راسم عبيدات
.......دعيت أنا وعدد من الأصدقاء إلى حفلة عرس في بلدة غوش العربية،وقرية أبو غوش هي احدى قرى القدس العربية المحتلة عام 48،وفي طريق إلى الحفلة كانت تجول في رأسي مجموعة من الخواطر والأفكار حول الشكل الذي سيكون عليه العرس،ولا أخفيكم سراً إذا ما قلت لنفسي،إذا كانت قريتنا والمقصود جبل المكبر والتي جذورها بدوية،ولم يمضي على احتلالها هي وباقي قرى القدس والضفة أكثر من 42 عاماً هجرت إقامة الأعراس في الساحات العامة،كما هجرت السامر والدبكة الشعبية"والسحجة والدحية"وغيرها من أشكال التراث الشعبي،لتستعيض عنها بإقامة الأعراس في القاعات المغلقة،والرقص على أغاني في أغلبها لمطربين ومتعهدي حفلات بمرافقة الآت غربية وموسيقى صاخبة،والأغاني التي يقدمها المطرب أو الفرقة التي تحيي السهرة،هي أغاني لمطربي ومطربات الشباب في أغلبها من الفن الهابط، منها ما هو مفهوم ومنها ما هو غير مفهوم وبلا معنى وليس له علاقة بالفن والطرب،والمهم في الأمر موسيقى تصدح وأجساد لشباب تتمايل على خشبة المسرح بحركات غير منتظمة،وأقرب ما تكون إلى الفوضى والعبثية،أو كما هي حال السياسة الأمريكية في المنطقة "سياسة الفوضى الخلاقة"،وكنت أقول إذا كان هذا الحال عندنا ونحن من المدعين التشبث بالتراث،فكيف بقرية أبو غوش والتي مضى على احتلالها أكثر من ستون عاماً،وسبقتنا الى الاختلاط بالإسرائيليين،ناهيك عن الكثير من الأمور التي تم فرضها عليهم قسراً من الاحتلال بقصد طمس هويتهم وتاريخهم وتراثهم ونفي وجودهم،والحقيقة أن ما وجدته على الأرض يثبت أن هذا الشعب،رغم كل ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات تستهدف عروبتة وهويتة وتراثه وتاريخه ووجوده وانتماءه،إلا أنه يثبت أن علاقته بأرضه وهويته وتراثه علاقة جدلية وتلازمية،كحال حق العودة الذي لا يسقط بالتقادم،فما أن وصلنا الى بيت العريس،حيث كان المدعون يجلسون في ساحة عامة،وفرق الدبكة الشعبية والتراث الشعبي من أكثر من قرية مقدسية تتناوب على خشبة مسرح نصب لهذه الغاية،وما لفت نظري هنا أن الحضور كانوا يجلسون ويحسنون الإستماع وتذوق الفن بأشكاله المختلفة ودون جلبة أو ضوضاء،حيث الطرب الأصيل والأغاني للأرض والحصاد والزرع والغيث والزيت والزيتون والزعتر والتغني بالأمجاد وصولات وجولات وبطولات العرب في الزمن الغابر،والشكل التراثي والطرب الأصيل هو الذي كان سائد في العرس،وأم العريس والتي كنت أتصور بحكم موقعها الوظيفي كمديرة للمعارف العربية ومسؤولة عن التعليم الحكومي في مدارس القدس الشرقية،سيكون حالها كحال المسؤولين عندنا، أي ستكون "نافشة ريشها كالطاووس"،ولكن وجدت أمامي بنت بلد وفلاحة أصيلة وبغض النظر،ان كنت اختلف معها حول دورها الوظيفي وما يمارسه جهاز المعارف من تجهيل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في المدارس الحكومية في القدس والداخل،لا يتعدى فيه دور الموظفين العرب دور شاهد الزور،وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم يوافقون على هذه السياسة،فالكثير منهم يحاول قدر الإمكان أن يساعد،ولكن لا يستطيع تجاوز السياسة التي يرسمها الإحتلال،وحتى لا يقول من يتصيدون في الماء العكر،أن هذا الكلام او المديح يخفي خلفه مصلحة خاصة،وكما قلت كانت أم العريس بنت بلد وفلاحة أصيلة وترتدي ملابس بسيطة وتحث الجمهور والحضور على "التصفيق" لفرق الدبكة وأغاني الطرب الفلسطيني الأصيل.وبحق كانت حفلة طرب فلسطيني أصيل،تفتقد إليها الكثير من أعراس قرانا،والتي بفعل تأثيرات الاحتلال والعولمة،حصل معها كما حصل مع الغراب الذي أراد أن يتعلم مشية الحجل،لم يتقن لا مشية الحجل ولم يستطع الطيران كالسابق،حيث جري الكثير من التشويه لقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وتراثنا،تحت يافطة الرقي والتطور ومجاراة الحضارة،في الوقت الذي نرزح فيه تحت نير تخلف اجتماعي،يشوه كل ما هو جميل في مجتمعنا،بل لا أبالغ إذا ما قلت أن ذلك يهتك ويدمر وحدة نسيجنا المجتمعي،وكما نذكر نحن ويذكر الإباء والأجداد أن الناس كانوا قديماً يتوجهون إلى العرس بكل محبة وسرور لمشاركة أهل العريس الفرحة بأفراحهم حيث كانت تقام لعدة أيام حلقات الدبكة والسامر،والمساعدة في كل التحضيرات والتجهيزات للعرس.
أما اليوم وعندما أصبحت الكثير من هذه الأعراس،أعراس"فشخرة" ومباهاة،ومشاريع للجاه الاجتماعي والاقتصادي،فالكثير من يدعون إلى هذه الأعراس يمنون النفس،أن لا يتم دعوتهم الى هذه الأعراس،فهذه الأعراس أصبحت عبء اقتصادي على الكثيرين من أبناء شعبنا لكثرة المناسبات اللواتي يدعون لها،والذهاب الى هذا العرس ليس بغرض مشاركة أهل العريس فرحتهم،بل في الأغلب منها إسقاط واجب اجتماعي،أو كما يقول البعض سداد دين،أو لوجود مصلحة في حضور هذا العرس،صحيح أنه حدثت الكثير من المتغيرات والتطورات،وما كان مقبولاً قبل عشرين عاماً لم يعد مقبولاً اليوم،ولكن لا يعني هذا أن نشوه كل ما هو جميل في حياتنا من فرح أو مناسبة اجتماعية،لكي نحولها إلى شكل من أشكال المباهاة و"الفشخرة"،او شكل من أشكال الاستثمار بمعانيه المختلفة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ...الخ،
أن تراث الشعوب جزء من هويتها وحضارتها ووجودها،فالتمدن والتطور يجب أن لا يجعلنا نهجر تراثنا أو نساهم في محوه،فالكثير من تراثنا سواء بأشكال فنونه المختلفة أو الملابس وأدوات الحلي والزينة يجري سرقتها من قبل أعداءنا والترويج لها في العالم على أنها جزء من تراثهم وثقافتهم،وحتى أكلاتنا الشعبية من حمص وفلافل وغيرها جري ويجري سرقتها،ومسألة الحفاظ على تراثنا ليست مسؤولة فرقة أو مؤسسة بعينها،بل هي مسؤولية شعب بأكمله،بحيث يجب علينا العمل أن يكون عندنا مئات الفرق للدبكة الشعبية والسامر و"السحجة والدحية"،وأذكر أنه عندما كانت الحركة الوطنية في أوجها وبالذات في فترة السبعينات،كانت تقام مسابقات لفرق الدبكة الشعبية وأحياء التراث من مختلف قرى ومدن فلسطين،وكانت الجماهير تستمتع بفن أصيل على مدار أسبوع أو أكثر،أما اليوم فمن النادر أن تسمع عن مثل هذه الأنشطة أو هذه المسابقات.
صحيح أن قرية أبو غوش لديها من الرقي والتطور،ما يضاهي أي قرية أو مدينة عصرية من حيث النظافة والخدمات والتنظيم الهندسي وشبكة المواصلات والعمران والمحال التجارية والمطاعم ......الخ.
وصحيح أن الاحتلال حاول بشتى الطرق والسبل أن يسلخها عن محيطها الفلسطيني،ويخرج أهلها من دائرة الفعل الوطني،ولكن ما لمسته ووجدته أنه رغم كل ما قام به الإحتلال من ممارسات واجراءات في هذا الإتجاه،تبقى قرية أبو غوش قرية عربية أصلية بأهلها،معتزة بفلسطينيتها وتراثها وهويتها العربية،وحتماً ستفشل كل محاولات أسرلتها وتهويد أرضها،كما ستفشل محاولات أسرلة وتهويد القدس العربية.
.......دعيت أنا وعدد من الأصدقاء إلى حفلة عرس في بلدة غوش العربية،وقرية أبو غوش هي احدى قرى القدس العربية المحتلة عام 48،وفي طريق إلى الحفلة كانت تجول في رأسي مجموعة من الخواطر والأفكار حول الشكل الذي سيكون عليه العرس،ولا أخفيكم سراً إذا ما قلت لنفسي،إذا كانت قريتنا والمقصود جبل المكبر والتي جذورها بدوية،ولم يمضي على احتلالها هي وباقي قرى القدس والضفة أكثر من 42 عاماً هجرت إقامة الأعراس في الساحات العامة،كما هجرت السامر والدبكة الشعبية"والسحجة والدحية"وغيرها من أشكال التراث الشعبي،لتستعيض عنها بإقامة الأعراس في القاعات المغلقة،والرقص على أغاني في أغلبها لمطربين ومتعهدي حفلات بمرافقة الآت غربية وموسيقى صاخبة،والأغاني التي يقدمها المطرب أو الفرقة التي تحيي السهرة،هي أغاني لمطربي ومطربات الشباب في أغلبها من الفن الهابط، منها ما هو مفهوم ومنها ما هو غير مفهوم وبلا معنى وليس له علاقة بالفن والطرب،والمهم في الأمر موسيقى تصدح وأجساد لشباب تتمايل على خشبة المسرح بحركات غير منتظمة،وأقرب ما تكون إلى الفوضى والعبثية،أو كما هي حال السياسة الأمريكية في المنطقة "سياسة الفوضى الخلاقة"،وكنت أقول إذا كان هذا الحال عندنا ونحن من المدعين التشبث بالتراث،فكيف بقرية أبو غوش والتي مضى على احتلالها أكثر من ستون عاماً،وسبقتنا الى الاختلاط بالإسرائيليين،ناهيك عن الكثير من الأمور التي تم فرضها عليهم قسراً من الاحتلال بقصد طمس هويتهم وتاريخهم وتراثهم ونفي وجودهم،والحقيقة أن ما وجدته على الأرض يثبت أن هذا الشعب،رغم كل ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات تستهدف عروبتة وهويتة وتراثه وتاريخه ووجوده وانتماءه،إلا أنه يثبت أن علاقته بأرضه وهويته وتراثه علاقة جدلية وتلازمية،كحال حق العودة الذي لا يسقط بالتقادم،فما أن وصلنا الى بيت العريس،حيث كان المدعون يجلسون في ساحة عامة،وفرق الدبكة الشعبية والتراث الشعبي من أكثر من قرية مقدسية تتناوب على خشبة مسرح نصب لهذه الغاية،وما لفت نظري هنا أن الحضور كانوا يجلسون ويحسنون الإستماع وتذوق الفن بأشكاله المختلفة ودون جلبة أو ضوضاء،حيث الطرب الأصيل والأغاني للأرض والحصاد والزرع والغيث والزيت والزيتون والزعتر والتغني بالأمجاد وصولات وجولات وبطولات العرب في الزمن الغابر،والشكل التراثي والطرب الأصيل هو الذي كان سائد في العرس،وأم العريس والتي كنت أتصور بحكم موقعها الوظيفي كمديرة للمعارف العربية ومسؤولة عن التعليم الحكومي في مدارس القدس الشرقية،سيكون حالها كحال المسؤولين عندنا، أي ستكون "نافشة ريشها كالطاووس"،ولكن وجدت أمامي بنت بلد وفلاحة أصيلة وبغض النظر،ان كنت اختلف معها حول دورها الوظيفي وما يمارسه جهاز المعارف من تجهيل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في المدارس الحكومية في القدس والداخل،لا يتعدى فيه دور الموظفين العرب دور شاهد الزور،وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم يوافقون على هذه السياسة،فالكثير منهم يحاول قدر الإمكان أن يساعد،ولكن لا يستطيع تجاوز السياسة التي يرسمها الإحتلال،وحتى لا يقول من يتصيدون في الماء العكر،أن هذا الكلام او المديح يخفي خلفه مصلحة خاصة،وكما قلت كانت أم العريس بنت بلد وفلاحة أصيلة وترتدي ملابس بسيطة وتحث الجمهور والحضور على "التصفيق" لفرق الدبكة وأغاني الطرب الفلسطيني الأصيل.وبحق كانت حفلة طرب فلسطيني أصيل،تفتقد إليها الكثير من أعراس قرانا،والتي بفعل تأثيرات الاحتلال والعولمة،حصل معها كما حصل مع الغراب الذي أراد أن يتعلم مشية الحجل،لم يتقن لا مشية الحجل ولم يستطع الطيران كالسابق،حيث جري الكثير من التشويه لقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وتراثنا،تحت يافطة الرقي والتطور ومجاراة الحضارة،في الوقت الذي نرزح فيه تحت نير تخلف اجتماعي،يشوه كل ما هو جميل في مجتمعنا،بل لا أبالغ إذا ما قلت أن ذلك يهتك ويدمر وحدة نسيجنا المجتمعي،وكما نذكر نحن ويذكر الإباء والأجداد أن الناس كانوا قديماً يتوجهون إلى العرس بكل محبة وسرور لمشاركة أهل العريس الفرحة بأفراحهم حيث كانت تقام لعدة أيام حلقات الدبكة والسامر،والمساعدة في كل التحضيرات والتجهيزات للعرس.
أما اليوم وعندما أصبحت الكثير من هذه الأعراس،أعراس"فشخرة" ومباهاة،ومشاريع للجاه الاجتماعي والاقتصادي،فالكثير من يدعون إلى هذه الأعراس يمنون النفس،أن لا يتم دعوتهم الى هذه الأعراس،فهذه الأعراس أصبحت عبء اقتصادي على الكثيرين من أبناء شعبنا لكثرة المناسبات اللواتي يدعون لها،والذهاب الى هذا العرس ليس بغرض مشاركة أهل العريس فرحتهم،بل في الأغلب منها إسقاط واجب اجتماعي،أو كما يقول البعض سداد دين،أو لوجود مصلحة في حضور هذا العرس،صحيح أنه حدثت الكثير من المتغيرات والتطورات،وما كان مقبولاً قبل عشرين عاماً لم يعد مقبولاً اليوم،ولكن لا يعني هذا أن نشوه كل ما هو جميل في حياتنا من فرح أو مناسبة اجتماعية،لكي نحولها إلى شكل من أشكال المباهاة و"الفشخرة"،او شكل من أشكال الاستثمار بمعانيه المختلفة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ...الخ،
أن تراث الشعوب جزء من هويتها وحضارتها ووجودها،فالتمدن والتطور يجب أن لا يجعلنا نهجر تراثنا أو نساهم في محوه،فالكثير من تراثنا سواء بأشكال فنونه المختلفة أو الملابس وأدوات الحلي والزينة يجري سرقتها من قبل أعداءنا والترويج لها في العالم على أنها جزء من تراثهم وثقافتهم،وحتى أكلاتنا الشعبية من حمص وفلافل وغيرها جري ويجري سرقتها،ومسألة الحفاظ على تراثنا ليست مسؤولة فرقة أو مؤسسة بعينها،بل هي مسؤولية شعب بأكمله،بحيث يجب علينا العمل أن يكون عندنا مئات الفرق للدبكة الشعبية والسامر و"السحجة والدحية"،وأذكر أنه عندما كانت الحركة الوطنية في أوجها وبالذات في فترة السبعينات،كانت تقام مسابقات لفرق الدبكة الشعبية وأحياء التراث من مختلف قرى ومدن فلسطين،وكانت الجماهير تستمتع بفن أصيل على مدار أسبوع أو أكثر،أما اليوم فمن النادر أن تسمع عن مثل هذه الأنشطة أو هذه المسابقات.
صحيح أن قرية أبو غوش لديها من الرقي والتطور،ما يضاهي أي قرية أو مدينة عصرية من حيث النظافة والخدمات والتنظيم الهندسي وشبكة المواصلات والعمران والمحال التجارية والمطاعم ......الخ.
وصحيح أن الاحتلال حاول بشتى الطرق والسبل أن يسلخها عن محيطها الفلسطيني،ويخرج أهلها من دائرة الفعل الوطني،ولكن ما لمسته ووجدته أنه رغم كل ما قام به الإحتلال من ممارسات واجراءات في هذا الإتجاه،تبقى قرية أبو غوش قرية عربية أصلية بأهلها،معتزة بفلسطينيتها وتراثها وهويتها العربية،وحتماً ستفشل كل محاولات أسرلتها وتهويد أرضها،كما ستفشل محاولات أسرلة وتهويد القدس العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق