خليل بوهزّاع
شنت جمعية الرابطة الإسلامية في إحدى نشراتها هجوماً شرساً على الديمقراطية، الليبرالية والعلمانية وجعلتها في سلة واحدة باعتبارها ضرباً من الكفر والشرور والخروج عن إرادة الخالق، مروجة في الوقت نفسه إلى قتل المنتمين للفصائل الوطنية.
وأفردت الجمعية في نشرتها التي لم تؤرخ وتخلو من اسم رئيس التحرير المسؤول، لكنها ردت في إحدى مقالاتها على ما نشره بعض الكتاب في شهر يوليو/ تموز الماضي، أفردت 11 صفحة لإحدى خطب رجل الدين المتوفى سليمان المدني والتي دعا فيها إلى إقصاء التيارات السياسية الأخرى، بل وصل الحال به إلى القول بجواز قتلهم.
وقال المدني في رده على أحد الأسئلة الموجه له حول إمكان إشراك الفصائل الوطنية في اتخاذ القرار السياسي ‘’أنا لا أفهم الفصائل الوطنية، أنا عندي المواطن هو المسلم فقط، أما من ولد من مسلمين ثم لم يؤمن به فحكمهم في الشريعة باتفاق الفقهاء هو القتل، وإذا أعلن التوبة نعطيه فرصة لقضاء ما فاته من صلاة وصيام ثم يقتل أيضاً حداً، فكيف إذا كان هذا هو الحكم الشرعي باتفاق العلماء والفقهاء كيف أقول إنه يجوز له أن يشارك في القرار وأنا لا أجيز له أن يشارك في الحياة’’.
وأوضح ‘’واجب المسلم الدعوة إلى الله لا أن ينادي بنظريات كافرة ويأتي بمفهومات باطلة مثل الفصائل الوطنية’’.
وأضاف ‘’حينما تدعو إلى الديمقراطية، فمعنى ذلك أنني آمنت بنظام لا علاقة له بديني ويتعارض مع دعوتي الإسلامية’’.
وفي ترويج واضح لإقصاء المواطنين على أسس دينية، تضيف النشرة نقلاً عن المدني ‘’لا يجوز لكل الناس الذين يكونون معي في الوطن سواء كانوا مسلمين أو كانوا غير مسلمين ان يسهموا في عملية التشريع’’، مستدركا لكن ‘’حينما تكون في بلد غير مسلم كما لو كنت في الصين أو الهند أو أوروبا مثلاً، وباعتبار أن غالبية الناس هناك ليسوا مسلمين، فأنت لا تستطيع أن تطالب بالالتزام بأحكام الله، ولأجل أن تتمكن أنت أن تلقي ببعض أفكارك وآرائك في القانون تطالب بالديمقراطية، ولا دعوة للديمقراطية في بلاد المسلمين (...)؛ لأنها ستفتح باباً للشيوعيين والليبراليين وأن يتمنوا من الوصول إلى كراسي.
وقال ‘’إذا جاءت الديمقراطية وفق النظرية الغربية، فإننا لا نستطيع أن نؤيدها، ولا ندعو إليها، ولكن إذا صارت على رغم أنوفنا، سأشارك فيها حتى أدفع ما استطيع دفعه من المفاسد لا للإيمان بها والاعتراف بها’’.
وأضاف ‘’لو كنت في مجتمع لا استطيع ان امنع هذا المجتمع بأن يأمر بالديمقراطية الغربية، فعندئذ قد أشارك، ولا مانع ان أرشح نفسي وأدخل لا إيماناً مني بهذه الديمقراطية، ولكن لإيقاف ما أتمكن من إيقافه من شرورها’’.
ويرى المدني أن الديمقراطية ‘’هي تطوير لطريقة الحرب، فبدلاً أن تكون الحرب بين أصحاب المصالح المختلفة بالسيف أو بالرصاص تكون الحرب بين أصحاب هذه المصالح بالورق’’.
ويضيف ‘’المسلم الذي يدعي الإسلامية ثم يدعو إلى الديمقراطية إنما هو يناقض نفسه (...)، فالديمقراطية تدعو إلى العلمانية’’.
وفي موضوع آخر حوته النشرة، وصف رجل الدين عيسى الخاقاني الليبراليين والعلمانيين ‘’بالكفار والمجرمين، وبأنهم يريدون سلخ المرء من عروبته وإسلامه ووطنيته’’.
واعتبر الخاقاني العلمانية أنها حينما ‘’تدعو للحرية المطلقة، فإنها تفتح المجال لأن تكون هناك إباحية’’، مشيراً إلى ‘’أن تحزب المسلمين هو خطأ، فالحزبية في عالم الإسلام غلط لأن الإسلام بحد ذاته حزب (...)، فكيف نأتي ونقسم الإسلام والمسلمين إلى أحزاب؛ لأنه خطأ لا يقره الشرع’’.
أما في مقالة ‘’الهتاف الشهير... أبعاد وتداعيات’’، فقد شن شوقي فضل هجوماً على رجل الدين عيسى قاسم حينما هتف بسقوط العلمانية قائلاً ‘’الهتاف الشهير بسقوط العلمانية من حناجر ما فتئت تدعو إلى دمجهم في المجتمع البحراني باعتبارهم أحد انسجه هذا المجتمع ودعامته الوطنية (....) كما لا حظنا ذلك أبان فترة الانتخابات، حتى وصل إلى حد دعمهم ضد مرشحين إسلاميين.
وقال في إشارة منه إلى الليبراليين والعلمانيين في البحرين لقد ‘’أصبحوا شرذمة مهزوزة (...) وقبروا ومات صوتهم بعقد التسعينات’’.
ويضيف ‘’ثم دخلنا منتصف التسعينات، حيث شهدت البلد أحداثاً مؤسفة حينها بين بعض الجهات المحسوبة على البيت الشيعي، حيث تم إفساح المجال للعلمانيين وغيرهم من الأطياف غير الإسلامية للخروج من قبورهم التي دفنوا فيها والترويج لهم عبر التحالف الاستراتيجي معهم (...) فصار دخول العلماني إلى المؤسسات الإسلامية كالمسجد والمأتم أمراً عادياً، فعاثوا في فكر شبابنا المسلم’’.
وانتقد فضل مطالبة إحدى القرى في البلاد بتسمية أحد شوارعها على اسم رمز من رموز العلمانية والشيوعية في البلد، بل إن غلو البعض وصل إلى درجة البحث عن مقدار إيمان وتشيع وإخلاص هؤلاء العلمانيين’’.
وقال ‘’هددت الجهة التي يعرف عنها الصدق والأمانة مع المسلمين من يقاطع العلماني في الانتخابات الأخيرة وتهديد من لا يعطيه صوته بالويل والثبور’’.
وتأتي تلك الدعوات الرافضة للديمقراطية بوصفها نظاماً يدار به السلوك السياسي بين مختلف القوى، متماشية والدعوات السلفية الرافضة لمبدأ الديمقراطية جملة وتفصيلاً، فيما تتفق معها في نظرية درء المفاسد، بمعنى الدخول في العملية الديمقراطية إذا ما تم تطبيقها في بلد ما بهدف التخفيف من ‘’سوء الآخرين’’، ولكن كلتاهما تتصادمان ونظرة المرجع الديني محمد حسن فضل الله الذي يؤكد في أحد تعليقاته على موقف الاسلام من كلمتي الديمقراطية والحرية قائلاً ‘’الديمقراطية هي عبارة عن أن الشرعية تنطلق من خلال الأكثرية وأصواتهم، فلو فرضنا أن الأكثرية صوّتت ضد الإسلام، فالإسلام لا شرعية له، ولو أن الأكثرية صوتت للإسلام، فيكون للإسلام شرعية؛ لأن الأكثرية صوتت له، لا لأن الله أوصى به.
ومن ناحية إسلامية، فإنّ هذا المنطق غير مقبول؛ لأننا لا نؤمن بهذه الخلفية الفلسفية للديمقراطية’’.ويستدرك فضل الله ‘’ولكن إذا أريد من الديمقراطية ما هو مقابل الديكتاتورية وما يقرب من الشورى، فلا مانع من ذلك، وهكذا بالنسبة للحرّية؛ لأن الله خلق الإنسان حراً ولم يجعل لأحد سلطة عليه إلا بالحق، ولكنّ الله سبحانه لم يجعل له الحرّية التشريعيّة في فعل الباطل، وأن منحه حرّية تكوينيّة يقدر بموجبها على الحقّ والباطل على حدّ سواء’’.
ويضيف في موقف آخر ‘’ما تعارف عليه الناس في مسألة الديمقراطية، وهي الخط السياسي الخاضع لمبدأ الأكثرية، والذي يأخذ به في كثير من الأوضاع السياسية والاجتماعية والحزبية والاقتصادية وما إلى ذلك، حيث إن قانون الأخذ بالأكثرية هو القانون الذي يجري عليه الناس اليوم، حتى أصبح الحديث عن الديمقراطية حديثاً عن مسلَّمة فكرية إنسانية، كما لو كان الإنسان يتحرك بين خطين: إما الدكتاتورية أو الديمقراطية’’.ويتابع فضل الله ‘’في المسألة السياسية، إذ يمكن أن نطبّق مبدأ الأكثرية في نطاق الشورى، خصوصاً عندما يدور الأمر بين الديكتاتورية والشورى، حيث إن الديكتاتورية مرفوضة إسلامياً، إلا أنّ ذلك لا بدّ أن يتمّ ضمن ضوابط الثوابت، حيث إن هناك ثوابت إسلامية مُسلَّم بها عند المسلمين جميعاً، ولذلك، فإن الأكثرية عندما تقبل بوضع الأوراق في صندوق الاقتراع، لابد أن يكون العنوان الكبير لما يراد للناس أنْ يصوِّتوا عليه هو احترام الإسلام، سواء كان عند انتخاب قيادة إسلامية أو انتخاب ممثلين للناس في بعض القضايا التي تتصل بالتشريع أو تتصل بالمصالح العامّة’’.
أما بشأن التعاطي والتحاور مع القوى الوطنية في المسائل السياسية ذات البعد الوطني، فيقول فضل الله رداً على سؤال حول ما هو حكم الإسلام في التعددية السياسية سواء داخل الإطار الإسلامي وبين الجهات الإسلامية وخارج الإطار الإسلامي مع إشراك جهات غير إسلامية ‘’يجب أن تبقى التعددية السياسية داخل الإطار الإسلامي محصورة في إطار اختلاف أساليب العمل (...) أما تحالف القوى الإسلامية مع قوى غير إسلامية لتحقيق أهداف سياسية وطنية نافعة، فلا مانع منه، بل قد يكون واجباً، وخصوصاً إذا لم تكن له آثار ضارة على المسيرة الإسلامية’’، وبالتالي فإن تعليق المرجع الديني فضل الله قد ذهب في اتجاه آخر غير الذي ذهبت إليه النشرة حينما دعت ولو بشكل مبطن إلى إقصاء التيارات السياسية الأخرى، بل والترويج لفتوى ‘’إهدار دمائهم’’.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق