السيد محمد علي الحسيني
طبيعة المستجدات التي أفرزتها نکسة الخامس من حزيران عام 1967، فرضت على الواقع العربي أمورا عديدة کان أهمها مراجعة الحسابات العربية في مختلف المجالات المتعلقة بعملية الصراع العربي ـ الصهيوني ودراسة أسباب قصور وتخلف الدور العربي في مجاراة العملية ولو بمستوى شبه متواضع إذ أن الواقع المرير لنکسة حزيران أثبتت للجميع بأن المستوى العربي کان بحالة هزيلة جدا لاتتناسب مع حجمه ودوره في المنطقة والعالم إطلاقا.
وقد جاءت حرب تشرين عام 1973 المحدودة لترد للجندي وللمواطن العربي اعتباره وتعکس صورة مشرقة أخرى للعربي في المخيلة الدولية وتقلل من وقع کارثة هزيمة الخامس من حزيران، وقد کان سقوط جدار بارليف المنيع تحت أقدام الجندي العربي بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي ـ الصهيوني حيث حدثت فيها تغييرات استراتيجية انهت الاحتکار الصهيوني للموقف الدولي، وقد کان لدخول النفط العربي کسلاح في حرب تشرين، رسالة قوية وذات مغزى خاص من أن العرب يملکون بإيديهم شريان الحياة الاقتصادية للغرب وهو ما دعى بالاستراتيجية الامريکية بشکل خاص والغربية بشکل عام لإعادة حساباتها ومنح أهمية للعرب وإعادة المعادلة بترتيب يکون فيها للعرب دور يليق بهم رغم أن الولايات المتحدة الامريکية ودول اوربا الغربية وبسبب من الکثير من العوامل الجيواستراتيجية المتداخلة لم تتمکن ابدا للنظر الى جوهر الصراع من زاوية الانصاف لکن ذلك لم يدفع العرب لکي يربطوا حساباتهم السياسية بهذا الامر وکأنه حقيقة نهائية وانما شرعوا لإعداد خطط وبرامج سياسية ـ اقتصادية لتغيير وإنهاء ذلك الانحياز المطلق.
وجائت إتفاقية کامب ديفيد بين مصر والکيان الصهيوني کلطمة قوية أخرى في وجه الاعداد العربي الرسمي للدخول کقوة إقليمية في عملية التوازن الاستراتيجي وتبعثرت من جديد القوة العربية وذهب الجهد العربي سدى في عالم يکاد يکون العرب هم أحوج الناس لأي جهد مبذول وکاد العرب أن يضيعوا في متاهات و دروب وهمية وخيالية ليست لها أهمية ودور على أرض الواقع کما کان الحال في مؤتمري القمة العربيين في بغداد وعمان بعد إتفاقية کامب ديفيد حيث تقوقعا کلاهما في بوتقة الشعارات والسياسات الانفعالية التي ليست لها أية أهمية في مسارات السياسة الدولية ومن هنا فإن مؤتمر القمة العربي المنعقد في فاس بالمغرب عام 1982، قد غير المسار السياسي العربي ومنحه بعدا استراتيجيا استثنائيا من خلال مبادرة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والتي طرحت رؤية جديدة ومعاصرة للصراع العربي ـ الصهيوني وحددت أطرا مناسبة لحل عادل ومشرف لکل الاطراف. هذه المبادرة الشجاعة و الجريئة أطلقت في وقت بدأت الدبلوماسية السعودية بشکل خاص تأخذ زمام المبادرة عربيا وتدير وببراعة المسارات السياسية ضد الکيان الصهيوني ولن نکون منصفين فيما إذا لم نقر بأن تغييرات ملموسة قد حدثت على المسارين الامريکي والاوربي، وطفقا يأخذان في حساباتهما الثقل العربي وتراجع المسار الاحادي الجانب الذي کان طاغيا على السياستين الامريکية والاوربية.
والامر الملاحظ هو أن نشوء مجلس التعاون الخليجي الذي کان في أساسه انعکاسا لتوجه عروبي سعودي خالص، قد مهد لتأسيس قوة سياسية ـ اقتصادية عربية ذات أهمية استراتيجية على الصعيدين الاقليمي والدولي وهي القوة التي طرحت وللمرة الاولى في الفکر السياسي ـ الاقتصادي العربي المعاصر مسألة ولادة دول قوية مثل الامارات العربية المتحدة وقطر والکويت والبحرين برغم احجامها الصغيرة و کثافتها السکانية المتواضعة ولم يکن تواجد هکذا دول عربية بمعزل ومنأى من عملية الصراع العربي ـ الصهيوني إطلاقا حيث لعبت کل واحدة منها على حدة ومجتمعة مع شقيقاتها ادوارا مميزة على الاصعدة السياسية والاقتصادية، وان مجرد دخول دول مجلس التعاون الخليجي کقوة اقتصادية معتبرة يعطي أملا حقيقيا وواقعيا بدخول العرب في ميدان التوازن الاستراتيجي وتأديتهم لدورهم المطلوب على هذا المستوى، وان نظرة إلى الواقع العربي من بعد مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، تعطينا الکثير من الدلالات على أن تغييرات جذرية واساسية قد طرأت على واقع الفکر السياسي للعقلية العربية وانها باتت تمتلك مرونة وسلاسة أکثر في تصديها للکثير من القضايا المهمة والمصيرية.
اننا مع تقديرنا للدور الکبير الذي أدته مصر ودول أخرى على المستوى القيادي للأمة العربية، لکننا ننوه الى أنها وللأسف ولأسباب متعددة لم تتمکن من أن تطرح العرب کقوة سياسية ـ إقتصادية في التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي وانما ظلت بعيدة کل البعد عن هذا المعترك لکن الامر قد تغير تماما منذ ان بدأ الدور السعودي يأخذ بعدا قياديا على مستوى الوطن العربي ولعل التأکيد الدولي على هذا الدور ومحتواه الواقعي قد أعطى انطباعا کبيرا بالحيز الذي بات يشغله على الساحة الدولية وان الرياض قد أصبحت الآن أهم عاصمة بالنسبة للقرار العربي وصارت المرجع الاساسي بالنسبة لأي شأن عربي من جانب القوى الدولية المؤثرة.
ان الدور السعودي المتعاظم قد کان مترادفا مع بروز وتطور جوانب حيوية أخرى أهمها أن المملکة قد بدأت للإعداد لمرحلة جديدة يتم خلالها طرح الحوار کصيغة مثلى لمعالجة المشاکل والازمات والاحتقانات کما ان الدور الذي لعبته العربية السعودية في رأب الصدع العربي وتقريب وجهات النظر بين الاشقاء وعدم السماح بهدر المال والجهد العربيين، قد ساعدا ويساعدا على إصفاء المزيد من القوة والاعتبار للدور العربي في الميزان الاستراتيجي وليس خافيا من أن الرياض التي أدرکت نقاط قوة وضعف مراکز وقوى القرار الدولي، قد باتت تتحرك وتتصرف في ضوء ذلك وهو أمر شهدت له العديد من الاوساط السياسية والاستخبارية الدولية والاقليمية.
ان التحرکات التي تتم اليوم على صعيد الصراع العربي ـ الصهيوني هي غير التحرکات التي کانت تتم خلال العقود المنصرمة وان الکيان الصهيوني قد أدرك تماما أن العرب قد دخلوا المعترکات الدولية الحساسة من أوسع أبوابها ومن هنا فإن السياسة الصهيونية تعاني اليوم الامرين من طبيعة المرحلة الجديدة في صراعها مع العرب وتدرك بجلاء أنها مرغمة على التعاطي مع الواقع الدولي وفق رؤى محددة تشارك في صياغتها العقلية العربية.
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
طبيعة المستجدات التي أفرزتها نکسة الخامس من حزيران عام 1967، فرضت على الواقع العربي أمورا عديدة کان أهمها مراجعة الحسابات العربية في مختلف المجالات المتعلقة بعملية الصراع العربي ـ الصهيوني ودراسة أسباب قصور وتخلف الدور العربي في مجاراة العملية ولو بمستوى شبه متواضع إذ أن الواقع المرير لنکسة حزيران أثبتت للجميع بأن المستوى العربي کان بحالة هزيلة جدا لاتتناسب مع حجمه ودوره في المنطقة والعالم إطلاقا.
وقد جاءت حرب تشرين عام 1973 المحدودة لترد للجندي وللمواطن العربي اعتباره وتعکس صورة مشرقة أخرى للعربي في المخيلة الدولية وتقلل من وقع کارثة هزيمة الخامس من حزيران، وقد کان سقوط جدار بارليف المنيع تحت أقدام الجندي العربي بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي ـ الصهيوني حيث حدثت فيها تغييرات استراتيجية انهت الاحتکار الصهيوني للموقف الدولي، وقد کان لدخول النفط العربي کسلاح في حرب تشرين، رسالة قوية وذات مغزى خاص من أن العرب يملکون بإيديهم شريان الحياة الاقتصادية للغرب وهو ما دعى بالاستراتيجية الامريکية بشکل خاص والغربية بشکل عام لإعادة حساباتها ومنح أهمية للعرب وإعادة المعادلة بترتيب يکون فيها للعرب دور يليق بهم رغم أن الولايات المتحدة الامريکية ودول اوربا الغربية وبسبب من الکثير من العوامل الجيواستراتيجية المتداخلة لم تتمکن ابدا للنظر الى جوهر الصراع من زاوية الانصاف لکن ذلك لم يدفع العرب لکي يربطوا حساباتهم السياسية بهذا الامر وکأنه حقيقة نهائية وانما شرعوا لإعداد خطط وبرامج سياسية ـ اقتصادية لتغيير وإنهاء ذلك الانحياز المطلق.
وجائت إتفاقية کامب ديفيد بين مصر والکيان الصهيوني کلطمة قوية أخرى في وجه الاعداد العربي الرسمي للدخول کقوة إقليمية في عملية التوازن الاستراتيجي وتبعثرت من جديد القوة العربية وذهب الجهد العربي سدى في عالم يکاد يکون العرب هم أحوج الناس لأي جهد مبذول وکاد العرب أن يضيعوا في متاهات و دروب وهمية وخيالية ليست لها أهمية ودور على أرض الواقع کما کان الحال في مؤتمري القمة العربيين في بغداد وعمان بعد إتفاقية کامب ديفيد حيث تقوقعا کلاهما في بوتقة الشعارات والسياسات الانفعالية التي ليست لها أية أهمية في مسارات السياسة الدولية ومن هنا فإن مؤتمر القمة العربي المنعقد في فاس بالمغرب عام 1982، قد غير المسار السياسي العربي ومنحه بعدا استراتيجيا استثنائيا من خلال مبادرة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والتي طرحت رؤية جديدة ومعاصرة للصراع العربي ـ الصهيوني وحددت أطرا مناسبة لحل عادل ومشرف لکل الاطراف. هذه المبادرة الشجاعة و الجريئة أطلقت في وقت بدأت الدبلوماسية السعودية بشکل خاص تأخذ زمام المبادرة عربيا وتدير وببراعة المسارات السياسية ضد الکيان الصهيوني ولن نکون منصفين فيما إذا لم نقر بأن تغييرات ملموسة قد حدثت على المسارين الامريکي والاوربي، وطفقا يأخذان في حساباتهما الثقل العربي وتراجع المسار الاحادي الجانب الذي کان طاغيا على السياستين الامريکية والاوربية.
والامر الملاحظ هو أن نشوء مجلس التعاون الخليجي الذي کان في أساسه انعکاسا لتوجه عروبي سعودي خالص، قد مهد لتأسيس قوة سياسية ـ اقتصادية عربية ذات أهمية استراتيجية على الصعيدين الاقليمي والدولي وهي القوة التي طرحت وللمرة الاولى في الفکر السياسي ـ الاقتصادي العربي المعاصر مسألة ولادة دول قوية مثل الامارات العربية المتحدة وقطر والکويت والبحرين برغم احجامها الصغيرة و کثافتها السکانية المتواضعة ولم يکن تواجد هکذا دول عربية بمعزل ومنأى من عملية الصراع العربي ـ الصهيوني إطلاقا حيث لعبت کل واحدة منها على حدة ومجتمعة مع شقيقاتها ادوارا مميزة على الاصعدة السياسية والاقتصادية، وان مجرد دخول دول مجلس التعاون الخليجي کقوة اقتصادية معتبرة يعطي أملا حقيقيا وواقعيا بدخول العرب في ميدان التوازن الاستراتيجي وتأديتهم لدورهم المطلوب على هذا المستوى، وان نظرة إلى الواقع العربي من بعد مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، تعطينا الکثير من الدلالات على أن تغييرات جذرية واساسية قد طرأت على واقع الفکر السياسي للعقلية العربية وانها باتت تمتلك مرونة وسلاسة أکثر في تصديها للکثير من القضايا المهمة والمصيرية.
اننا مع تقديرنا للدور الکبير الذي أدته مصر ودول أخرى على المستوى القيادي للأمة العربية، لکننا ننوه الى أنها وللأسف ولأسباب متعددة لم تتمکن من أن تطرح العرب کقوة سياسية ـ إقتصادية في التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي وانما ظلت بعيدة کل البعد عن هذا المعترك لکن الامر قد تغير تماما منذ ان بدأ الدور السعودي يأخذ بعدا قياديا على مستوى الوطن العربي ولعل التأکيد الدولي على هذا الدور ومحتواه الواقعي قد أعطى انطباعا کبيرا بالحيز الذي بات يشغله على الساحة الدولية وان الرياض قد أصبحت الآن أهم عاصمة بالنسبة للقرار العربي وصارت المرجع الاساسي بالنسبة لأي شأن عربي من جانب القوى الدولية المؤثرة.
ان الدور السعودي المتعاظم قد کان مترادفا مع بروز وتطور جوانب حيوية أخرى أهمها أن المملکة قد بدأت للإعداد لمرحلة جديدة يتم خلالها طرح الحوار کصيغة مثلى لمعالجة المشاکل والازمات والاحتقانات کما ان الدور الذي لعبته العربية السعودية في رأب الصدع العربي وتقريب وجهات النظر بين الاشقاء وعدم السماح بهدر المال والجهد العربيين، قد ساعدا ويساعدا على إصفاء المزيد من القوة والاعتبار للدور العربي في الميزان الاستراتيجي وليس خافيا من أن الرياض التي أدرکت نقاط قوة وضعف مراکز وقوى القرار الدولي، قد باتت تتحرك وتتصرف في ضوء ذلك وهو أمر شهدت له العديد من الاوساط السياسية والاستخبارية الدولية والاقليمية.
ان التحرکات التي تتم اليوم على صعيد الصراع العربي ـ الصهيوني هي غير التحرکات التي کانت تتم خلال العقود المنصرمة وان الکيان الصهيوني قد أدرك تماما أن العرب قد دخلوا المعترکات الدولية الحساسة من أوسع أبوابها ومن هنا فإن السياسة الصهيونية تعاني اليوم الامرين من طبيعة المرحلة الجديدة في صراعها مع العرب وتدرك بجلاء أنها مرغمة على التعاطي مع الواقع الدولي وفق رؤى محددة تشارك في صياغتها العقلية العربية.
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق