محمد داود
من الغريب في ألأمر هو تحميل السلطة في رام الله مسئولية الكوارث والانتكاسات الإنسانية في قطاع غزة، وجعلها الشماعة التي نعلق عليها كل الأخطاء، وقد تحدثنا في موضوعٍ سابق عن أهمية الأمن بمفهومه الشامل كضرورة ملحة في حال القيام بأي مناورة أو مغامرة، سيما ونحن نتحدث عن قطاع غزة المنعوت بالسجن الكبير، هذا الشريط الحدودي المسيطر عليه براً وبحراً وجواً، لا يمتلك أي مقوم للحياة، وقد وقفنا عند تداعيات الانقلاب وما أفرزه من كوارث وضياع للشعب وللوطن والقضية، التي اندثرت ولم يبقى لها صدىٍ، حيث أصبح حديث العامة والقادة منحصراً فقط حول ضرورات توفير أدنى المتطلبات لاستمرارية الحياة من أجل البقاء، والتي كانت محل جدل منها التزويد بالوقود لتشغيل محطات توليدا الكهرباء أو أزمة المياه أو عبور العالقين عن المعبر أو المواد التموينية والأساسية، أو مسألة الرواتب، وإضراب الموظفين وعمال النظافة، و.......الخ
من القضايا التي ما عاهدناها في السابق، بينما القضايا الرئيسية لم يبقى لها وزن أو قيمة أو حتى مجرد الذكر كالقدس والاستيطان واللاجئين والجدار العنصري و الاغتيالات والتوغلات الصهيونية والأسرى وملف المطاردين و.... الخ
من القضايا السياسية والمصيرية، التي هي أجدى في الاهتمام. نحن نعلم أن هناك ظروف وعوامل أقوى من الواقع وفرضت أجندتها السياسية، ولكن لا نعتبرها الشماعة التي نكيل عليها ألأسباب والأخطاء والأضرار، في نفس اللحظة لا ننفي أنها ليست جزءٍ من هذه الإشكالية. وأتفق أن الحروب اليوم أخذت مساراتٍ حديثة، توجه ضد الموارد الاقتصادية وضد البنية التحتية للبلد من أجل تركيعها وإلحاق أكبر قدر من الضرر ومن ثم الاستسلام، فمن قائمة الاستهداف...
هو ضرب مصادر الطاقة لأنها تغذي جميع الأنشطة المدنية الحياتية خاصة قطاع الصناعة والإنتاج والاتصالات والنقل والمواصلات، وقطاع الزراعة والتجارة وقطاع التعليم، ويذكر أن محطة توليد الكهرباء الوحيدة قد تعرضت في السابق لضرب جوية، من قبل سلاح الجو الإسرائيلي ...
كرد فعل عقب عملية الوهم المتبدد التي أسفرت عن أسر الجندي شاليط، عندما قامت مجموعة مكونة من ثلاثة فصائل فلسطينية مقربه من حركة حماس بما فيهم الأخيرة، ونتيجة ذلك قامت إسرائيل برد فعل مزلزل بقصفها لمحطة الكهرباء وللورش والمصانع والمنازل، وقامت بسلسلة من الاجتياحات والاغتيالات، حيث سقط أكثر من سبعمائة وخمسون شهيدً والآلف الجرحى والمعاقين والأسرى، وتدمير البنية الاقتصادية والتحتية وحصار القطاع، والغريب في الأمر أن السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها السيد الرئيس أبو مازن، لم يخرج ويحمل حركة حماس تبعات هذا الضرر الكبير، وما أفرزه من مآسي على حياة المواطنين في قطاع غزة، لأنه يؤمن بأحقية المقاومة من أجل التحرير.
إن استخدام أنابيب و" الأسطوانة" الغاز والتي غالبيتها لاتصلح للاستخدام، بسبب تأكلها وتلفها، حيث يلجأ المواطنون إلى اعتمادها في تشغيل مولدات الكهرباء "الموتور" بدلاً من المحروقات ألأخرى وذلك لوفرتها، مما تهدد حياة المواطنين، سيما وأن هذه المولدات توضع في ألأماكن التي تعج بحركة المواطنين، ونحن نتحدث عن الأسواق والأماكن المكتظة بالحركة التجارية، وتبقى الخشية من هذه الأنابيب أن توقع كوارث إنسانية وبيئية كبيرة ناهيك عن صوتها المزعج، وسط أكوام القمامة ومشتاقات الأغلفة القابلة للاشتعال، حيث تتطاير قرب هذه الأدوات، وقد حذرت وزارة الصحة من كثرة الحرائق والمحروقين الذين تأذوا بفعل هذه الآفة الجديدة.
مرضى تعتمد أجهزتهم على الكهرباء، وورش الحدادة والنجارة، التي تفتقر للمواد الخام، واليوم تفتقر للكهرباء، المصاعد تتوقف والخشية من توقفها وبها مواطنون، وأوقات تذهب سدى دون فائدة، وأصبح المواطن محاصراً بين قمامة الطرقات وروائحها الكريهة، وبين ظلمة البيت الدامس ودرجة حرارته المرتفعة،ـ وسط نقص شديد للمواد التموينية.
لقد أصبح المواطن أسيراً للكهرباء، فكل ثمانية ساعات تأتي دورة وأحيانا قد تنقطع قبل موعدها المقرر، أو تعيد قطعها مرات مما تؤثر على ألأجهزة ويعرضها للحرق والتلف، وقضية الإنارة معاكسة للظلام، فهي مرتبطة من الناحية الأمنية بالأمن "الفلتان الأمني"، حيث تستغل انقطاعها لارتكاب جرائم وسرقات ومخالفات دينية، حيث ينشط القتلة واللصوص أثنائها، فاستهداف الكهرباء هو استهداف للكينونة الفلسطينية كأحد رموز السيادة الوطنية، يهدف لعرقلة أدائها ونشاطها ألخدماتي والإنساني والصناعي والزراعي والخدمات المختلفة.
بعد أن وصلت الكهرباء اليوم في العالم الصناعي كشرط مسبق لوجود الصناعة ولتدوير عجلتها وإدارة إنتاجها ومصنوعاتها. فالشعوب لا يمكن أن تتقدم بدون كهرباء والتخلي عن منافعها التي لا يمكن للأمة أن تتقدم بدونها فهي خادمة الإنسان لا تستعبد الإنسان محولة إياه إلى خدم لها وأسيرً لها، وتمكنت من تحويل المرء إلى لأدنى من كينونته الآدمية ... هو أن يتحول أبنائنا بلا أداء أو حراك عبيداً للأجهزة الكهربائية بدلاً من أن يكونوا أسياداً لها. وتستمر معاناة أهلنا في القطاع الصامد دون إسعاف أو اهتمام ....
وأترك السؤال التالي الذي سيكون محل جدل في مقالي القادم!!!!!!!!! من المسئول عن الناس حماس أم عباس??؟ إلى اللقاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق