د. صلاح عودة الله
بعد ايام قلائل سيحتفل العالم الاسلامي بعيد الاضحى المبارك, وكلنا بل العالم باسره يعود بذاكرته الى هذه المناسبة ولكن قبل سنة خلت..ففي اليوم الأول من عيد الاضحى الفائت تمت عملية اعدام سيد الشهداء صدام حسين"ابو عدي". ذات مرة بينما كان المتنبي حزينا محاصرا تتضاربه الهموم, وقد عاد عليه عيد قال قصيدة طويلة جميلة ورائعة جاء مطلعها استفهاما غريبا حير النقاد وأطرب العشاق وتوه العامة من القراء.. هذا المطلع يقول:
بعد ايام قلائل سيحتفل العالم الاسلامي بعيد الاضحى المبارك, وكلنا بل العالم باسره يعود بذاكرته الى هذه المناسبة ولكن قبل سنة خلت..ففي اليوم الأول من عيد الاضحى الفائت تمت عملية اعدام سيد الشهداء صدام حسين"ابو عدي". ذات مرة بينما كان المتنبي حزينا محاصرا تتضاربه الهموم, وقد عاد عليه عيد قال قصيدة طويلة جميلة ورائعة جاء مطلعها استفهاما غريبا حير النقاد وأطرب العشاق وتوه العامة من القراء.. هذا المطلع يقول:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد ؟
وأظنني لست بحاجة إلى التذكير به فكل مثقف لا بد أنه يحفظ هذا البيت. ولكنني أريد أن أقف معه وقفة جديدة مثلما وقف معه النقاد والعشاق وكل القراء ولتكن وقفة خاصة, أظنها تختلف عن كل وقفة كانت قبلها.
منذ أن قال المتنبي هذه القصيدة بهذا المطلع في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة والعيد يعود في كل سنة ليشهد الناس، في كل بقاع الأرض العربية والإسلامية وحتى في بقاع الأرض غير العربية والإسلامية بوجود العرب والمسلمين، منافعهم ومناسكهم وهم يفرحون .. فالعيد للفرح والعبادة. وفي كل عيد يذبح المسلمون الكثير من الذبائح يتقربون بها إلى الله إحياء لسنة إبراهيم وحادثة الذبح العظيمة التي لبى فيها نبي الله وخليله نداء ربه بذبح ابنه إسماعيل.
ولما تله للجبين ناداه ربه أن قد صدقت يا إبراهيم الرؤيا وفداه بذبح عظيم .. توارثه المسلمون عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أحيا هذه الحادثة وأقر شريعة التعبد يوم العيد وكذا شريعة الفرح بالتوسيع على العيال والأهل والأقارب في هذا اليوم.
كل أيام السنة عيد لمن أرادها عيد وكلها ليس فيها عيد لمن أراد لها أن لا تعرف العيد. فقد عاد العيد لأول مرة منذ أن قال المتنبي هذا البيت بحال لم يكن يأتي عليها من قبل .
منذ البداية وقبل سنة من الآن أو أكثر خطط سيد الكرة الأرضية في هذا الزمان المستر" بوش" أن يأتي هذا العيد على الأمة الإسلامية على غير ما كان يأتي عليه ، فالذي مضى عاد ككل مرة .. وزاده هذه السنة أن غير المسلمين بزعامة المستر" بوش" لأول مرة يمارسون شعائرالمسلمين في عيد الأضحى ويفرحون فرحهم ويتقربون إلى الله بمثل ما نتقرب .. الفارق فقط في نوعية القربان ؟؟
معذرة على هذا الفهم السقيم الذي أفهمه من شعر المتنبي رحمه الله ورحمنا جميعا . ولا نملك إلا القول بالأمل في عيد السنة القادمة أن يكون مختلفا عن هذا العيد وعن كل أعيادنا السابقة التي عشناها في ذل وهوان ومسكنة.وإنه بعد ذلك من الصواب ترداد ما قال المتنبي:
أود من الأيام ما لا تَوَدهُ
وأشكو إليها بيننا وهي جنده..!
بعد الجريمة البشعة التي اقترفها الاحتلال الأمريكي وأعوانه في العراق بإعدام الرئيس العراقي صدام حسين يوم عيد الأضحى المبارك الأخيربعد محاكمة جائرة، جاء مشهد الإعدام الوقح والمستفز لكافة المشاعر الإسلامية والإنسانية ليرسم واقع مفزع للوضع الذي بلغه العراق الشقيق، وهو ما دفع الأمريكان لمحاولة التنصل اليوم من اختيار توقيت الإعدام، وبأنها لم تكن راغبة في تنفيذ هذا الحكم الجائر يوم العيد، وكانت ترى تأجيله 15 يوما لولا إصرار حكومة المالكي.. بحسب وكالة رويتر التي استندت لمسئول عراقي رفض ذكر اسمه، والذي أضاف أنه في نهاية الأمر قدم مستشارو الرئاسة خطابا يفيد ببساطة انه لا حاجة لمرسوم رئاسي، وان رجال الدين البارزين أبلغوا المالكي أن عطلة العيد ليست مبررا للتأجيل.
أما لماذا تكالب الأمريكان وأدواتهم في العراق على سرعة التخلص من صدام حسين؟ فالحقيقة التي يعلمها الجميع أن هذه الإدارة الأمريكية وعملائها في العراق كانوا يخافون من صدام حسين حتى وهو في محبسه، فلم يتمكنوا رغم كل ما فعلوه من جرائم من تجاوز شرعيته القانونية والدولية بموجب القانون الدولي الذي لا يجيز للاحتلال اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التي أقدموا عليها لتغيير النظام العراقي يعد العدوان غير الشرعي على العراق.
لقد أخافتهم شعبيته الكبيرة والتي بدأت تتسع في كل طوائف الشعب رغم الحملة الغير مسبوقة التي تعرض لها لتشويه وتدمير أي حسنة من حسناته،خاصة بعد أن بدأ الشعب يتبين حجم الإجرام الذي تعرض له العراق والوضع السيئ الذي يمر به الشعب العراقي على أيدي الأمريكان وحلفائهم من المليشيات. لقد قهرهم صموده وثباته بعد أن فشلوا من النيل منه ومن كبريائه رغم كل محاولات إهانته المتعمدة، حتى لحظة إعدامه التي أرادوها النهاية فإذا بصدام يحولها للحظة شموخ وصمود وجادل خصومه بكل ثبات حتى اللحظة الأخيرة وهو ما رفع أسهم صدام حتى في دوائر من كانوا يناصبونه العداء والمعارضة.
ولذا تشاطر الأمريكان وأدواتهم على سرعة التخلص منه وكل له هدفه ويغني على ليلاه ..وهم جميعا يهدفون لفرض أمر واقع جديد على الشعب العراقي، خاصة بعدما ارتفعت الأصوات مؤخرا حتى على المستوى الدولي في عقد المقارنات بين عراق صدام حسين وعراق أمريكا ومليشياتها الذين لم يتركوا من جريمة من الجرائم المعادية للإنسانية إلا واقترفوها...!
محن الزمان كثيرة لا تنقضي
وسـروره يأتيـك كالأعيـاد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم
وتراه رقاً في يـد الأوغـاد..!
ابا عدي: لقد افتخرت ورفعت راسي عاليا عندما استمعت إلى شهادة أحد أعدائك وليس أصدقائك ممن يدعي شرف المهنة وشرفها منه براء..انه عميل وضيع يضع يده بيد الاحتلال ليساهم في قتل شعبه وتدمير وطنه, انه القاضي "منير صبري حداد" احد جلاديك ويصف اعتلائك منصة البطولة والشهادة التي اعتلاها من قبلك ببسالة طابور من الإبطال ومنهم عمر المختار دون أن تفارقك ملامح التحدي, والكبرياء حيث تحتضنك بكل قامتها وعنفوانها. يصف عار القضاء المشهد" صعد إلى حبل المشنقة بشكل طبيعي ولم تبدر منه أية إشارات تنم عن خوف أو تردد, لم يكن الرجل مبالياً بالموت" ويصف ردك الفاحم على زعيق القرود الملتفين حولك وهم يرقصون رقصة الموت" أنتم مو رجال, وهذه مو مرجلة" نعم سيد الشهداء إنها ليست من الرجولة؟ وهل ترجى الرجولة من مطايا تسوقها وتركبها وتعلفها قوات الاحتلال ومتى ما انتهت منها تعقلها في الزرائب وترحل؟ الرجولة مواقف وأخلاق وتضحيات وإيثار, وقد تجلت بأرقى معانيها في موقفك وأنت تصعد إلى حبل المشنقة مزهواً كأنك ترتقي سلم المجد إلى جنات عدن, وتنظر إلى الأسفل حيث يجلس مستشار الأمن القومي "كريم شاهبوري" بمستوى نعلك وهو يرتجف كالفأرهلعاً منك وتخاطبه بسخرية وتهكم "أنت تخاف مني"؟
نعم بالتأكيد هو و جوقة الضلالة الملتفة حوله يخافوك ويرتعدون من صوتك وصورتك وليس من شخصك فحسب..! ويخشونك وأنت على منصة الموت بل إنهم يخشون آخر نبضة خفق بها قلبك قبل الرحيل,؟ وكما يخشونك حياً يخشونك ميتاً وإلا كيف يمكن تفسير التمثيل بجثتك الطاهرة وهي تمتد بيد أقدامهم الملوثة بعار الخطيئة ليكيلوا لها الرفس كالحمير الرافضة شد اللجام على رؤوسها, وربما في ذلك غبن بحق الحمير الذي تتفوق عليهم بصبرها وحلمها ويتفوقون عليها بنهيقهم ورفسهم. ان هنالك الكثير من الاسباب التي جعلت صدام حاكما دكتاتوريا..
فهو الذي امم النفط العراقي وقام ببناء المستشفيات واهتم بالاطفال ودور المرأة في المجتمع واصلح الوضع الاقتصادي ووسع الجامعات ودور العلم وفرض قانون التعليم الالزامي حتى المرحلة الثانوية وهو الذي جعل قضية فلسطين شغله الشاغل وتحدى كل اعداء الامة العربية والاسلامية ووو..
ألا يجب لمحاكمة عادلة ان تأخذ هذه الجرائم في نظر الاعتبار؟ ألا يستحق " مجرم وديكتاتور وطاغية " كهذا الاعدام عشرين مرة؟ مع ذلك, فان هناك سببآ واحدآ يُجيز أبقاؤه حيآ وهوتعذيبه بأخذه في جولة تفقديه ليرى بأم عينيه كم أستاذآ جامعيآ بقي حيآ في العراق. وليرى بأم عينيه كيف تعمل المستشفيات. وليرى بأم عينيه الاطفال المشردين الذين عادوا ليبيعوا السجائر في الشوارع. وليرى بأم عينيه الجثث التي يتم حرقها يومياً في وزارة الداخلية، بعد أن تقلع منها الأعين وتحفر بالدريلات.
وليرى بأم عينيه الطوابير التي تقف أمام محطات الوقود، تنتظر لترَ وقود، في بلد يطوف بالنفط. وليرى بأم عينيه كم ساعه كهرباء تحصل المنازل يوميآ بعد انفاق 20 مليار دولار على مشاريع "اعادة البناء"..وليرى بأم عينيه كيف يتم تحويل المليارات ألى حسابات خارجية لقاء صفقات خردة, وليرى بأم عينيه المذابح الطائفيه التي يقع ضحيتها العشرات يوميآ وليرى بأم عينيه ماذا بقي من حقوق "الماجدات", وليرى بام عينيه ماذا يفعل "القجقجية" في كردستان, وكيف يكون الحكم الذاتي مشروعآ انفصاليآ. وليرى بأم عينيه احزابآ تسمى نفسها "شيعية" و "سنية" وتقول أنها غير طائفية" .
وليرى بام عينيه كيف يتم تقاسم العراق حصصآ. وليرى بأم عينيه قهرآ. حينها سيموت والدمعةُ في عينيه..قهراً سيموت وفي قلبه غصّة. ولكنه سيعرف انه لم يكن, بعد, ديكتاتوراً بما فيه الكفاية..! لحظة الاغتيال..لقد ارعبت اعدائك في حياتك, كما ارعبتهم لحظة استشهادك وذلك عندما واجهت عاديميك بكل شجاعه وتحدي وأباء وشموخ وقضيت وانت تردد: عاشت الامة العربية..عاش العراق..عاشت فلسطين..تحيا المقاومة..!
وباختصار، فان السؤال الأهم بعد اكثر من أربع سنوات على احتلال سحق كل أسس الدولة العراقية، هو ماذا جنى العراقيون من أمن ورفاهية وعيش رغيد كان يفتقده في العهد السابق، بعد أن تأكّـد للعراقي أن حلم إقامة الدولة الديمقراطية التي لا تقصي مُـخالفيها ولا تتّـهمهم، أصبح بعيد المنال، وبعد أن فقد العراقي كرامته كإنسان مع وجود المحتل وشيوع ثقافة الاحتلال السائدة بين العراقيين أنفسهم؟
اكثر من أربع سنوات ولا ماء ولا كهرباء في عِـراق يصُـب فيه النهران الخالدان، دجلة والفرات، ويغفو على عالم من النفط والغاز.
أربع سنوات والأمن مفقود والسلم الأهلي مطلوب والاستقرار الاجتماعي مُـهدد في الفوضى والقتل والخطف والاغتيالات، التي صارت لغة العراق الجديد، هو الذي علَّـم الدنيا الكتابة والقوانين منذ أكثر من سبعة آلاف سنة. أربع سنوات لعراق أفضل ما فيه بالنسبة للعراقيين، هو غياب صدّام إلى الأبد، والأمل في حصول تغيير حقيقي يجعل العراقيين الذين كانوا يروون "نكات" عن حكم أحفاد صدام لهم يستمر قرونا، يجعلهم يعللون أنفسهم بالآمال. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل...!
نم سيدي قريرالعين فرجالك يقظين كلهم إصراراً وتحدي وأصابعهم على الزناد مستعدة في كل لحظة وأسلحتهم ساهرة في أيديهم المباركة.
نم سيدي قرير العين فالوطن والشعب هي ألأمانة الثمينة التي استودعتهم عليها فعلقوها في رقابهم كتعويذة تقيهم شر قوى الكفر والظلام.
نم سيدي قرير العين مرتاح الخاطر صافي البال فأن بشائر النصر لاحت في الأفق المنظور. واختتم قائلا بقول من قال: لا تأسفن لغدر الزمان لطالما
رقصت فوق جثث الاسود كلاب...
ولا تحسبن برقصها تعلوا على اسيادها
تبقى الاسود اسود والكلاب كلاب..!
القدس المحتلة
القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق