راسم عبيدات
......عشرون عاما وأنت ترتحل من سجن لآخر،ترتحل في كل الحالات قسرا وعزلاً،فأنت دائم الحركة والفعل والنشاط،تتصدر وتقود كل الأنشطة والفعاليات والمعارك ضد إدارات مصلحة السجون الإسرائيلية في هجماتها المتكررة والمتواصلة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،من أجل كسر إرادتها وتحطيم معنوياتها،وسحب منجزاتها ومكتسباتها،وكم مرة بسبب ذلك منعت من زيارة الأهل،أو قضيت عقوبات في أقسام وزنازين العزل؟.
عشرون عاماً وأنت تحمل صليب أحزانك والسير في درب ألآلامك،عشرون عاماً مرت فيها عليك عشرات ألآلاف المعتقلين،وكذلك عشرات ألآلاف منهم تحرروا،وأنت قابض على مبادئك كالقابض على الجمر في هذا الزمن الصعب.
عشرون عاماً كلما التقيت بك في رحلاتي المتكررة إلى سجون الاحتلال،وأنت دائماً تسأليني عن كل شاردة واردة في البلدة،ما الذي تغير فيها؟ولماذا قضية الأسرى مغيبة؟،ولماذا اهتمام المؤسسات الحقوقية والتي تعنى بشؤون الأسرى،عملها نمطي وروتيني وشكلاني؟، وألف لماذا ولماذا تطرحها علي إما في "الفورة" ساحة النزهة أو في زيارات الغرف للمعتقلين.
أبو سامر المكبر ما عادت كما خبرتها،فجغرافيا البلدة تضيق على سكانها شيئاً فشيئاً،بفعل الهجمة الاستيطانية التي طالتها في القلب والأطراف،فهناك مستوطنة تدعى" نوف تسيون"تضم أكثر من 200 وحدة استيطانية زرعت في قلب البلدة وفي أجمل مواقعها،وأيضاً هناك شارع طوق شرقي سيلتهم الكثير من أرضها ويعرض عشرات البيوت فيها للهدم،وهناك تراجع نحو القبلية والعشائرية وما تفرزه من مشاكل اجتماعية،ناهيك عن التفكك والتحلل الاجتماعي وغياب قيم التعاون والتعاضد والعمل الطوعي.
والمكبر كغيرها من قرى القدس ليست بعيدة عن استهداف الاحتلال لها من حيث محاولة تدمير نسيجها الاجتماعي وإغراقها في الآفات والأمراض الاجتماعية،فالمخدرات مثلاً وصلت طريقها إلى شبابها،والحركة الوطنية بفعل العوامل الذاتية وشدة قمع الاحتلال وفقدان عوامل الثقة تراجع دورها .
ولكن ليس كل اللوحة سوداوية يا أبا سامر،فنادي المكبر بقيادته الشابة والتفاف الجماهير حوله،والتي زحف أكثر من خمسة عشر ألف منها يوم السبت 27/3/2010 إلى ملعب الشهيد فيصل الحسيني ،من أجل دعم ومؤازرة النادي والفريق في مباراة الحسم على كأس الشهيد القائد أبو علي مصطفى مع نادي الأمعري،وتحقيق نادي المكبر لفوز مستحق والتربع على عرش دوري الشهيد القائد أبو علي مصطفى،يثبت دوماً أن الإرادة تصنع الانتصارات،وهذه القيادة الشابة امتلكت الإرادة ووفرت الإمكانيات المادية للفريق،دعمها في ذلك قاعدة جماهيرية واسعة من المشجعين.
هذه الجماهير إذا وثقت يا أبا سامر تجود ولا تبخل وتصنع الانتصارات،شرط توفر قيادة مؤتمنة تمتلك الجرأة والقرار.
أبو سامر لا أريد أن أصدع رأسك،فأنا أعرف أنك الآن تطرح وتناقش مع أخوتك ورفاقك الأسرى المناضلين،والذين أنت أحد أبرز عناوينهم الإعتقالية والوطنية،ويدور في خلدك وخلدهم أيضاً الكثير من الأسئلة والهواجس والهموم الوطنية والسياسية والإعتقالية.
من طراز نحن نضالنا من أجل يكون لنا وطن حر،يعيش فيه أبناؤنا بحرية كباقي بني البشر،وليس من أجل أن يقتتل أبناء شعبنا وقياداتنا على سلطة وهمية،ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة،ولا من أجل يجزؤوا الوطن ويقسموه،أكثر مما جزاه وقسمه أوسلو.
نحن دفعنا الثمن الأغلى والأكثر على الصعيد الشخصي والاجتماعي والوطني،من أجل أن نرى نورا وضوءا في نهاية النفق،ومن أجل ان ننال حريتنا بكرامة وشرف وبما يليق بنا كمناضلين،وليس من أجل يترك مصيرنا وبالتحديد نحن أسرى القدس والثمانية وأربعين إلى إلى حسن نوايا إسرائيل وصفقات إفراجها أحادية الجانب وشروطها وتقسيماتها وتصنيفاتها.
وأيضاً لماذا نترك وحيدين لنواجه مصيرنا وقدرنا؟ وأي ثورة تلك التي 115 من مناضليها قضوا في سجون الاحتلال عشرون عاماً فما فوق،بل أن خمسة منهم دخلوا موسوعة"دينس" للأرقام القياسية!!؟؟،ولماذا كل ثورات العالم انتصرت وثورتنا لم تنتصر؟،ولماذا قياداتنا لا تتعلم من الأخطاء وتستفيد من التجارب؟، وهل أضحى نضال شعبنا الفلسطيني نضالاً "سيزيفياً" نسبة لبطل أسطورة الكاتب الوجودي الفرنسي "البير كامو" الذي كان يدحرج الصخرة من أسفل الجبل الى قمته،لتعود وتتدحرج ثانية،ويعيد هو تكرار المحاولة مرة ومرات في دحرجة الصخرة،دون أن يحقق شيئاً سوى خسارة الجهد المبذول في تلك العملية غير المجدية.
أبو سامر عشرون عاماً من عزل لآخر ولم تفقد البوصلة أبداً،فأنا أعرف أصالتك وطيبتك وعمق انتماءك وإلتصاقك بالوطن وهمومه،وكم مرة كنت تقول بأن أوسلو مرحلة عابرة في سفر نضال الشعب الفلسطيني،فالشعب الذي أسقط الكثير من المشاريع والمخططات المغرضة والمشبوهة المستهدفة لشعبنا وقضيتنا وثورتنا،قادر على تجاوز مرحلة أوسلو وما تركته من آثار وتداعيات خطيرة ما زلنا ندفع ثمنها حتى اللحظة الراهنة،فهي من قسمت الأرض والشعب سياسياً واجتماعيا،وهي من سمحت بتقسيم المعتقلين إلى أسرى قدس وثمانية وأربعين وضفة وغزة ..الخ
أبو سامر كن على قناعة بأن أختي الصابرة المناضلة أم سامر بمئة رجل،فهي قادرة على المقارعة وثابتة على قناعاتها وأفكارها،وهي ترى أن المرأة يجب أن تأخذ دورها ومكانتها في المجتمع،وهي تمتلك من القدرات والطاقات ما يمكنها من تحمل المسؤولية في القيادة في أكثر من جانب ومجال،وهي رأت بأن أفضل خدمة تقدمها لبلدها هي من خلال تشكيل لجنة أمهات تهتم بشؤون وأوضاع بناتنا الطالبات في مدارس البنات الحكومية،وحتى في هذا الدور والجانب،وجدت هي ومن معها من يحاربهن ويحاول أن يصادر دورهن،ولكن لا تقلق أبا سامر فالأمام علي كرم الله وجه قال " لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه"،وأم سامر غاضبة وعاتبة على مثقفي البلد والواعين فيها والذي يتخلون عن دورهم تجاه بلدتهم،بل وفي بعض الأحيان ترى في دورهم السلبية والتعطيل.
أبو سامر عليكم في الأسر كما قال الشهيد غسان كنفاني "أن تستمروا في دق جدران الخزان"،فحق قياداتكم وسلطتكم عليكم أن تجرب كل الطرق والوسائل من أجل أن تتحرروا من سجون الاحتلال ومعتقلاته،فأنتم الرموز والقادة والعناوين،وأنتم المضحين والذين راكمتم الإنجازات وبفضلكم عاد من عاد الى الوطن وتولى القيادة،ومسؤولية تحرركم من سجون الاحتلال وبالذات أنتم أسرى القدس والداخل،يجب أن تكون أولوية للسلطة والأحزاب والفصائل،وأيضاً آسري الجندي الإسرائيلي "شاليط"،بالضرورة أن يرفضوا أية صفقة لا تشملكم،وعليهم التمسك بشروطهم،فهذه الصفقة هي أملكم وأمل الكثير من أسرى وأبناء شعبنا.
الاثنين، مارس 29، 2010
الأسير المناضل ابراهيم مشعل يدخل عامه الإعتقالي العشرين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق