صبحي غندور
لو سلّمنا جدلاً بصحّة ما يقوله البعض عن وجود خطرين في العراق: جماعات "القاعدة" والدور الإيراني، فإنّ السؤال المهم هو من الذي أحضر هذين الخطرين للعراق؟ أليست السياسة الأميركية التي قامت باحتلال العراق دون أي مبرّر شرعي؟ ثمّ أليست هذ السياسة نفسها هي التي دفعت بأوضاع المنطقة كلّها إلى التأزّم وإلى مخاطر حروب أهلية وإقليمية؟!
طبعاً لا يعني ذلك تبريراً للسياسات الرسمية العربية عموماً أو للنظام العراقي السابق تحديداً ولممارسته الإجرامية بحقّ شعبه وجيرانه العرب والمسلمين، فخلاصة أوضاع العراق الآن أنّ النظام السابق كان مسؤولاً عن إحضار الاحتلال الأجنبي، والاحتلال بدوره هو المسؤول عن حال التدمير والانقسام والمآسي والصراعات الراهنة في العراق.
إنّ الاحتلال الأميركي هو الذي دمّر مقوّمات الدولة العراقية وأوجد فيها الفراغ الرسمي الأمني والسياسي ممّا شجّع القوى المحلّية على التنافس والانقسام، والقوى الإقليمية على التدخّل لأسباب مختلفة في شؤون العراق.
فمأساة العراقيين هي حصيلة مزيج مركّب من خطايا الماضي والحاضر معاً. فالعراق انتقل من دكتاتوريّة النظام السابق وممارساته الظالمة إلى واقع الاحتلال وإفرازاته السياسية الانقسامية والأمنية الدمويّة. وفي الحالتين، تغييبٌ للمصالح الوطنيّة العراقيّة، وإضعافٌ واستنزاف للمجتمع العراقي، وتفكيكٌ لوحدة الكيان والشعب معاً. فزواج الخطايا هذا لم يولّد حالة عراقيّة صحيّة وصحيحة. لكن السؤال المهم هو ليس عن الماضي والحاضر، بل عن كيفيّة رؤية مستقبل العراق، وهو أمر مهمّ للعراقيين وللعرب والعالم كلّه. فالعراق ليس أفغانستان أو الصومال من حيث الموقع والأهميّة الاستراتيجيّة والثروات الطّبيعية والبشرية، لكن ما حدث في هذين البلدين في عقد التسعينات قابل للتكرار في العراق إذا لم تتوفّر العناصر المانعة لذلك.
فإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق ليس موضع نقاش أو خلاف الآن بين العراقيين، بل إنَّ الوفاق الوطني العراقي على مستقبل العراق هو الغائب المطلوب كحال بديل لما بعد انسحاب القوات الأميركية، ولوضع ركائز الدولة العراقيّة الجديدة.
إنَّ بعض العراقيين يرفضون حاضر الاحتلال ويقاومونه لكن بهدف العودة للماضي الّذي كان سائداً قبل الاحتلال!. بينما نجد قطاعاً آخر من العراقيين يقبل بنتائج الاحتلال ومساوئه، نتيجة معاناته الطويلة في الماضي من ممارسات النظام السابق. وهنا تكمن أهميّة اتفاق العراقيين الآن على رفض سلبيات الماضي والحاضر معاً، وعلى وضع الأسس السليمة لبناء عراق جديد ديمقراطي موحّد واضح الهويّة والانتماء والدور في محيطه العربي والإسلامي.
فلا حاضر العراق يشفع لماضيه "الصدامي"، ولا ماضي الظلم هو البديل المنشود للاحتلال، ولا هو أيضاً المبرر للإستنجاد بأيّ أجنبي قريب أو بعيد.
فأيُّ عراقٍ للمستقبل، هو السؤال الّذي لم يجد بعد إجابة شافية يتّفق عليها الجسم السياسي العراقي المريض!.
إنّ الحروب الأهليّة هي طاحونة الأوطان في كلِّ زمانٍ ومكان. وهاهي المجتمعات العربيّة أمام تحدٍّ خطير يستهدف كلَّ من وما فيها. هو امتحان جدّي لفعل المواطنة في كل بلد عربي إذ لا يمكن أن يقوم وطن واحد على تعدّدية "مفاهيم المواطنة".
إنّ غياب الولاء الوطني الصّحيح في معظم البلاد العربيّة مردّه ضعف مفهوم الانتماء للوطن وسيادة الانتماءات الفئويّة القائمة على الطّائفيّة والقبليّة والعشائريّة. أيضاً، إنّ غياب الفهم الصّحيح للدّين والفقه المذهبي وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو البيئة المناسبة لأي صراع طائفي أو أثني يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتّعدّد، إلى عنف دموي يُناقض جوهر الرّسالات السّماويّة والحكمة أصلاً من وجودها على الأرض!
إنَّ الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال الكثير من شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافةً إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة. فالخطر هو على المنطقة العربية كلّها وليس حصراً على الأراضي التي تشتعل فيها الأزمات. وهذه الأزمات هي تعبير عن تفاعلات ووقائع قائمة تعيشها وتشهدها الأمَّة العربية كلَّها، وهي نتاج طبيعي لتدخّل أجنبي يحدث دون إرادة عربية مشتركة في مواجهته، فيحصل الاستفراد الدولي والأجنبي بالأوطان العربية في ظلِّ استمرار المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية لتكون الدولة اليهودية الأقوى هي المهيمنة على "الدويلات" الدينية الأخرى المتصارعة.
وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من خطايا السياسة الأميركية ومن غياب المرجعية العربية الفاعلة.
إنّ العراق يعيش الآن جملة عناصر مركّبة لأزمة واحدة أوجدها الاحتلال، لكنه (أي الاحتلال) لم يصنع كل العناصر المتصارعة وإن كان يسعى لتوظيفها لخدمة مصالحه.
إنّ العراق اليوم هو ساحة صراع بين أميركا وإيران، وبين أتباع نظام قديم وعسكر نظام جديد، وهو أيضاً ساحة لجماعات إرهابية تكفيرية قدِمت من أكثر من مكان لتقاتل في العراق أيّا كان من غير أتباعها. كما أنّ العراق مختبر هام لمشروع التقسيم الطائفي والإثني الذي تعمل إسرائيل له منذ عقود في المنطقة، وقد حاولت تنفيذه أكثر من مرّة في لبنان، ولها (لإسرائيل) الكثير من العملاء الذين يتحرّكون اليوم في العراق.
العراق هو أيضاً منطقة صراع هامّة بين كل القوى المجاورة له، وما يحدث على أرضه يعني مباشرةً دول المنطقة كلّها، ولا يعقل أن تكون هذه القوى والدول بعيدة عن التأثّر بأحداثه أو التأثير فيها إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
إنَّ الصراع هو الآن على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية، فهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، لكنْ يريد البعض تحويله إلى صراعات طائفية ومذهبية في أكثر من مكان. وصمّام الأمان لوحدة الأوطان والمجتمعات العربية يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع، وفي ملء الفراغ الكامن عربياً من حيث انعدام المرجعية العربية الفاعلة والمشروع العربي الواحد لمستقبل الأمَّة وأوطانها.
إنّ ضعف المناعة في الجسد العربي هو الذي جعله قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة السارية الآن في خلاياه، وأخطرها وباء الانقسام الطائفي والمذهبي.
ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.
فالعرب يدفعون الآن ثمن خطايا كبيرة حدثت خلال العقود الثلاث الماضية في المنطقة، فضلاً عن أنّهم الآن بلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية.
والتعامل مع تزايد نفوذ قوى الجوار الإقليمي لا يجب أن يحجب أولويّة المخاطر الأخرى المتمثّلة بمحاولات الهيمنة الأجنبية والاحتلال الإسرائيلي، بل تستدعي هذه التحدّيات كلّها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.
لو سلّمنا جدلاً بصحّة ما يقوله البعض عن وجود خطرين في العراق: جماعات "القاعدة" والدور الإيراني، فإنّ السؤال المهم هو من الذي أحضر هذين الخطرين للعراق؟ أليست السياسة الأميركية التي قامت باحتلال العراق دون أي مبرّر شرعي؟ ثمّ أليست هذ السياسة نفسها هي التي دفعت بأوضاع المنطقة كلّها إلى التأزّم وإلى مخاطر حروب أهلية وإقليمية؟!
طبعاً لا يعني ذلك تبريراً للسياسات الرسمية العربية عموماً أو للنظام العراقي السابق تحديداً ولممارسته الإجرامية بحقّ شعبه وجيرانه العرب والمسلمين، فخلاصة أوضاع العراق الآن أنّ النظام السابق كان مسؤولاً عن إحضار الاحتلال الأجنبي، والاحتلال بدوره هو المسؤول عن حال التدمير والانقسام والمآسي والصراعات الراهنة في العراق.
إنّ الاحتلال الأميركي هو الذي دمّر مقوّمات الدولة العراقية وأوجد فيها الفراغ الرسمي الأمني والسياسي ممّا شجّع القوى المحلّية على التنافس والانقسام، والقوى الإقليمية على التدخّل لأسباب مختلفة في شؤون العراق.
فمأساة العراقيين هي حصيلة مزيج مركّب من خطايا الماضي والحاضر معاً. فالعراق انتقل من دكتاتوريّة النظام السابق وممارساته الظالمة إلى واقع الاحتلال وإفرازاته السياسية الانقسامية والأمنية الدمويّة. وفي الحالتين، تغييبٌ للمصالح الوطنيّة العراقيّة، وإضعافٌ واستنزاف للمجتمع العراقي، وتفكيكٌ لوحدة الكيان والشعب معاً. فزواج الخطايا هذا لم يولّد حالة عراقيّة صحيّة وصحيحة. لكن السؤال المهم هو ليس عن الماضي والحاضر، بل عن كيفيّة رؤية مستقبل العراق، وهو أمر مهمّ للعراقيين وللعرب والعالم كلّه. فالعراق ليس أفغانستان أو الصومال من حيث الموقع والأهميّة الاستراتيجيّة والثروات الطّبيعية والبشرية، لكن ما حدث في هذين البلدين في عقد التسعينات قابل للتكرار في العراق إذا لم تتوفّر العناصر المانعة لذلك.
فإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق ليس موضع نقاش أو خلاف الآن بين العراقيين، بل إنَّ الوفاق الوطني العراقي على مستقبل العراق هو الغائب المطلوب كحال بديل لما بعد انسحاب القوات الأميركية، ولوضع ركائز الدولة العراقيّة الجديدة.
إنَّ بعض العراقيين يرفضون حاضر الاحتلال ويقاومونه لكن بهدف العودة للماضي الّذي كان سائداً قبل الاحتلال!. بينما نجد قطاعاً آخر من العراقيين يقبل بنتائج الاحتلال ومساوئه، نتيجة معاناته الطويلة في الماضي من ممارسات النظام السابق. وهنا تكمن أهميّة اتفاق العراقيين الآن على رفض سلبيات الماضي والحاضر معاً، وعلى وضع الأسس السليمة لبناء عراق جديد ديمقراطي موحّد واضح الهويّة والانتماء والدور في محيطه العربي والإسلامي.
فلا حاضر العراق يشفع لماضيه "الصدامي"، ولا ماضي الظلم هو البديل المنشود للاحتلال، ولا هو أيضاً المبرر للإستنجاد بأيّ أجنبي قريب أو بعيد.
فأيُّ عراقٍ للمستقبل، هو السؤال الّذي لم يجد بعد إجابة شافية يتّفق عليها الجسم السياسي العراقي المريض!.
إنّ الحروب الأهليّة هي طاحونة الأوطان في كلِّ زمانٍ ومكان. وهاهي المجتمعات العربيّة أمام تحدٍّ خطير يستهدف كلَّ من وما فيها. هو امتحان جدّي لفعل المواطنة في كل بلد عربي إذ لا يمكن أن يقوم وطن واحد على تعدّدية "مفاهيم المواطنة".
إنّ غياب الولاء الوطني الصّحيح في معظم البلاد العربيّة مردّه ضعف مفهوم الانتماء للوطن وسيادة الانتماءات الفئويّة القائمة على الطّائفيّة والقبليّة والعشائريّة. أيضاً، إنّ غياب الفهم الصّحيح للدّين والفقه المذهبي وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو البيئة المناسبة لأي صراع طائفي أو أثني يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتّعدّد، إلى عنف دموي يُناقض جوهر الرّسالات السّماويّة والحكمة أصلاً من وجودها على الأرض!
إنَّ الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال الكثير من شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافةً إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة. فالخطر هو على المنطقة العربية كلّها وليس حصراً على الأراضي التي تشتعل فيها الأزمات. وهذه الأزمات هي تعبير عن تفاعلات ووقائع قائمة تعيشها وتشهدها الأمَّة العربية كلَّها، وهي نتاج طبيعي لتدخّل أجنبي يحدث دون إرادة عربية مشتركة في مواجهته، فيحصل الاستفراد الدولي والأجنبي بالأوطان العربية في ظلِّ استمرار المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية لتكون الدولة اليهودية الأقوى هي المهيمنة على "الدويلات" الدينية الأخرى المتصارعة.
وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من خطايا السياسة الأميركية ومن غياب المرجعية العربية الفاعلة.
إنّ العراق يعيش الآن جملة عناصر مركّبة لأزمة واحدة أوجدها الاحتلال، لكنه (أي الاحتلال) لم يصنع كل العناصر المتصارعة وإن كان يسعى لتوظيفها لخدمة مصالحه.
إنّ العراق اليوم هو ساحة صراع بين أميركا وإيران، وبين أتباع نظام قديم وعسكر نظام جديد، وهو أيضاً ساحة لجماعات إرهابية تكفيرية قدِمت من أكثر من مكان لتقاتل في العراق أيّا كان من غير أتباعها. كما أنّ العراق مختبر هام لمشروع التقسيم الطائفي والإثني الذي تعمل إسرائيل له منذ عقود في المنطقة، وقد حاولت تنفيذه أكثر من مرّة في لبنان، ولها (لإسرائيل) الكثير من العملاء الذين يتحرّكون اليوم في العراق.
العراق هو أيضاً منطقة صراع هامّة بين كل القوى المجاورة له، وما يحدث على أرضه يعني مباشرةً دول المنطقة كلّها، ولا يعقل أن تكون هذه القوى والدول بعيدة عن التأثّر بأحداثه أو التأثير فيها إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
إنَّ الصراع هو الآن على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية، فهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، لكنْ يريد البعض تحويله إلى صراعات طائفية ومذهبية في أكثر من مكان. وصمّام الأمان لوحدة الأوطان والمجتمعات العربية يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع، وفي ملء الفراغ الكامن عربياً من حيث انعدام المرجعية العربية الفاعلة والمشروع العربي الواحد لمستقبل الأمَّة وأوطانها.
إنّ ضعف المناعة في الجسد العربي هو الذي جعله قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة السارية الآن في خلاياه، وأخطرها وباء الانقسام الطائفي والمذهبي.
ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.
فالعرب يدفعون الآن ثمن خطايا كبيرة حدثت خلال العقود الثلاث الماضية في المنطقة، فضلاً عن أنّهم الآن بلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية.
والتعامل مع تزايد نفوذ قوى الجوار الإقليمي لا يجب أن يحجب أولويّة المخاطر الأخرى المتمثّلة بمحاولات الهيمنة الأجنبية والاحتلال الإسرائيلي، بل تستدعي هذه التحدّيات كلّها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق