صبحي غندور
انتهت القمّة العربية في ليبيا "على خير". فلم يتكرّر الانقسام أو المقاطعة أو تبادل الإهانات كما كانت تشهد قمم سابقة. ربما هذا "إنجاز" في حدِّ ذاته، لكن معظم الفضل في ذلك يعود للأسف إلى التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة الأميركية لا في المنطقة العربية. فالإدارة الأميركية السابقة كانت تضغط من أجل إقامة محاور عربية متصارعة تحت تسمياتٍ ومضامين لا علاقة لها بالعروبة. فمحور "الإعتدال" أرادته إدارة بوش آنذاك ليكون جمعاً لأطراف عربية مع إسرائيل في مواجهة قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وضد الدول الإقليمية الداعمة لها، وفي مقدّمتها سوريا وإيران، مما يُسهّل إقامة "شرق أوسطي جديد" سعت له إدارة بوش وإسرائيل ومارستا من أجله الحروب في العراق ولبنان وفلسطين.
الظروف الآن تغيّرت كثيراً، خاصّةً بعد مجيء إدارة أوباما وبعد القمّة الاقتصادية في الكويت (يناير 2009) التي "تزامنت" مع نتائج انتخابات أميركية أسقطت حكم "الجمهوريين" و"المحافظين الجدد"، وحيث شهدت "قمّة الكويت" مصالحات بين زعماء عرب كبداية لمرحلة جديدة.
لكن التغيير الحقيقي لم يحدث بعد في البلاد العربية، ولا في طبيعة العلاقات العربية/العربية، ولا في صيغة "الجامعة العربية"، ولا في نوعية أو سياسات الحكومات السائدة منذ عقود.
لذلك، يمكن القول، حسب "المثل الأميركي": إن نتائج قمة ليبيا كانت "أقلّ بكثير ممّا كان منتظراً منها، ومتأخّرة جداً عمّا كان عليها فعله"، تحديداً تجاه سياسة إسرائيلية ترفض حتّى ما تطالب به واشنطن فكيف بما يطالب به العرب!.
خرجت قمّة ليبيا بقرارات متواضعة، حتى أيضاً في كيفية ومضمون الدفاع عن عروبة القدس ودعم صمود الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال والحصار. فالدعم العملي المطلوب هو ليس بالمال أو في تأمين "الغطاء السياسي العربي" لمواقف "السلطة الفلسطينية" فقط، بل إنّ الدعم الحقيقي يكون في إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها سلماً أم حرباً.
إنّ التطورات الأخيرة في المنطقة العربية، وفي العلاقات الأميركية/الإسرائيلية، كان محورها، وما يزال، هو موضوع المستوطنات، بينما كان محور الاهتمام قبل ذلك، عربياً ودولياً، هو موضوع الحصار على غزّة أو موضوع عزل المناطق الفلسطينية وجدار الفصل العنصري. وهذه المواضيع هي كلها إفرازات لقضية واحدة اسمها: "الإحتلال". ولا تحتاج قضية "الاحتلال" إلى كثير من المفاوضات والمشاريع والاجتهادات على المستويات الدولية والعربية والفلسطينية. فالاحتلال، كما هو منصوص في القوانين الدولية، يتوجّب أن ينتهي في فترة محدّدة وإلاّ تُتَّخذ بحقّ من قام به العقوبات الدولية. كما تنص أيضاً هذه الشرائع والقوانين الدولية على بطلان كل ما يقوم به الاحتلال من إجراءت، وعلى حقِّ مقاومة المحتل على الأرض المحتلّة.
فأين السلطة الفلسطينية والحكومات العربية من هذا الأمر؟
لقد جرى في "اتفاق أوسلو" عام 1993 التسليم من قيادة منظمة التحرير بنصوصٍ في الاتفاقية تتحدّث عن "إعادة انتشار" القوات الإسرائيلية وليس عن انسحاب مُتوَجَّب على "قوّاتٍ محتلّة". وقد كان ذلك كافياً لتواصِل إسرائيل نهج الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس طيلة 17 سنة، وهي، أي إسرائيل، أخذت أيضاً من الطرف الفلسطيني في اتفاق أوسلو إلغاء حقّ المقاومة المسلّحة واعتباره "عملاً إرهابياً"!!.
إذن، دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على عروبة القدس يتحقّقان من خلال التراجع عن خطيئة "أوسلو وملحقاتها"، ومن خلال عودة الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة برنامج وطني يجمع بين ممارسة العمل السياسي التفاوضي وبين المقاومة بمختلف أشكالها المدنية والعسكرية.
أمّا على المستوى العربي، فالسؤال لا ينبغي أن يكون "كيف ستتعامل إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو"، بل: كيف ستتعامل الحكومات العربية مع الاحتلال الإسرائيلي وكل من يدعمه دولياً؟. فما يحدث الآن بين واشنطن وتل أبيب ليس بمباراة رياضية، العرب فيها بموقع المتفرّج والمساند لفريق ضدّ آخر، بل هو أمر أوّلاً وأخيراً من صميم المسؤولية العربية. فهل ستقبل الحكومات العربية بأيّة صيغة تفاهم أميركي/إسرائيلي قد تحدث لمعالجة الخلاف بين الطرفين بشأن الأراضي العربية المحتلّة أو في كيفية تحقيق تسوية شاملة بالمنطقة؟.
لدى الحكومات العربية الآن وسائل كثيرة لكي تُحسِّن من وضعها التفاوضي، ولا نتحدث طبعاً –معاذ الله- عن خيارات عسكرية غير واردة الآن لدى هذه الحكومات. فالحدّ الأدنى الذي تستوجبه مسؤولية هذه الحكومات يمكن عمله من خلال:
1- وقف كل أشكال التطبيع العربي مع إسرائيل، ودعوة دول العالم الإسلامي لفعل ذلك أيضاً.
2- تجميد الحكومتين المصرية والأردنية للعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل. فالمعاهدات القائمة لا تلغي حقّ الدول بتجميد العلاقات، وهو أمر تمارسه الدول العربية مع بعضها البعض أو مع دول أخرى في العالم الإسلامي، أوَليست إسرائيل "أحقّ" بهذا السوء من العلاقات؟.
3- التشجيع على تحقيق المصالحة الفلسطينية وفق مبدأ "حقّ المقاومة ضدّ الاحتلال" وترك تحديد أشكال هذه المقاومة لمستلزمات المواجهة الفلسطينية مع تحدّيات الاحتلال الإسرائيلي.
4- دعم كافّة أشكال المقاومة (المدنية والعسكرية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
5- دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد الفوري من أجل اتّخاذ قرار مبرمج زمنياً يُطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلّت العام 1967 وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة وببطلان كل ما يقوم به الاحتلال الآن في القدس والضفة الغربية من تهويدٍ واستيطان.
6- إرسال وفد عربي، يرأسه مثلاً العاهل الأردني، إلى مجلسي الكونغرس الأميركي ولمخاطبة الإعلام الأميركي برسالة واحدة مضمونها دعوة الأميركيين لإعادة النظر في رؤيتهم للدور الإسرائيلي بالمنطقة. فمعظم الحكومات العربية أقامت الآن اتفاقيات أمنية وعسكرية مع واشنطن تتيح للأميركيين تسهيلات وقواعد، وهو ما لا تتيحه إسرائيل على أرض ممتدّة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي مروراً بمصر واليمن!. كذلك القول للأميركيين إنّ ثروات العرب "يستقرّ" معظمها في أميركا، وأنّ ما تدفعونه ثمناً للطاقة يعود إليكم كثمن لمشتريات عسكرية لا تستخدمها عادةً الحكومات العربية (إلاّ في حال الاضطرار الداخلي المحدود أحياناً). فما الذي تقدّمه إسرائيل لكم وهي التي تعيش على مساعداتكم المالية والعسكرية وتُسبّب لكم الآن الأذى الكبير في عموم العالم الإسلامي بسبب دعمكم المفتوح لعدوانها على الشعوب العربية وعلى المقدّسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين؟!.
إنّ تحركاً عربياً من هذا النوع يُحافظ على "موزاييك" الواقع العربي و"لا يُحمّل الحكومات إلاّ وسعها"، لكن يحفظ على الأقلّ ماء وجهها أمام شعوبها ويُكسبها شيئاً من الاحترام الدولي.
الأربعاء، مارس 31، 2010
ليتها كانت في مقرّرات قمّة ليبيا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق