راسم عبيدات
.......هكذا قال شعبنا في القدس" لا يحرث الأرض غير عجولها"،بعد أن بلغ السيل الزبا،وبعدما لم يترك المحتل لهم أي خيار،سوى خيار المقاومة والمواجهة،دفاعا عن وجودهم وأرضهم وقدسهم ومقدساتهم،وبعدما أيقنوا أيضاً،بأن مدينتهم خارج أجندة دعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض،والذين يلهثون خلف مفاوضات مارثونية عبثية،مفاوضات لا تشترط وقف الأنشطة الاستيطانية في القدس،وحتى وهم يعودون إليها،أصر نتنياهو وحكومته أن يوجهوا لهم صفعة قوية، من خلال المصادقة على إقامة 1600 وحدة سكنية في شمال شرق المدينة من أجل توسيع مستعمرة "رمات شلومو"،وأيضاً في كلمته التي ألقاها في افتتاح ما يسمى كنيس الخراب اليهودي في الخامس عشر من الشهر الجاري،قال لهم بشكل واضح أن البناء في القدس سيتواصل ولا قيود عليه،أي بمعنى آخر أن المفاوضات ستستأنف وفق شروطه وبدون أفق سياسي،وأن مسألة هدم الأقصى هي مسألة وقت،وكل ما يجري ويقومون به من بروفات واقتحامات مستمرة للأقصى،هي لجس النبض ومعرفة رد الفعل عند المقدسيين أولاً،فحال العرب والمسلمين يعرف ويقرؤه نتنياهو جيداً،انهيار شمولي على المستوى الرسمي العربي،وصل حد عدم القدرة على إصدار بيانات الإنشاء من الشجب والاستنكار،بل وأبعد من ذلك هناك من يتآمر على القدس والفلسطينيين علناً وجهراً،حتى في ذروة الممارسات الإسرائيلية في القدس والاستعدادات لإقامة ما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم،هناك من العرب الرسميين من ينصح دعاة نهج التفاوض في الساحة الفلسطينية بعدم الصعود على الشجرة ثانية،فهم سينزلون عنها صاغرين،وخصوصاً أن خطواتهم الاحتجاجية وحردهم، لا يدخل ولا يندرج في إطار بناء إستراتيجية بديلة شاملة،تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني وقطع حبل قنوات الاتصال السرية والعلنية مع هذا النهج والخيار،بل هي خطوات تكتيكية،تراهن على عدة جمل إنشائية من الإدانة والشجب لهذا المسؤول الأمريكي أو الأوروبي الغربي لممارسات إسرائيل،وهي تعي تماماً أن تلك الجمل الإنشائية،لا ولن تزحزح بوصة أو إنش واحد،في إستراتيجية العلاقة بين تلك الأطراف الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية،بدون وجود خطر جدي وحقيقي على المصالح الأمريكية في المنطقة،فما دامت إدارة الأزمة والصراع تجري وفق الإيقاعات الأمريكية-الإسرائيلية،فستبقى مواقفهم على حالها،وعلينا أن نقرأ السياسة جيداً،وأن لا ننجر الى العواطف والأقوال غير المقرونة بالأفعال،بل والأفعال التي تناقضها،فالعرب العاربة والمستعربة من محيطها لخليجها،هللت وطبلت في حزيران/ 2009 للخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي من على منصة جامعة القاهرة،والذي أعلن فيه خطته لإقامة دولة فلسطينية خلال أربعة أعوام،بل الكثير من قادرة العرب وصناع الرأي والقرار،اعتبروا هذا الخطاب تاريخي،ويمثل تحول استراتيجي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط،وليكتشفوا لاحقاً أن"الجبل تمخض فولد ليس فأراً بل ما دون الفأر"،واليوم يهلل ويطبل دعاة نهج المفاوضات والاعتدال العربي والفلسطيني،لوجود خلافات أمريكية- إسرائيلية هي الأخطر منذ 35 عاماً،وكأن الخلاف الذي جرى أثناء وجود نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة،له علاقة بالإستراتيجية وليس بالتكتيك والتوقيت،فوزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون التي وصفت التصرف الإسرائيلي المتعلق بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس،بالإهانةة لأمريكا في نفس الحديث قالت بأن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية قوية ودائمة،وبايدن نفسه الذي تعرض للإهانة قال"بأنه يفخر بأن يكون صهيونيا" وهو ليس باليهودي،وأيضاً فيليب كراولي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية،قال بأن إقامة إسرائيل ل112 وحده سكنية في مستعمرة "بيتار عليت" في بيت لحم لا تتناقض وتعهدات إسرائيل بالتجميد المؤقت للاستيطان،ورغم كل ذلك هناك في الساحتين الفلسطينية والعربية من يراهن على"طلب الدبس من قفا النمس"
والمقدسيون عندما تيقنوا من أنه لا " دبس من قفا النمس"،وأن كل ما يجري هو لكسب الزمن من أجل تهويد وأسرلة مدينتهم،حيث الهجمة الشاملة والتي تطال كل زقاق وحي وشارع وحارة وبلدة في المدينة،وهي لا توفر لا بشراً ولا حجراً ولا شجراً،وتخرج القدس من دائرة الصراع وأية تسوية سياسية محتملة من خلال عزلها بالكامل عن محيطها الفلسطيني،وتحويل أحيائها العربية إلى جزر متناثرة ومعزولة محاصرة بالمستوطنات في قلبها،بحيث يصعب على السلطة الفلسطينية المطالبة بها كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
ومن هنا وأمام شمولية الهجمة الاستيطانية وتداعياتها الخطرة على وجود المقدسيين ومستقبلهم ووجودهم في القدس،انتفض المقدسيون،وأثبتوا أنهم رأس الحرب والعنوان في التصدي والمواجهة،وأنهم يمتلكون الإرادة ولديهم الطاقات العالية على العطاء والتضحية،وكانت هبتهم الجماهيرية بروفة لانتفاضة قادمة لم تختمر عوامل قيامها بعد،فكما في الانتفاضة الثانية والتي كانت عوامل تفجيرها القدس،فكل المقدمات تشير الى أن عوامل تفجير الإنتفاضة الثالثة ستكون القدس أيضاً،وكذلك هذه الهبة الجماهيرية والتي ستخفت حيناً وتتصاعد حيناً آخر،تثبت مدى تقدم الجماهير على القيادة في الفعل والممارسة،وأيضاً حالة الإنفصال ما بين الجماهير والقيادة،وهذه الجماهير التي هبت في مختلف أرجاء المدينة المقدسة،تبرهن بالشكل القاطع أن شعباً يمتلك الإرادة يجترح المعجزات،وهو بحاجة إلى قيادة تمتلك الإرادة والقرار،وتتخلى عن الأوهام،وأن تحسم أمرها وخياراتها بعدم التمسك بصنمية السلطة،والتي تحولت من أداة ووسيلة لتحرير الوطن،الى غاية ومصلحة وبقرة حلوب للبعض،وكذلك أن تبني إستراتيجية بديلة وشاملة تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني،وأن تجمع وتوحد كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،خلف برنامج يقوم على المقاومة ومحاربة الاستيطان،وأن تعيد الاعتبار للمرجعية الدولية للمفاوضات بدلاً من المرجعية الثنائية،وأن تضع حداً لحالة انقسام القائمة،والتي تجعل من أهل القدس صدراً مكشوفاً لخناجر التهويد والأسرلة،فلا حاضنة فلسطينية ولا عربية ولا إسلامية لهم،وكل ما يجري من حديث عن دعم صمودهم ووجودهم في وعلى أرضهم لا يتعدى الصخب الإعلامي والشعارات،والدعم الذي يقدمه الملياردر اليهودي"ماسكوفيتش" للاستيطان والجمعيات الاستيطانية في القدس،يفوق عشرات المرات ما يقدمه العرب والمسلمين مجتمعين للمدينة المقدسة،وأهل القدس بإرادتهم وعزيمتهم وصدورهم العارية سيتمرون في التصدي والمواجهة،لكي لا تنغرس خناجر والتهويد والأسرلة في صدورهم،فهم ملوا كثرة النداءات والرسائل والاستغاثات والبيانات التي لا تجد لها صدى وردود عند أمة عربية وإسلامية تصمت صمت القبور.
الأربعاء، مارس 17، 2010
القدس صدر مكشوف لخناجر التهويد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق