د . ميرا جميل
صدر فرمان من وزارة المواصلات : نساء اسرائيل الى مؤخرة الباصات . القسم الأمامي للرجال فقط . ممنوع احتكاك الرجال والنساء في الباصات . اسرائيل التي تدعي انها دولة دمقراطية ليبرالية علمانية ،تطرح فرصا متساوية بين الرجال والنساء ، لم تعد تختلف عن نظام طهران.
الويل للمرأة التي تصعد الباص الى قسم الوحوش ،أي الرجال المفترسين . للمرأة أماكن مخصص في مؤخرة الباص. في مؤخرة المجتمع ، في مؤخرة الأكاديميا ، في مؤخرة حقوق العمل ، في مؤخرة امتيازات الأجور ، في مؤخرة السياسة والبرلمان والسلطات المحلية ، النساء الى حيث يقرر الرجال . والبقية تأتي .. مهلكم !!
هذا بدأ في القدس ، ومن العاصمة تبدأ الحكايات .. وبوجود حكومة ترتعب من كل اشارة تبرز من "ملالي اليهود" ذوي اللحى الطويلة ، الذين بدونهم لا حياة للحكومة ، ولا مستقبل سياسي لنتنياهو .. لذا المتوقع سيادة العقلية الغارقة في القرون الوسطى ، اليوم بما يخص النساء ، ومن هنا كل البدايات ، وغدا قد يفرض على الرجال اطلاق اللحى ، والالتزام بالطعام حسب الشريعة .. والويل للرجل الذي يمر بين امرأتين لأنه حمار يعتبر، كما أفتى أحد كبار "الملالي" ..
صرنا في الهوى سوا .. لم يعد العرب مضحكة لوحدهم لشعوب العالم المتنورة ، صارت اسرائيل صديقة ايضا ومنافسة على اضحاك العالم ، ربما يقر احد طويلي اللحى اليهود ارضاع الكبير ايضا ، السنا في الهوى سوا ؟ من ينكر اليوم ان اسرائيل اصبحت شريكة تتقاسم السخرية معنا في عقلها الذي يرى بالنساء عارا متحركا وقنابل جنسية شديدة الانفجار اذا ما لامست ، او اقتربت من الوحش الذي اسمه رجل ؟!
وزير المواصلات كاتس نزولا عند مصلحة استمرار بقاء حكومة نتنياهو غريبة الأطوار ، قرر الاستجابة للضغط الديني الأصولي الغارق بعقلية ما قبل تحول القرد الى انسان ، ناسفا من الجذور المفاهيم العلمانية التي كانت وراء انشاء الدولة . وأقول لولا علمانية الحركة الصهيونية لما قامت اسرائيل ... ولكن لا بشارة انجاز للعرب في هذا الأمر ، فهم لا يختلفون في النظرة الى المرأة. والأفضل ان لا يحلموا احلاما سياسية رطبة .
السؤال اين الأحزاب العلمانية في الكنيست ، أين حزب العمل وجنراله وزير الدفاع براك ؟ اين حزب ليبرمان ( اسرائيل بيتنا ) الذي يدعي انه يحمل لواء الدفاع عن حقوق ومصالح المهاجرين الروس من التمييز الصارخ ضدهم ، وحقهم في ممارسة حياة علمانية وأكل لحم الخنزير والتجارة به ، والحفاظ على علمانيتهم ،كما تربوا في دولتهم ومجتمعهم السوفييتي ، وعلية حصد ليبرمان أصواتهم ، فهل حان وقت المزاد العلني ؟ هل صارت الوزارة أهم من المبادئ والوعود التي جعلته قوة سياسية مركزية في اسرائيل؟
ان جذور الراديكالية الدينية لدى اليهود او المسلمين او المسيحيين او غيرهم ، تخلق وهما حول التاريخ تخرجه من اطارة وتعطيه صورة لا تتلائم مع المنطق والتفكير المنهجي العقلاني ، بل وتتعارض مع خصائص التاريخ والجغرافيا. ومن هنا اساس التخيلات الوهمية ، والمفاهيم البعيدة عن واقع تطور المجتمعات ، ورقي الانسان الحضاري.
عليمي الأمر يتوقعون ان يفقد ليبرمان التأييد الجارف من المهاجرين الروس اذا لم يسارع بالاعتراض على قرار وزير المواصلات كاتس ويعمل على اسقاطه . اليهود الروس العلمانيين ومختلف اليهود العلمانيين ، ويشكلون أكثرية سكانية ، سيتضررون من هذا الفصل الجنسي .. ورغم ظاهرة هرب اليهود من القدس التي تصبح أكثر سوادا ( لباس المتدينين الأصوليين ) الى تل ابيب العلمانية ، الا ان القدس لا تزال القدس مليئة بالعلمانيين والعرب والزوار .
هل سنشهد مرحلة من الكبت الديني المنفلت ضد النساء وضد العرب وضد اوساط اجتماعية يهودية متحررة من عقليات القرون الوسطى ؟
ربما نشهد نساء يهوديات متلفعات بالشراشف حين يخرجن للطرقات نحو أعمالهن ؟ وهكذا سيكون مصير النساء الروسيات أيضا يا ليبرمان ؟ هل سيخفين جمالهن الآسر الذي انتظره شعب اسرائيل عشرات السنين حتى انهار الاتحاد السوفييتي ؟ أم ستصبح القدس مدينة لا يستطع السكن فيها الا اليهود الأصوليين السود ( أعني السود بسبب ملابسهم )؟
الأخبار تتناقل قيام حركات سياسية ومنظمات أهلية في تنظيم معارضة جارفة للفصل العنصري المخجل في دولة تعتبر نفسها دمقراطية ليبرالية تحترم حقوق النساء وقانونها يطرح المساواة التي لا تفرق بين رجل وامرأة وبين يهودي وغير يهودي ( يعني عربي حسب الاصطلاح المستعمل من السلطة ) اما في الممارسة فحدث ولا حرج . العرب لا يحصلون على حقوق متساوية اطلاقا ، بل يحصلون على حصة افضل من اليهود ، اذ يضاف لهم تمييز عنصري واضطهاد قومي ، وهذا لا يحصل لليهود الشرقيين مثلا الا بالخفاء ، يجب ان يحتجوا ويناضلوا ليصيروا متساوين للعرب !!
الآن ستصير عاصمة اسرائيل شبيهة بعاصمة السعودية . شبيهة بعاصمة ايران ، شبيهة بعاصمة افغانستان ، الويل للمرأة التي تخاطب رجلا . الويل للمرأة التي تركب سيارة باصا لا يوجد فيها فصل عن الوحوش الرجال. الويل للمرأة التي لا تلبس لباسا محتشما. الويل للمرأة التي يظهر لحم كتفها ، او مطلع سيقانها ، او ما هو أكثر بلاء للرجال ، كما تعودوا ان يروا ويتنهدو مكرهين لا ابطالا ، والويل للمرأة التي تتطاول على مناصب الرجال .
صارت عقلية القاعدة غير غريبة عن عقلية بعض نواب الكنيست تفرض على السلطة روحا دينية يهودية متطرفة ، حتى لو اطلقوا عليها أسماء واصطلاحات عبرية ..
صار بعض الوزراء اشبه بالملالي ..
ايها العلمانيون : عصركم انتهى وبدأ عصر الملالي !!
ومن يعرف ، قد ينشا في اسرائيل نظام شبيه بنظام حكم الفقية ، لا ارى فرقا عقليا كبيرا .. ما ينقص صلحة جديدة مع نظام عربي ، او ربما مع ايران !!
لا شيء مستحيل !!
د . ميرا جميل – كاتبة فلسطينية وباحثة اجتماعية – قبرص
Meara.jameal@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق