صالح خريسات
أكبر مأساة، في التطورات التي حصلت، خلال المئتي سنة الأخيرة، كانت تنامي الفكرة، التي مآلها، أن الحرب تجربة، ترفع إلى النبل، وأنه من المستحب، أن يقبل عليها الناس.
فالمواطن في بلد، يعتبر الرأي العام فيه، أن الحرب ضرورية، لا يفكر على العموم، بأفعال العنف التي ستجري. وإذا كان عسكرياً، فهو لا يتصور المعركة، إلا بصورة ضعيفة جداً، وأقل من ذلك، موته هو، أو إصابته بعاهة. لكنه يقبل مع ذلك، فكرة الحرب، والتضحية، وتضيع من ذهنه، صور المعركة.
إن إضعاف الطقوس والمعتقدات الدينية، يتجه نحو توجيه جميع القوى الوطنية، والدينية، والاجتماعية، ودوافع الرعب الجماعية، والرغبة في الكسب، والإثراء، نحو الحرب، وتنمية الشعور بالتفوق، والسمو للمقاتل الشرس.
انظر مثلاً، إلى العاب الأطفال المتوافرة في الأسواق، فهي معرض للأسلحة المتطورة، والأسلحة التقليدية، المستخدمة في كل أشكال العنف، والحرب، وجرائم القتل. وتقوم شركات التقنية، وأجهزة الحاسوب، بتطوير صناعاتها، وتزويدها بالخطط العسكرية، ووسائل القتال، لتتناسب مع ذهنية الأطفال، في العصر الحديث.
فأثناء اللعب على الجهاز، يتعرف الطفل، على أنواع الحوامات، كوبرا، وأباتشي، وعلى المدافع، والصواريخ المناسبة، لإسقاط هذه الطائرات. ويستخدم الطفل أثناء اللعب، غرفة القيادة، كأي ضابط عسكري كبير، ليدير الحرب بطريقته الخاصة، ومهارته.
وأسوأ ما في هذه الثقافة السلبية، تنمية الشعور لدى الأطفال، بقدرتهم على استخدام جميع أشكال الأسلحة المتطورة، ومعدات التحكم، من غير حاجة إلى التدريب العسكري، على كل سلاح.
فتبدو فكرة الحرب مقبولة، مادامت لا تتطلب منه، أكثر من أسلوب واحد، في التشغيل، وهو المنتصر في جميع الحروب التي يدخلها، بدليل، أن أوقات اللعب، تنتهي دون أن يصاب الطفل بأذى، ولا يشعر بحرقة فراق أمه.
والغريب، أن هذه الأجهزة، تسمح بإدخال أية تعديلات على هذه البرامج، حسب متطلبات المهمة القتالية، أثناء الهجوم، أو الدفاع. وهذه النقطة بالذات، من الخطورة بمكان، لأنها تولد لدى الطفل، وهماً كبيراً، بأنه هو المسيطر دائماً، ولا خوف عليه، من دخول الحرب، أو المشاركة في أعمال القتال.
وتشتمل ثقافة الحرب الحاسوبية، على أفضل استخدام لتوجيه الرمي، وهو يدخل السرور إلى نفسية الطفل، حين لا يخطأ الهدف.
ويتعرف الطفل على وسائل الحروب، والإنذار الجوي "صفارات الإنذار" والحروب النووية، والكيماوية، والجرثومية، ويوجه جنوده، أثناء اللعب، إلى لبس القفازات، ووضع كمامات الغاز، والألبسة الواقية، والخوذ،..
لكن أكثر ما يستخدمه الأطفال في ألعابهم، يقتصر على أنواع الصواريخ، التي تتسلح بها الطائرات العامودية "الحوامات"، مثل صواريخ جو – جو، والصواريخ المضادة لها، سترنجر، وقواذف هايدرا، والصواريخ المضادة للدبابات، وأشعة الليزر، وأسلوب استخدام التوجيه الآلي، والباحث الراداري،..
وقد قدر للكاتب، أن يقف إلى جوار مجموعة من الأطفال، يستخدمون هذه البرامج الحاسوبية، في بيوتهم، فبدأ اللعب، حين رصدت إحدى نقاط الرصد المتقدمة، رتلاً من دبابات العدو. فتم تحويل المعلومة، إلى مركز القيادة،.. أتخذ قرارك النهائي بسرعة،.. العدو يتقدم،.. عليك ضرب الأهداف وتحطيمها بقوة،.. هل استلمت؟!
ويكون الجواب،.. تم تحرير المعلومات إلى مركز القيادة،.. يقوم قائد الكتيبة، بصياغة الرد الملائم،.. نعم،.. لدينا ما يكفي من المدافع، لضرب الأهداف المعادية،.. كمية العتاد تكفي لإحراق العدو وإبادته. عليك تحديد الناس المؤثرة، وتفاصيلها، ودقة الرمي،.. استخدم النظام الآلي المخصص،.. اقتلهم جميعاً،.. تعقبهم حتى آخر جندي!
وكم تكون فرصة الطفل عظيمة، عندما بصيب هدفه، فيحرق دبابة، كانت تطلق القذائف بكثافة، أو يسقط طائرة معادية. وتكون فرصته على أشدها، عندما يقتل أكبر عدد من الجنود، فنسمعه يردد،.. اذهب إلى الجحيم،.. وأنت أيضاً، عليك أن تموت،.. يجب أن تموت، لن أدعك تهرب مني،.. تعال إلى هنا،.. أيها الوغد!.. يا حقير! وحين تنتهي المعركة بالنصر، ينهض الطفل من مقعده فرحاً، ليضرب بقبضة يده على الحائط،.. لقد فزت في المعركة!
ويضاف إلى هذه البرامج الحاسوبية، برامج الأطفال عبر محطات التلفزة، والفضائيات، وكلها ذات صبغة قتالية، حربية، شرسة، توجه الأطفال إلى متعة القتال، والاشتراك في الحرب، لقتل الآخرين. ومثل ذلك تفعل القصص المكتوبة للأطفال، والقصص المصورة، وحكايات الأجداد،.. هذا ما يفسر، تقبل الأطفال، لظاهرة الحرب، والموت؟ وهو ما يفسر أيضاً، الشعبية الحالية، التي تحظى بها الحروب، وكيف تقبل الشعوب عليها بشغف؟! فالحرب تنبع في الأساس، من التربية الدينية، والاجتماعية، ووسائل التوعية، وثقافة العصر.
إن لغة الأطفال للحرب – حيث أصبحت من خلالها كجزء من ألعابهم– تولد لديهم، الوهم، بأنهم يعرفون كل شيء، بخصوصها. وهناك أمر أخطر، إذ يبدو، أن ثمة عداء لا واعياً، وعاماً، يعارض آية دراسة من شأنها، أن تقتلع قدسية الحرب، من أذهان الناس.
وأفضل برهان على ذلك، هو أنه يوجد في كل مكان في العالم، معاهد للسرطان، وللسل، وللطاعون، لكن لا يوجد في أي مكان، معهد لدراسة الحروب، التي تؤدي مع ذلك، إلى ضحايا أكثر، من كل هذه الأمراض، والآفات مجتمعة. بل إن هذه الأمراض والأوبئة، غالباً ما تكون من نتائج الحروب.
فالمواطن في بلد، يعتبر الرأي العام فيه، أن الحرب ضرورية، لا يفكر على العموم، بأفعال العنف التي ستجري. وإذا كان عسكرياً، فهو لا يتصور المعركة، إلا بصورة ضعيفة جداً، وأقل من ذلك، موته هو، أو إصابته بعاهة. لكنه يقبل مع ذلك، فكرة الحرب، والتضحية، وتضيع من ذهنه، صور المعركة.
إن إضعاف الطقوس والمعتقدات الدينية، يتجه نحو توجيه جميع القوى الوطنية، والدينية، والاجتماعية، ودوافع الرعب الجماعية، والرغبة في الكسب، والإثراء، نحو الحرب، وتنمية الشعور بالتفوق، والسمو للمقاتل الشرس.
انظر مثلاً، إلى العاب الأطفال المتوافرة في الأسواق، فهي معرض للأسلحة المتطورة، والأسلحة التقليدية، المستخدمة في كل أشكال العنف، والحرب، وجرائم القتل. وتقوم شركات التقنية، وأجهزة الحاسوب، بتطوير صناعاتها، وتزويدها بالخطط العسكرية، ووسائل القتال، لتتناسب مع ذهنية الأطفال، في العصر الحديث.
فأثناء اللعب على الجهاز، يتعرف الطفل، على أنواع الحوامات، كوبرا، وأباتشي، وعلى المدافع، والصواريخ المناسبة، لإسقاط هذه الطائرات. ويستخدم الطفل أثناء اللعب، غرفة القيادة، كأي ضابط عسكري كبير، ليدير الحرب بطريقته الخاصة، ومهارته.
وأسوأ ما في هذه الثقافة السلبية، تنمية الشعور لدى الأطفال، بقدرتهم على استخدام جميع أشكال الأسلحة المتطورة، ومعدات التحكم، من غير حاجة إلى التدريب العسكري، على كل سلاح.
فتبدو فكرة الحرب مقبولة، مادامت لا تتطلب منه، أكثر من أسلوب واحد، في التشغيل، وهو المنتصر في جميع الحروب التي يدخلها، بدليل، أن أوقات اللعب، تنتهي دون أن يصاب الطفل بأذى، ولا يشعر بحرقة فراق أمه.
والغريب، أن هذه الأجهزة، تسمح بإدخال أية تعديلات على هذه البرامج، حسب متطلبات المهمة القتالية، أثناء الهجوم، أو الدفاع. وهذه النقطة بالذات، من الخطورة بمكان، لأنها تولد لدى الطفل، وهماً كبيراً، بأنه هو المسيطر دائماً، ولا خوف عليه، من دخول الحرب، أو المشاركة في أعمال القتال.
وتشتمل ثقافة الحرب الحاسوبية، على أفضل استخدام لتوجيه الرمي، وهو يدخل السرور إلى نفسية الطفل، حين لا يخطأ الهدف.
ويتعرف الطفل على وسائل الحروب، والإنذار الجوي "صفارات الإنذار" والحروب النووية، والكيماوية، والجرثومية، ويوجه جنوده، أثناء اللعب، إلى لبس القفازات، ووضع كمامات الغاز، والألبسة الواقية، والخوذ،..
لكن أكثر ما يستخدمه الأطفال في ألعابهم، يقتصر على أنواع الصواريخ، التي تتسلح بها الطائرات العامودية "الحوامات"، مثل صواريخ جو – جو، والصواريخ المضادة لها، سترنجر، وقواذف هايدرا، والصواريخ المضادة للدبابات، وأشعة الليزر، وأسلوب استخدام التوجيه الآلي، والباحث الراداري،..
وقد قدر للكاتب، أن يقف إلى جوار مجموعة من الأطفال، يستخدمون هذه البرامج الحاسوبية، في بيوتهم، فبدأ اللعب، حين رصدت إحدى نقاط الرصد المتقدمة، رتلاً من دبابات العدو. فتم تحويل المعلومة، إلى مركز القيادة،.. أتخذ قرارك النهائي بسرعة،.. العدو يتقدم،.. عليك ضرب الأهداف وتحطيمها بقوة،.. هل استلمت؟!
ويكون الجواب،.. تم تحرير المعلومات إلى مركز القيادة،.. يقوم قائد الكتيبة، بصياغة الرد الملائم،.. نعم،.. لدينا ما يكفي من المدافع، لضرب الأهداف المعادية،.. كمية العتاد تكفي لإحراق العدو وإبادته. عليك تحديد الناس المؤثرة، وتفاصيلها، ودقة الرمي،.. استخدم النظام الآلي المخصص،.. اقتلهم جميعاً،.. تعقبهم حتى آخر جندي!
وكم تكون فرصة الطفل عظيمة، عندما بصيب هدفه، فيحرق دبابة، كانت تطلق القذائف بكثافة، أو يسقط طائرة معادية. وتكون فرصته على أشدها، عندما يقتل أكبر عدد من الجنود، فنسمعه يردد،.. اذهب إلى الجحيم،.. وأنت أيضاً، عليك أن تموت،.. يجب أن تموت، لن أدعك تهرب مني،.. تعال إلى هنا،.. أيها الوغد!.. يا حقير! وحين تنتهي المعركة بالنصر، ينهض الطفل من مقعده فرحاً، ليضرب بقبضة يده على الحائط،.. لقد فزت في المعركة!
ويضاف إلى هذه البرامج الحاسوبية، برامج الأطفال عبر محطات التلفزة، والفضائيات، وكلها ذات صبغة قتالية، حربية، شرسة، توجه الأطفال إلى متعة القتال، والاشتراك في الحرب، لقتل الآخرين. ومثل ذلك تفعل القصص المكتوبة للأطفال، والقصص المصورة، وحكايات الأجداد،.. هذا ما يفسر، تقبل الأطفال، لظاهرة الحرب، والموت؟ وهو ما يفسر أيضاً، الشعبية الحالية، التي تحظى بها الحروب، وكيف تقبل الشعوب عليها بشغف؟! فالحرب تنبع في الأساس، من التربية الدينية، والاجتماعية، ووسائل التوعية، وثقافة العصر.
إن لغة الأطفال للحرب – حيث أصبحت من خلالها كجزء من ألعابهم– تولد لديهم، الوهم، بأنهم يعرفون كل شيء، بخصوصها. وهناك أمر أخطر، إذ يبدو، أن ثمة عداء لا واعياً، وعاماً، يعارض آية دراسة من شأنها، أن تقتلع قدسية الحرب، من أذهان الناس.
وأفضل برهان على ذلك، هو أنه يوجد في كل مكان في العالم، معاهد للسرطان، وللسل، وللطاعون، لكن لا يوجد في أي مكان، معهد لدراسة الحروب، التي تؤدي مع ذلك، إلى ضحايا أكثر، من كل هذه الأمراض، والآفات مجتمعة. بل إن هذه الأمراض والأوبئة، غالباً ما تكون من نتائج الحروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق