الياس بجاني
ملك غير ملوك الأرض، لا جاه ولا فخامة ولا حراس ولا أُبهة ولا خوف ولا كبرياء، بل تواضع وبساطة وعفوية. ملك سماوي يدخل المدينة المقدسة رَاكِبًا عَلى جَحْش ابْنِ أَتَان. يدخل هذا الملك الإلهي بفرح عظيم وهو يعلم أنه يسير على درب عذابه وصلبه ومع ذلك يكمل المسيرة دون تردد لأنه ملتزم مشيئة أبيه وعازم على تنفذ ما طلبه منه.
أراد أن يعطي البشر مثالاً في البساطة وهو الذي قال من رفّع نفسه وُضِّع، ومن وضَّع نفسه رُفّع، ومن أراد أن يكون الأول عليه أن يكون الأخير.
قام بغسل أرجل تلاميذه بنفسه ليعلمهم أن يكونوا خداماً للرسالة ومتواضعين وبسطاء وودعاء. هذا الملك امتلك قلوب وعقول وإعجاب البشر ولم يهتم بما على الأرض من ممالك وهو القائل أُعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر ومملكتي ليست من هذه الأرض.
لنا في هذا الأحد وقفة تأملٍ على مشارف المدينة المقدسة يوم دخلها الفادي. لو سكت هؤلاء لهتفتِ الحجارة، بهذه الكلمات أجاب يسوع منتقِديه من الكتبة والفريسيين الذين ساروا بين الجمع وحشد التلاميذ. ساروا لا حباً به بل حسداً وغيرةً منه لما لقِيّهُ من استقبال رغم تواضع موكبه راكباً على جحش ابن أتان وسط هتاف التلاميذ والجمع وإنشاد الأطفال. ولعل دم الأطفال الأبرار في بيت لحم قد صار هوشعنا للأتي باسم الرب.
يا للعجب العجاب لم يرضي الفادي يوماً في دنياه من مجد وجاه إلا صوت الأناشيد في أفواه الأولاد. لم يطلب في حياته لا مجداً ولا تكريماً وهو الذي جاء ليخدّم ويبذُل نفسه من اجل الكثيرين. نراه اليوم يدخل أورشليم مدينة القدس ويا ليتها عرفت في ذلك اليوم طريق السلام، ولكن حُجِبَ عن عينيها على حد ما جاء في إنجيل القديس لوقا البشير.
دخل دخول الفاتحين بالسلام والمحبة، لا دخول الفاتحين الغزاة، ولا دخول من حرر مدينة بحد السيف. لم يكتب شارع أو محلة أو زقاق باسمه، ولكن بدخوله أورشليم دخل آلامه ومجد قيامته وأعطانا نصراً وغلبة.
زائر أورشليم تُطرحُ الأردية ُ أمامه، تُقطع أغصان الزيتون وسعف النخيل وتفرش بها الطريق والكل ينادي هاتفاً هوشعنا التي بالعبرية تعني خَلِصنا ومنها اشتقت لفظة شعنينة أو شعانين.
الإله يسوع من ناصرة الجليل ابن الريف يدخل مدينةً لم يتربى فيها وهي بالتالي ليست مدينته المفضلة، جاء ليموت فيها. نراه يكمل سيره إلى الهيكل وهناك في بيت الصلاة يتحول المكان إلى مغارة للصوص وللتجار وللصيارفة الذين أتوا بحثاً عن ربحٍ وتناسوا قدسية المكان.
من كان يجرؤ أن يقف في وجه المسيح ليصدََهُ عما فعل؟ قلب موائد الصيرفة وبائعي الحمام واليمام، لم يسكت عما ما رأته عيناه فصاح بأعلى صوته مغتاظاً في وسط الهيكل: "بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص. لكم مدينتُكم ولي مدينتي. لكم هيكلُكم ولي هيكلي. هيكلُكم بيع وشراءٌ وتجارة، وهيكلي محطُ صلاةٍ وعبادة.
لكم موكِبُكم ولي موكبي. موكبُكم فيه من يحبون صدور المجالسِ في المجامع والتحيات في الأسواق، وموكبي صِبيةٌ يُنشيدونَ هوشعنا.
تلاميذٌ يهتفون في الطريق، وعميان وكسحانٌ وعرجٌ يُشفونَ ويمجدون الخالق.
لو دخل يسوع في هذا اليوم مُدُننا وقرانا وساحتنا ومكاتبنا وكنائسنا أفيها مكانٌ لله؟ أيجدُ هوشعنا؟ أيجد من يطلبُ الخلاص والرحمة؟ أيجد من يُرحبُ به ويهتفُ له تبارك الآتي باسم الرب، أم بالتالي يرى تجارةً؟ هذا الشعب يُكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيدٌ عني.
اليوم ترفعون أولادَكم على الأيادي وتحملونهم على الأكتاف ليتجسد الرب بخلائقه وبأطفاله وبصغاره وكباره.
علموهم أن يسبحوا ويهتفوا، وأن يرتلوا بمزامير وتسابيح تفوحُ براءةً وقداسة.
نعم للعيد معناه، وللشعانين رمزُها ونحن ضنينين عليهما قولاُ وإيماناً وفعلاً.
فلنصلي ونطلب من المسيح أن يدخل إلى قلوبنا وضمائرنا، ولنتضرع له أن يرحم أهلنا وينعم بالسلام على لبناننا الحبيب
فلنصلي بخشوع من أجل أهلنا اللاجئين في إسرائيل ومن أجل أهلنا المغيبين في غياهب السجون السورية
فلنصلي من اجل راحة أنفس الشهداء الذين قدموا أنفسهم قرابين على مذبح وطن الأرز ليبق حراً وسيداً ومستقلا
فلنصلي من أجل المعذبين والمضطهدين في كل العالم
وشعنينة مباركة
الأحد، مارس 28، 2010
للعيد معناه، وللشعانين رمزُها
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق