لمن لا يعرف شيء عن مخيم أشرف فهو يقع على بعد ستين كيلومترا إلى الشمال من بغداد العاصمة العراقية، وهو مخيم أقيم عام 1986 للاجئين الفارين من الحكم الإيراني، ومعظمهم ينتمي إلى منظمة ( مجاهدي خلق ) المناهضة للحكم الإمامي وولاية الفقيه الجديدة، ومما لا شك فيه أن الرئيس العراقي صدام حسين كان يدعم هؤلاء، وسمح لهم بالعمل من أراضيه ضد حكام إيران إلى أن صارت الحرب واحتلت العراق من قبل الجيوش الأمريكية تحت مبررات وحجج يعرفها الجميع.. وكان يمكن لأمريكا أن تستمر في رعاية وحماية اللاجئين الإيرانيين في مخيم أشرف خصوصا أن الجميع يعرف العداء الظاهر بين أمريكا وحكام إيران.. لكن الحرب غيرت كثيرا من المفاهيم والعلاقات الظاهرية بين الإيرانيين والأمريكان، وكما يقولون لا يوجد أخلاق أو مبادئ في السياسة.. كانت أمريكا تدعم صدام حسين في مواجهته وحربه ضد إيران، وكذلك كانت ترعى وتدعم منظمة مجاهدي خلق وتستقبلهم في أمريكا كأبطال، إذن ما عساها اليوم لا تبال بهم ؟ وذهبت لأبعد من ذلك في السماح للقوات العراقية التي تأتمر بقيادة الجيش الأمريكي بمهاجمة مخيم أشرف وقتل من استطاعت قتله وجرحت من جرحت منهم؟ وفرضت حصارا قويا على المخيم الذي يقطنه ما يقارب 3500 لاجئ إيراني صاروا جزء من الشعب العراقي..؟
هدوء الهجمة الشرسة من قبل أمريكا والغرب على إيران وحكومتها بشأن تخصيب اليورانيوم وإنتاجها للطاقة النووية له تفسير واحد هو التهادن واستخدام اللباقة السياسية بدلا من القوة خصوصا بعد فوز الرئيس أوباما برئاسة أمريكا، ويبدو أن هذه السياسة وصلت لمرحلة متقدمة جدا في العلاقات مع الحكومة الإيرانية التي لا نشك مرة في أن الحكم الإيراني يشكل أدنى خطر على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة بقدر ما يكون لهذا الحكم دورا في تنفيذ السياسة الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط.. وما السياسة الإعلامية الظاهرة إلا تغطية لتلك السياسة السرية.. وإن ما يجري في مخيم اشرف لدليل واضح على مدى التعاون بين الإدارة الأمريكية والإيرانية وغزل صريح بين الحكومتين بتوافق الحكومة العراقية التي تسعى أيضا لعلاقة وطيدة مع الجار الإيراني.. ونعتقد أن النووي الإيراني لا يشكل خطرا مزعوما على قيادة الكوكب أو الكواكب الأخرى.. فأمريكا سمحت لجيران إيران الهند والباكستان بامتلاك تلك الطاقة الجبارة خصوصا أن تلك الدولتين أقل استقرارا من إيران، وربما ما كان يغيظ أمريكا والغرب هو تكنولوجيا إنتاج هذه الطاقة؛ فهي تكنولوجيا روسية وليست غربية.. وهنا يمكن التفاهم عليها بالطرق الدبلوماسية والتعاون فيما بينهما، ولأن إيران لن تشكل نقيضا أيديولوجيا أو اقتصاديا لأمريكا أو إسرائيل كما يشاع..
المتتبع للسياسة الإيرانية منذ حجة الإمام الخميني حتى وقتنا هذا يلاحظ أن إيران تختلق صراعات خارج أراضيها تحت حجج ثورية وتحررية لتغطية ما يجري ويدور على أراضيها من حكم تعسفي وسلاطين تربو يوميا على قوت ومقدرات الشعب الإيراني الذي تخلص من حكم ديكتاتوري قمعي، ليستبدله بحكم (ديونيزيوسي) يقدس النشوة ويمجد الفرح بعذابات البشر.!! وجرّ ويلات ودمارا لشعوب أخرى في المنطقة مثل لبنان وفلسطين ـ غزة.. والنتائج تقول أن الرابح الأكيد من هذا الخراب والدمار وهذه السياسة هو (إسرائيل)، خاصة بعد اندحار حزب الله عن الجنوب اللبناني وإلهائه بسياسة لبنان الداخلية، وكذلك حجم الدمار الهائل الذي لحق بغزة التي انجرّت لحرب مع إسرائيل بدعم إيراني كانت نتائجها القضاء على روح المقاومة الفلسطينية (هدنة طويلة غير معلنة) بالإضافة لشطر الشعب الفلسطيني جغرافيا وثقافيا واستمرار فرض الحصار على غزة، واستمرار تدخل إيران في الشؤون الفلسطينية؛ فعملت على إفشال الحوار الفلسطيني بالتوصل لوحدة الفلسطينيين المنشودة... كل ذلك يخدم المشروع الصهيوني بالدرجة الأولى.. ولعل الرجوع قليلا إلى تجربة القائد الفلسطيني الراحل أبو عمار الذي كان يدعم الثورة الإيرانية بقوة حتى انتصارها في عام 1979 فتنكروا لكل ما قدمته الثورة الفلسطينية لهم من دعم فيما بعد على أثر الحرب التي دارت بينهم وبين العراق..
بعد كل هذه الحقائق الدامغة للسياسة الإيرانية، وفيما لو أعلن عن اتفاق وتفاهم بين أمريكا وإيران، وهو موجود فعلا بشكل سري كما أشارت إليه كثير من التقارير، هل ستبقى إيران تقدم الدعم لحماس كما تقدمه الآن !؟ بالطبع لا.. حتى أمريكا التي تخلت عن موقفها وأخلاقها وعن المواثيق والاتفاقات الدولية تجاه مخيم أشرف الذي كانت تحميه وتقدم له الدعم والرعاية.. ونعتقد بشكل جازم أن إيران وحتى سوريا كذلك.. تستخدمان حماس وأفعالها كورقة ضغط لتحقيق مآرب سياسية لهما خصوصا أنه لا يوجد تقارب أيديولوجي أو مذهبي بين أيديولوجيا حماس وحكومة إيران وسوريا، بل على العكس تماما فإن هناك شبه عداء بين الفكر الوهابي الذي تتبناه حماس والفكر الشيعي الذي يحكم النظامان الإيراني والسوري والدليل على ذلك بأن إيران لن تسمح لأي مسلم يتبنى فكر الإخوان المسلمين بالتواجد على أراضيها، وكذلك سوريا التي قضت على سبعة وعشرين ألفا من السوريين في ليلة وضحاها بحجة وجود منظمات للإخوان بينهما في شباط عام 1982.. بعد كل هذا هل أدركت حماس على أي حصان تراهن..؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق