الثلاثاء، أغسطس 14، 2007

الساحة الفلسطينية ومسلسل الجواسيس


راسم عبيدات

....... في أعقاب حالة الحسم العسكري التي أقدمت عليها حماس في القطاع، وما تبعها من إجراءات إداريه وقانونية غير شرعية أقدم عليها الرئيس بإقالة حكومة الوحدة الوطنية، وتشكيل حكومة تسير الأعمال،لم تدخل الساحة الفلسطينية في منعطف نوعي وخطير، بل ان الأمور تتجه نحو التدمير والإنتحار الذاتي وعلى غرار النزعة النيرونية، هدم وتدمير المعبد فوق رؤس الجميع، فنحن نمارس نفس اللعبة، إما أنا الذي أتولى زمام الأمور وجماعتي، وإما فليذهب الجميع إلى الجحيم، فمن بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، أصبحنا نستخدم أساليب في التعاطي والتعامل مع بعضنا البعض،أقل ما يقال عنها أنها مخجلة،وخلطت الحابل بالنابل وتجاوزت كل القيم والمعايير والأخلاق، وكل الخطوط الحمراء والصفراء، ووصلت حد االذي التي لا يمس الشخص أو العائلة في الكرامة والأخلاق، بل في الوطنية والإنتماء، وإغراق الساحة في حالة من البلبلة والتشكيك وإنعدام الثقة، ودفعها نحو الإحتراب والإقتتال الداخلي، وتعزيز للفئوية والعشائرية والقبلية والجهوية ونهج الزعرنة والبلطجة والعقلية " الميليشياتيه " وما يحدث لا يختلف عن ما تتبعه المخابرات الإسرائيلية مع مجنديها من العملاء، حيث تقول لهم انه في حالة إنكشافك، وإضطرارك للإعتراف قدم إعترافات عن اناس شرفاء، بالإضافة لأسماء المرتبطين والعملاء، حتى يتم تعويم الأمور، وخلق حالة من إنعدام الثقة والشك وتخريب العلاقات الوطنية والإجتماعية، وهتك وتدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني، ومثل هذه الأساليب تلجأ لها أجهزة المخابرات الأسرائيلية في مراكز التحقيق والسجون، وقد حققت المخابرات الإسرائيلية في البدايات نجاحات في هذا الجانب، إلا أن وعي الحركة الأسيرة وخبرتها ووحدتها ومتانة وصلابة أوضاعها التنظيمية، مكنتها من كشف هذه الأساليب والممارسات، مما جعلها قادرة على تحصين بيتها الداخلي والقدرة على التعاطي مع هذه الظاهرة ومعالجتها، والحد من تأثيراتها على المستوى الإعتقالي والوطني داخلياً وخارجياً، واليوم وما تعيشه الساحة الفلسطينية من صراع وإقتتال بين حماس وفتح، وتجاوز لكل المحرمات يعيدنا إلى تلك المرحلة وتلك الأساليب، حيث كل يوم تقريباً، نسمع ونشاهد عمليات إغتيال وإعتقال وإعتقال مضاد، وأخبار من طراز عاجل وترقبوا ترقبوا، الوزير او المسؤول الفلاني في الحكومة المقالة او حكومة تسير العمال، او رئيس الجهاز الفلاني أو العلاني، سيعقد مؤتمراً صحفياً يعلن أو يكشف فيه عن وثائق هامة تثبت تورط أبو علان وأبو علان في التعامل مع الإحتلال، أو تورط الجهاز الفلاني أو العلاني في كشف أسماء المقاومين ورفع تقرير عنهم ليس للمخابرات الإسرائيلية، بل لمخابرات عربية وغربية، أو وثائق حول فضائح جنسية وأخلاقية ومالية متورط فيها قيادات أجهزة أمنية وغيرها من قيادات ورموز فصائيلية، وبالمقابل مؤتمرات وتصريحات صحفية مضادة، حول تورط قيادات ورموز فصائيلية في إغتيال وتصفية مقاومين وقيادات وميدانية، وإحتضان عملاء ومشبوهين، ووصلت الأمور حد إظهار لشخوص معتقلين على شاشة التلفزة وبث إعترافات لهم، على أنهم عملاء ومتورطين في إغتيال مقاومين، بعد إثارة لغط حول حقيقة وطبيعة هذه الإعترافات والطريقة التي إنتزعت بها، وخصوصاً ان الأجهزة بثت ونشرت وزودت حتى أعضاء في المجلس التشريعي، بمعلومات كاذبة حول حقيقة الوضع الصحي للمعتقل، وخطورة المسألة هنا، انه في ظل حالة التحشيد والتجييش والتحريض والتحريض المضاد، وإستخدام كل ما هو غير مشروع في إطار الحرب والصراع على وهم السلطة ، وكذلك غياب المسألة والمحاسبة وإنعدام القضاء وتعطل السلطات الأخرى من تشريعية وتنفيذية، وتضارب الصلاحيات والمسؤوليات وغياب المرجعيات الموحدة، وكذلك إحتضان كل فصيل لجماعته،والتغطية على ممارساتهم ومسلكياتهم الخاطئة، وجعلهم فوق الشبهات والمسائلة والقانون، حتى ولو " قاموا بالسبعة وذمتها "، هذا لا يجعل الحبل مفلوتاً على غاربه ، والشاطر بشطارته وأخذ القانون باليد والقوة والزعرنة والبلطجة، بل يعزز من حالة الفليتان الأمني، ويترك الساحة مرتعاً خصباً لكل المشبوهين والحاقدين لبث سهام سمومهم وأكاذيبهم في كل الإتجاهات، من أجل تعميق حالة الإنقسام والشرذمة في الساحة الفلسطينية، وكذلك خلق حالة واسعة من الشك والإحباط واليأس في صفوف الشعب الفلسطيني، من قوى العمل الوطني والإسلامي بمختلف ألوان طيفها السياسي، حيث يرى أن هذه الفصائل تقتتل باسم الشعب ومصالحه العليا، في سبيل مصالح ومراكز وإمتيازات فئوية وأهداف وأجندات ، ليس لها علاقة بالوطن ومصالحة من قريب أو بعيد، وهي تمنح شهادات الوطنية لسين او ص من جماعتها، وتخون عين او غين من الجماعات الأخر، وبالتالي هذا النهج مدمر ويقود إلى الإنتحار الذاتي ، وبما يبدد ويضيع كل المنجزات والمكتسبات التي عمدها الشعب الفلسطيني بشلالات طويلة من الدماء والمعانيات والتضحيات، فمن غير الجائز والمقبول في سبيل مصالحنا وفئويتنا، أن نغرق الساحة والشعب في مزيداً من الإحباط واليأس، بل وحتى الكفر بالعمل الوطني والسياسي، وعلى الجميع ان يدرك حماس وفتح قبل غيرهما ، أن ما يجري وما يحدث في هذا الجانب خطير جداً، ويضع علامات إستفهام كبيرة وتشكك حول القوى الوطنية والإسلامية ودورها وتاريخها النضالي، ويصور المناضلين على أنهم مجموعة من المرتزقة والذين يعملون لحسابهم ومصالحهم الشخصية، وبالتالي فالحل الوحيد والمخرج هنا ، لن يتأتي إلا بإعادة اللحمة والوحدة إلى الساحة اللسطينية، فهي صمام أمان هذا الشعب وعنوان إنتصاره ، وإستمرار التناحر والإقتتال والحرب التشويهية، فقط تقدم خدمة مجانية للإحتلال وأعوانه وزلمه من أجل الإستمرار في أدوارهم وممارساتهم، ومن أجل وقف هذا المسلسل المخزي، لا بد من التوافق على لجنة وطنية، تتولى التحقيق ومتابعة هذا الملف، ولديها الصلاحيات والمسؤوليات الكاملة، وتنشر نتائج تحقيقاتها علناً، وتحاسب كل من يثبت أدانته او تورطه في التآمر أو العمل ضد مصلحة الشعب الفلسطيني، أو التعاون مع الإحتلال، مهما كانت صفته وموقعه، وهذا يتطلب أولاً رفع الغطاء التنظيمي عن كل الذين يقومون بهذه الممارسات والأعمال، وبدون ذلك فإن نتائج التحقيق ستبق حبراً على ورق ولن تجد طريقها للتنفيذ، وسيستمر مسلسل ولعبة الجواسيس وبما يقود إلى الإنتحار والتدمير الذاتي .


القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: