عطا مناع
من نافل القول الانسياق وراء الخطاب السياسي الفلسطيني والركون لثقافة الوجبة الجاهزة التي تطغي على الساحة الفلسطينية، والتي تحاول أن تدخل إلى قلب المواطن الفلسطيني قبل عقلة بعض الجمل الجاهزة التي جاءت كتراكم لثقافة عملت طويلا على إفراغ العقل الفلسطيني مضمونة الوطني ودفع الإنسان الفلسطيني إلى دائرة الذاتية والوقوع في فخ قوى خططت لعقود مضت للوصول للحالة الراهنة بالتعاون مع شريحة انسلخت عن شعبها لإشباع نهمها المتمثل بالبحث عن مكان في النظام العالمي الجديد أو الشرق الأوسط الوليد.
ويحق لأي مواطن أو مثقف لا زال ملتزما بقضايا شعبة ولو بحدودها الدنيا أن يطرح السؤال في وجه الحركة الوطنية الفلسطينية وبالتحديد الفصائل اليسارية التي فرخت العشرات من المنظرين الذي ركبوا موجة المد الوطني في القرن الماضي ليصبحوا قادة مجتمع لهم فعلهم وتأثيرهم على القطاعات الجماهيرية، ولكنهم في أول منعطف كشفوا عن زيفهم ولحقوا بمصالحهم المرتبطة بالإسرائيليين ليصبحوا اشد فتكا وخطرا على الشعب من المجنزرة والرصاصة، لأنهم وبالإمكانيات المتوفرة لديهم شكلوا طبقة لها ثقافتها وأجندتها وتأثيرها على القطاعات المجتمعية المختلفة، وعلى التنظيمات والأحزاب الفلسطينية التي تعاني من الأزمان المالية المتكررة مما دفع بعضها لطأطأة الرأس أمام رفاق الأمس الذين انتقلوا للمعسكر المعادي.
ولا أبالغ إذا قلت أن الضفة الغربية بشكل خاص وقطاع غزة بشكل عام تعيشان حالة من التخمة والتكاثر الأقرب لتوالد القوارض على صعيد ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني التي أتحدى أي مسئول في وزارة الداخلية الفلسطينية أن يحصر عددها،أو يقف على أوضاعها المالية والإدارية، لان العائلية والشللية هي السمة المميزة للمئات من المؤسسات الأهلية، وطبعا هناك استثناءات اشدد أنها محدودة، وهذه الاستثناءات محاصرة من المؤسسات الداعمة التي تقدم الدعم المشروط بتنفيذ برامج معادية لتطلعات الشعب الفلسطيني.
من منكم لم يسمع عن المخيمات الصيفية التطبيعية في أرجاء العالم، أو الجلسات التي ينظمها هؤلاء بين بعض عائلات الشهداء وإسرائيليين بهدف تشويه الوعي والمساواة بين الضحية والجلاد، ماذا عن السفريات التي تستهدف صحفيين وأكاديميين وتكنوقراط لتفعيل ما يسمى بالحوار مع الآخر، في محاولة لشراء الأقلام والأصوات المؤثرة في المجتمع وقد نجحوا في حالات كثيرة في استقطاب كفاءات استخدموها في نشر ثقافة الإحباط واليأس في صفوف الفلسطينيين،وهم مسلحون بالمال والإمكانيات وحرية الحركة والبنية التحتية التي تنتشر في التجمعات الفقيرة وخاصة المخيمات كالإخطبوط، والمخيمات مستهدفة لأسباب غير خافية على احد، فمثلا أنا من مخيم الدهيشة حيث يقع على مساحة كيلو متر واحد وفيه أكثر من خمسة وثلاثين مؤسسة تملك عقارات تقدر بملايين الدولارات ، وغالبيتها تمارس العمل الخدماتي السري مستخدمة سياسة ملء الجيوب وإفراغ العقول بنشاطات انتقائية تثير القلق، وما يجري قي مخيم الدهيشة ينسحب على باقي الوطن، حيث السماسرة الذين يصنعون المؤسسات ويجلبوا لها ما يسمى بالدعم المالي، ليتضح أن احد أصحاب هذه الصنعة وهو معروف في فلسطين وأشهر من نار على علم سرق من إحدى المؤسسات الفاعلة في المخيمات أكثر من مائتي ألف دولار، وله حسابات في البنوك الفلسطينية والإسرائيلية المختلفة كما قال لي احد المسئولين في وزارة الداخلية.
رقعة التطبيع تتسع، وعمليات البيع والشراء تتم في وضح النهار، وقد انتقل المطبعون من مرحلة الإعداد إلى الهجوم، لنصبح أسرى لمرحلة هي قاتمة، بدون مضامين، الاستجداء عنوانها، والدولار محركها، مرحلة تتسم بإحلال ثقافة الهروب إلى أحضان الآخر ، متسترين بالمفاهيم الدخيلة التي طغت على ما اعتقدنا انه الصواب، لذلك لا يمكن الفصل بين حالة التشرذم التي نعيشها اليوم والمتغيرات التي فعلت فعلها كما السوس في عصا سليمان، نحن دخلنا مرحلة الموت السريري، لقد حلت الأنا مكان النحن، الثقافة الوطنية اضمحلت لنشهد رواجا لثقافة "الوجبة السريعة أو الجاهزة"، حتى مفهوم الجماهير لا ينطبق علينا، ورغم الحصار المشدد على الشعب واتساع رقعة الفقر نرى انتعاش اقتصادي لدى بعض الشرائح التي تقضي معظم أوقاتها خارج الوطن، وإذا تواجدوا في الوطن يعملون على تنفيذ ما حملوه في حقائبهم،شأنهم شأن فئران السفينة التي تعيش في الزوايا المظلمة تمارس التخريب البطيء وعندما نغرق السفينة تكون أول من يقفز بحثا عن الخلاص.
وكما يقال" الحرب تعبير مكثف عن الاقتصاد" وان الاقتصاد هو القوة المحركة والأكثر فعالية في إحداث المنعطفات التاريخية، فان الأمة التي مقاليدها لفئات السماسرة والوكلاء ستغرق في غيبوبة تاريخية لن تصحو منها بسهولة، لا زالت الفرصة مؤاتية للسير على الجرح ومواجهة من اتخذوا من الوطن شركة ينفذون فيها صفقاتهم المشبوهة على حساب الشعب، هذا لا يتأتى إلا بكشف زيفهم واسقاظ القناع عن وجوههم الصفراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق