياً "براك" بالتالي ازدياد شعبيته مرهون بتقدمه العسكري على حساب رئيس وزراءه "أولمرت"، لاسيما بعد الفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل ومؤسستها العسكرية في حرب تموز 2006م في جنوب لبنان، وهذا النجاح على الأرض والمطلب الشعبي الإسرائيلي وحتى الائتلافي في الحكومة، هي عوامل ضغط من اجل القيام بعمل عسكري قد يكون وشيكً.
5- وعودة إلى الاستهداف المتواصل الذي أوجد حالة من الإرباك العسكري لدى الفصائل الفلسطينية المرابطة في مواقع التماس والضرورة لأن تبحث عن سبل وبدائل أخرى لمواجهة هذه التهديدات لا سيما وأن ديمغرافية غزة لا تخدمها بالقدر المرجو، نتيجة سقوط قطاع غزة أمنياً وافتقارها لمقومات المناورة العسكرية، بعكس النموذج اللبناني، أمام جيش يمتلك من العدة والعتاد والخبرة الطويلة في قطاع غزة.
6- مع مواصلة سياسة الاغتيالات واستهداف رموز المقاومة الفلسطينية، والتركيز على عناصر من حركة حماس وذراعها العسكري، في ظل عدم الرد الصريح والعلني والميداني، يخلق تساؤلات عدة في الشارع الفلسطيني أولاً ثم عند عناصر الموالين للحركة، كونها مشروع إسلامي مقاوم، بالتالي سيحرجها أمام عناصرها وأنصارها، فتكون أمام خيارين وأحلهما مُرً، "التصدي أو الانقسام" فيسهل مهاجمتها، وقد أثبتت الحالة الفلسطينية كيف استغلت لتعميق الانقسام ، بالتالي الفرصة مواتية نحو مزيد من الفرقة وتمزق في الصف الفلسطيني، وهو ما تعمل إسرائيل على تكريسه، بغية إفشال الطرف المفاوض الفلسطيني، أمام أي حل سياسي جرى التوقيع عليه في مؤتمر انابوليس الأخير، باعتباره طوق النجاة أمام أي حل سياسي.
7- الشارع الفلسطيني أصبح أكثر مهيئاً لقبول فكرة الاجتياح من ذي قبل وقد أخذت الحرب النفسية وسياسة التهديد وتشويه الأخر مناحي حتى أصبح حديث الساعة لكل مواطن، وهناك إقبال على سلع معينة خشية من حصول الاجتياح خاصة وأن القطاع يعاني من ظروف قهرية وحصار وإغلاق وغلاء معيشي في ظل افتقار لكثير من السلع الرئيسية ووضع أمني متردي، وغياب أي أفق سياسي مستقبلي مطمئن قد يلوح في الأفق القريب، والتي جميعها تسجل ضد حركة حماس باعتبارها القوة المسئولة عن إدارة القطاع في الوقت الحالي ولكونها المتسببة في هذا البؤس خاصة بعد قيام عناصرها بأعمال ينتدب لها الجبين، بالتالي فقدت مصداقيتها شعبياً.
8- أمام هذه الفروض لقدر الله وقع الاجتياح فكيف سيكون على الأرض / العملية وفق الحديث ستكون عملية متدحرجة مرهونة بالتطورات ومدى نجاعة الأهداف التي ترتئيها المؤسسة الإسرائيلي العسكرية والسياسية، وستشهد المرحلة حركة دبلوماسية نشطة لوقف العدوان لا سيما والاحتمالات مرشحة لسقوط العديد من الضحايا، خاصة وأن الدبابات الإسرائيلية ستقف على أبواب المخيمات بعد احتلالها الشريط الفاصل بين قطاع غزة ومصر "محور فيلادلفيا"، في خطوة إسرائيلية لمنع الضربات الصاروخية ضد البلدات الإسرائيلية، سيما وأن المعلومات تؤكد امتلاك المقاومة الفلسطينية صواريخً مطورة تصل مداها من عشرين إلى خمسة وعشرين كيلو متر مربع، أي أن بإمكانها ضرب عسقلان ومدن تقع في العمق الإسرائيلي بسهولة، والنقطة الثانية جنوباً بمنع نزوح أو هروب شخصيات مسئولة أو متورطة في عمليات فدائية.
9- من المؤكد أن العمل العسكري مُكلف وسيخلف أزمة ليس على الصعيد الإنساني في قطاع غزة، بل أيضاً في أزمة العلاقات الجاري ترتيبها بين المفاوض الفلسطيني والطرف الأخر الإسرائيلي التي هي قيد التبلور، وهي ستكون خيبة أمل لنتائج مؤتمر انابوليس، وتأكيدات بوش على حل الدولتين، وزياراته للمنطقة قريباً، بالتالي أي عمل عسكري سيتبعه تراجع وجمود في العمل السياسي، على أن توظف تلك الجهود لوقف المأساة التي قد يُخلّفها الجيش الإسرائيلي في حال حصول اجتياحُ كامل لقطاع غزة، وهنا من المحتمل أن تبرز قضية الجندي شاليط مرة أخرى والمساومة عليه مقابل وقف العدوان، وستشهد المحافل الدولية وربما العواصم العربية لقاءات ومشاريع تطالب إسرائيل بوقف عدوانها ضد قطاع غزة مقابل رهانات سياسية..؟.
10- العلاقات المصرية الإسرائيلية ستشهد من جديد حالة من التوتر الشديد وسيُحمّل الطرف الإسرائيلي جزء من المسئولية على مصر لعدم محاربته الأنفاق المفتوحة على مصرعيها لتهريب السلاح، وربما أيضا على المسار الأردني، وستخرج مسيرات عربية رافضة وكلها ستكون ورقة ضغط حتى تعدل إسرائيل عن قرارها رغم حالة الانتكاس التي صنعتها الأيدي الفلسطينية بفعل الاقتتال والانقلاب ومدى تأثيرها على الشارع العربي.
11- حيثيات العمل العسكري : ستواصل إسرائيل استنزافها لقوى المقاومة المسلحة دون استثناء، مستخدمة الطيران الحربي لحسم المعركة، خاصة طائرات الاستطلاع، وستتبعها بحملة إعلامية دولية لشرح موقفها في المحافل الدولية وتوظيف الإعلام لتبرير عملياتها، وستحاول جاهدةً على إبعاد الأنظار عن قطاع غزة وإشغال الرأي العام المحلي والدولي، بإحداث تقدم ملموس على المسار السياسي من إعادة انتشار لمدن في الضفة الغربية، في خطوة منها لإثبات حسن نواياها، وربما تشهد هذه المرحلة تقدماً جوهرياً على المسار السوري، لأن المشكلة عند الطرف السوري ليست تحرير الجولان بل مشاطئة سوريا لبحيرة طبريا.
12- عدة حلول وخيارات متعددة قد تجبر حركة حماس بتنحيها عن الحكم، وهو ما تسعى إليه الدول العربية إلى تحقيقه لتجنب كارثة إنسانية قد يحدثها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ودفع حماس لتنحيها وتسليم تلك المقارات ضمن شروط، بالتالي تجنب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أزمة لا يحمد عقبها.
13- في حالة فشل كل الجهود سيواصل الجيش الإسرائيلي عملياته وفق ما يراه جيشه وتقييمه للأحداث، حيث ستشهد المرحلة تحركاً سياسياً مكثفاً ومجدياً، بعد قضاء عدة شهور أستنزف بها الفلسطينيون كل ما يملكون، وربما تكون هي السيناريو المطروح إسرائيلياً بدلاً من تنفيذ عملية واسعة تؤدي لسقوط الضحايا والجرحى من كلا الطرفين، وذلك بدفع الجماهير الفلسطينية وتحريكها داخلياً لفض الحالة المأساوية والتحرك ضد القوة المسيطرة، وبأي نتيجة كانت تنتهي بإبرام أتفاق جديد بين دول عربية وبإشراك السلطة الوطنية الفلسطينية بشروط جديدة تكون حماس وأحزاب أخرى مجرد أحزاب سياسية بسيطة ومهذبة.
14- السلطة الوطنية الفلسطينية لن تقبل بتسلم المقارات وإدارة غزة من خلف الجيش الإسرائيلي، وأشك في نوايا إسرائيل لأنها من أسكبت الزيت على النار وعمقت فكرة الانقسام، ولكن أمام الضغوط الدبلوماسية التي ربما قد تترجم وتشرف عليها لجنة مصرية رغم رفضها باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي تريد المحافظة على علاقتها مع الفلسطينيين ولم تتسخ أيديها بالدماء الفلسطينية في دول الطوق، وهذا ما شاهدناه قبل أيام من مسألة الحجاج، فيما تبقى مسألة قوات من اليونيفيل وبمتابعة من الجامعة العربية أمر محتوم منه، يأتي من خلال مشروع عربي في مقارات الأمم المتحدة يدين إسرائيل، وفي نهاية المطاف ستحط من جديد القوات الفلسطينية وسيكون لها دور أخر وفق المعطيات السياسية الحاصلة.
على اي حال الخضم السياسي كثير والهرج مكثف كلها تعمل على خلط الأوراق ولا ندري ماذا سيكون عليه الحال، والمواطن هو الضحية، لذلك نسأل الله أن يتوافق الطرفان الفلسطينيان لإسقاط هذه المؤامرات.
كاتب وباحث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق