سيد أمين
ليس ترفاً فكرياً أن نعيد الآن طرح السؤال الذى طرحه الكثيرون من الساعين لترتيب أولويات الفكر على مر العصور: أيهما يقود إلى الآخر.. العدل أم الحرية؟ وأيهما أكثر أهمية من الآخر؟
فى الواقع أن التجارب الإنسانية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن قيمة الحرية تعد وسيلة لتحقيق العدالة التى متى تحققت توافرت وانبثقت منها الحرية بمعنى أن كليهما متلازمان ولكن لو خيرنا بالتضحية بواحدة منهما مقابل انتعاش القيمة الأخرى لاختار الناس - لاسيما العقلاء منهم - التضحية بالحرية حتى تبقى العدالة.
وفى الفكر الإسلامى تقدمت فكرة العدالة على ما سواها من عوالم الأفكار ونجده -سبحانه وتعالى - فى مواضع متعددة يشير إلى العدالة كواحدة من أهم القيم التى ينبغى على المجتمع المسلم المحافظة عليها بل إنه قدمها على قيمة الإحسان التى تعد نهاية المطاف ودرة الخصال الواجب توافرها فى المجتمع.
ومع ذلك لم نجد التشديد والجزم الذى وجدناه فى قيمة العدالة عند الحديث عن الحرية سوى فى مواضع الرق والعبودية وهى المواضع التى تسلب فيها الحرية كاملة.
ورغم أن الكثيرين من المفكرين الغربيين - على اختلاف مشاربهم الفلسفية - أمثال هيجل وكيركجارد وكانط وجاسبرز ولينين وماركس- يعلون من شأن قيمة العدالة منطلقين فى ذلك من مواقفهم الاجتماعية , نجد آخرين أمثال برتراندراسل وسارتر يعتبران أن الحرية هى القيمة الأعلى وأن العدالة جزء منها وقد وجهت لهما انتقادات لاذعة باعتبار أن كراهيتهما للشمولية الاجتماعية قادتهما للخروج بنتيجة لا يمكن أن تقود إلى الحقيقة.
اللافت أن قيمة الحرية بمفهومها الحالى بدأت فى الظهور والتنامى متزامنة مع فترة الاستعمار العسكرى وإن كان المقصود بها آنذاك مصطلح «الاستقلال» ثم سرعان ما تحولت إلى الحرية الفردية مع انتشار موجة العولمة العلمانية والمقصود من ورائهما القضاء على كل مظاهر الدولة القومية والخصوصيات الثقافية للأمم تحت وهم الأولوية للعلم وهو الأمر الذى يمكن الغرب من بسط السيطرة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حتى السياسية والعسكرية على المستعمرات القديمة فى ثوب جديد.
ولم تكن البشرية أكثر سعادة حينما تعالت الأصوات المنادية بالحرية خصوصا فى ظل معايير مبتدعة مثل الديمقراطية ونظام الأغلبية اللتين كشفت سوءاتهما أكثر مما تخبئان لاسيما فى أمم اعتادت على تزييف إرادتها التى لم تكن هى الأخرى بالناضجة أصلاً.
إن ترتيباً جيدا للأفكار سيجعلنا نؤكد أن الحرية الفردية ليست إلا وسيلة لتحقيق العدالة لاسيما فى تلك الأمم التى يفتقد مواطنوها الوعى جملة وتفصيلا بل إنه يمكننا أن نقول إن توافر عنصر الحرية الفردية فى مثل تلك المجتمعات قد يكون عاملاً للهدم وليس البناء، خاصة إذا كان المراد من توفير ضمانات الحرية الفردية التدليل على وجود العدالة.
إن نظرية العادل المستبد التى شخصها عبد الرحمن الكواكبى فى «طبائع الاستبداد» هى فعلا النظرية المثالية للنهوض بالكثير من أمم العالم لاسيما الأمة العربية، ولذلك فإن الشعب العربى يسوقه حنين دائم إلى جمال عبد الناصر وصدام حسين وهوارى بومدين وليس إلى الزعامات الحالية التى استخدمت صناديق الاقتراع ونادت بالحرية الفردية لكنها قتلت العدالة.
وأنا أتصور ولعلى لا أكون مبالغا بأن الفاروق عمر بن الخطاب مع ما عرف عنه من عدل لو عاد ليحكم بلداً عربياً الآن لوصموه بالطاغية وأن المسيح - عليه السلام - لو عاد مجدداً لصلب بحق فى هذه المرة.
وبالطبع ليس العيب لا فى المسيح ولا فى الفاروق ولكن العيب كل العيب فى زمن يساوى فيه بين العالم والجاهل ويهتم بالتفاصيل وليس الغايات ويعلى من قيمة الإجراء وليس قيمة النهاية الأمر الذى أفسح المجال بشدة للطفيليات لتنمو وتترعرع وسط رضاء خادع مع ان البشرية حتى فى حالة اكتمال الصورة المثالية لا زالت تعانى من ديكتاتورية الاغلبية.
الخميس، مارس 25، 2010
ماذا لو عاد الفاروق حاكماً والمسيح مبشراً؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق