الثلاثاء، مارس 09، 2010

الإقطاع الفلسطيني الجديد وتحرير القدس

سامي الأخرس
أيهما الأولى تحرير القدس أم إغاثة الأقصى وحمايته من الفناء والهدم؟! هنا سيبادر القارئ بالقول ما الفرق فإن حُررت القدس فإن الأقصى سيحمى تلقائياً، لأنه جزء من المدينة المقدسة التي حباها الله بمكانة خاصة لدى المسلمين، ولدى الديانات الأخرى، وأصبحت محل الاهتمام ومحط الأنظار لمعتنقي الديانات السماوية الثلاث، إلا أن هويتها الإسلامية وطباعها العربي جعل لها قدسية خاصة عند المسلمين، ولكي لا نستفيض بالجانب العقائدي وتثور الغرائز العقائدية، وندخل نفق مظلم من الجدل فإنني لن استفيض أكثر وأحيد عن الموضوع الذي ومنذ عدة أيام أحاول أن أعقد العزم للكتابة حوله، وخاصة منذ الإعلان عن ضم الحرم الإبراهيمي للتراث الإسرائيلي أو اليهودي، والثورة المحبرية الخجولة لصحاب الأقلام، مع الانتباه لتطور جديد وشديد الأهمية حدث ولم يعره أحداً أي اهتمام،ألاّ وهو مرور هذا الخبر مر الكرام على الشعوب العربية التي لم تكلف نفسها حتى التظاهر السلمي كعادتها في حالات الاحتقان السياسي والديني، وكأن هذه الشعوب أصابتها التخمة من عصا أجهزة الأمن التي كانت تلاحقها، أو أصابتها حالة الزهايمر ففقدت ذاكرتها العربية والإسلامية، ونفضت يدها عن القدس وفلسطين، لتعلن فلسطين لأهلها فليذهبوا ليحرروها، أو كما باغتتني باحثة جزائرية بمداخلة عبر البريد الالكتروني هل تنكر إنكم خنتم بلدكم؟! ونحن نقدم لكم المساعدات والمعونة الاقتصادية.
هنا وعلى هامش المقال تستفزني مناقشاتي مع الإخوة العرب، فمع كل نقاش أو تأزم للعلاقة الفلسطينية مع أي بلد عربي، يسارع البعض منهم بمنطق المعايرة بتقديم المساعدات المالية معتقدين إنهم يؤدون دورهم الكفاحي والنضالي للقدس وفلسطين، كما يفعل بعض المغتربين من العاملين في دول الخليج يريدون الدنيا بجمع المال وإكتنازها... والآخره من خلال التبرع ببعض الأموال للحركات الإسلامية من باب التصدق، ويسارعوا بتسمية أنفسهم مجاهدين ومقاتلين يريدون منا الاحتراق بنيران الموت والصبر وهم مستمتعين بملذات ومكيفات وحياة مرفهة، وعودة للعرب الذين يريدون التيمم بتقديم المساعدات المالية، ويرفضون الوضوء بمياه المقاومة الفعلية والجهاد لأجل أولى القبلتين وثالث الحرمين، فإن كانت الكعبة المشرفة ملك خاص للسعوديين، فإن الأقصى والقدس ملك خاص للفلسطينيين!
أما فيما يتعلق بالمساعدات العربية فإن ما تقدمه الدول الغربية أكثر نفعاً وجدوى مما تقدمه الشعوب العربية وأنظمتها الرسمية مجتمعة، بل إننا لم نسمع يوماً دولة أوروبية أو غربية أو فرداً عايرنا بهذه المساعدات، فبرغم النوايا والمرامي الخبيثة لهذه المساعدات الغربية إلا إنها فعلاً أكثر نفعاً وجدوى للشعب الفلسطيني من نظيرتها العربية وهذا لسبب أوحد أن المساعدات الغربية تقدم مساعداتها المشروطة بتطوير البني التحتية للشعب عامة، وتقدمها تحت رقابة حازمة في عمليات الصرف والتطوير للبني التحتية التي تعود بالنفع على الجميع، بينما المساعدات العربية تقدم حسب الولاءات السياسية والحزبية وتكون مشروطة بإعلان الولاء والتبعية، ويستفيد منها فئات خاصة محسوبة على النظام أو الدولة المقدمة للمساعدات، والتي في نهاية المطاف تصب في معية أحزاب أو أفراد سرعان ما تتحول لطبقة من الإقطاع الجديد، وكبار ملاك العقارات وغسيل الأموال، حيث لم يعد عقار أو قطعة أرض تفلت من كروشهم المكتنزة لأموال الدعم العربي، فهناك فئة وأشخاص أصبحوا يمتلكون معظم مبان بعض المدن وأراضيها، وكأن السماء تمطر عليهم ورقاً أمريكياً أخضر ذو فئة المليار دولار وهلمجرا، فلكم أن تتخيلوا أن احد أبناء هؤلاء إقطاعيين السياسة ومتلقين أموال المساعدات العربية والإسلامية المشروطة بتنفيذ سياسات الجهة المانحة والداعمة مصروف " كلبه" شهرياً" 200 دولار أمريكي" فقط لطعام الكلب دون وسائل الترفيه الأخرى، في حين أن باقي أفراد الشعب الفلسطيني لا يجدوا مائة دولار كمصروف شهري له ولأبنائه، ومحرومين من أي مساعدات عربية أو إسلامية سواء على الصعيد الشخصي أو الخدماتي، حتى المساعدات المعنوية كالمنح التعليمية وغيرها فهي لا تذهب سوى للمقربين والحاشية أو من يمتلك بدفع جزء من قيمتها أو من ينتمي للون معين، واسألوا جامعاتنا الفلسطينية التي أصبح بها تكاليف التعليم أعلى وأكبر من مستوى مصاريف الدول الأوروبية الأكثر تقدماً، والذي يدخل ضمن نطاق استنزاف أبناء الشعب والعظام الأسود من أبناء الشعب، في حين أبناء إقطاعيين السياسة وحاشياتهم لا يرهقون أنفسهم كثيرا في الحصول على أي شيء.
إذن فأيهما أجدى للشعب الفلسطيني مساعداتكم التي تعيرونها بها والتي أصبحت سيف على رقابنا وأهدرت قضيتنا بانقسام وتنازع على أموالكم المشروطة المغمسة بالإذلال؟ أم المساعدات الغربية غير البريئة وغير العفيفة ولكنها تذهب للمجال الخدماتي العام؟!
المحور الآخر لوجه المساعدات العربية والإسلامية أن فئة ملاك العقارات والإقطاعيين الجدد هم من يتصدرون الواجهة السياسية ويطالبون الشعب بالصبر، والمقاومة على الجوع والحصار والفقر لأن المرحلة صعبة والأزمة قاسية، والحصار شديد، ويطالب الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى بالنهوض لتحرير القدس وإغاثة الأقصى، وتوزيع التهم جزافاً، فهو من يمتلك منح الآخر صك البراءة، وصك الإدانة، وهو المناضل وحامي الحمى، والمتمسك ببندقية الشرفاء وثوابت الأحرار، وهذا الشعب وقودهم وغايتهم وسبيلهم، لمزيداً من إثراء واكتناز الأموال، وانظروا حولكم تدركون حجم المصيبة التي وضعتنا أمامها أموالكم العربية ومساعداتكم التي تعايرونا فيها.
وسط هذه الحالة العصية على الفهم وقع نظري على مقال لأحد الأكاديميين يتحدث فيه عن فساد الأنظمة السياسية، واعتقدت للوهلة ألأولى أن هذا الأكاديمي نبياً بزمن شياطين، ولولا تجربتي الشخصية معه، ومعرفتي لنفسيته وسلوكه المريض لصدقت ما أجاد به قلمه، ولرسخت لدي الفكرة بأنه نبي بزمن شياطين، ولكن تأخذ من طرف اللسان حلاوة ومن أذنابها السموم، فينطبق عليه ما ينطبق على إقطاعيين السياسة فهو منافق بامتياز وأفاق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وذو نفسية مريضة لأنه أكثر عبثاً بمصير أجيال تتلمذ على أيديه، فإن كان رب البيت على الدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص، وذاك كاتب أخر أتخذ من قلمه سيفاً لا يغمد في غمده ليلاً نهاراً، يصول ويجول في متابعه كل شاردة وواردة هو وجيش أتباعه والدائرين في فلكه، لا يترك خبراً أو جهة إلا ويغزوها ترويجاً لفكره وإرضاءً لمنابره الضوضائية، وارتزاقاً، يبدع في بث روح الفتنة وترسيخ الانقسام، وكم تمنيت يوماً أن اقرأ له مقال عن الاحتلال وجرائمه، ونازيته، أو عن فساد الفاسدين في أصقاع متجمدة بجمود أطرافه التي لا تجيد شيئاً سوى الكلمة الضوضائية في زمن الغوغاء.
أدرك أن مقالي هذا متعدد الغايات ومتنوع الأهداف، وله دلالات تتحشرج في صدري وتأبى إلا الاعتصام أمام بوابه القارئ العقلية، ولكنها تحظر من اقتحام الذات(الآنا) لأنها من المحرمات أو الخزعبلات كما سيطلق عليها البعض...
أمامنا صراع طويل ومرير، ودرب شاق من دروب المواجهة مع الذات، والوقوف لحظة بنقاء والسؤال الأكثر مرارة إن كان السلام مع الذات ليس خساراً، والسلام مع الاحتلال خياراً، حسب اشتراطات المساعدات العربية والإسلامية، فأي خيارات أفضل وأنجع في مواجهة الاحتلال؟!!!!!
أعيدوا قراءة الواقعية السياسية الإستراتيجية، ونقبوا بما فعله الرئيس المصري أنور السادات عسى أن نقرأ معاً شيئاً من صناعة التاريخ السياسي وفق أبعاده الإستراتيجية التي أسقطت على أبوابها كل احتمالات التكتيك السياسي الذي لهث إليه البعض من قادتنا وساستنا، فذهبت أجيال وآتت أجيال ...... ولا زلنا ننظر للسادات كخائن، ولسيناء كمحتلة، ولإقطاع الرأس مال ثوار في الميدان......." أفلا تعقلون"

ليست هناك تعليقات: