محمود غازي سعدالدين
وردتني العديد من التعليقات و الايميلات حول مقالي المنشور على عدد من المواقع ألالكترونية والصحف والمجلات المختلفة , و ارتأيت هنا أن أعقب على بعض هذه التعليقات و من باب تصحيح بعض ما قد التبس على البعض والرد بكل صراحة على بعض المتشنجين والمتطرفين الذين استغلوا المقال لترويج الطائفية أكثر أو لإثارة بعض النعرات الدينية بين مكونات الشعب العراقي , والثناء على العديد من ألإخوة والأخوات الذين علقوا بعقلانية على ما جاء في سطور المقال .
لا زلت أؤكد أن موقف المسيحيين موقف وطني ووفي ونبيل في تعليقهم الاحتفال بأعياد رأس السنة وميلاد السيد المسيح ولعلي لابد أن أوضح بعض الأشياء واتفق مع آراء بعض ألإخوة الذين أدلوا بآرائهم حول المقال , بأنه كان من المهم أن تكون هناك مواقف ايجابية ورسائل من المراجع الدينية والهيئات الدينية إلى ألإخوة المسيحيين وخصوصا في البصرة وغير البصرة ولا ضير من إقامة احتفالاتهم وطقوسهم دون رد فعل سلبي من أي طرف كان وليعود الأمر بالنهاية والجواب من ألأخوة المسيحيين أنفسهم في حال تعليقها دون إكراه وضغوط وشاركوا أخوتهم في طقوس عاشوراء .
بعض ألأخوة الذين علقوا ذكروا أن مصاب الشيعة هذا يعود إلى أكثر من 1400 عام مضت فلماذا نعيش ونضع أنفسنا في تلك الأحداث المؤلمة وما مر على العراق من آلام وأحزان تكفيه لنستذكر أحزانا وقد مضى عليها أعوام وأعوام !! .
هنا أقول أن مأساة ألإمام الحسين ليست طقوسا ومواكب (تقوم بالتطبير وضرب القامات ) نشاهدها تجرى من قبل القلة من ألإخوة الشيعة والتي لا أؤيدها ومن الأجدر عدم القيام بعادات من قبل التطبير وإيذاء النفس ولا ضير من أداء أية طقوس تؤكد مصاب الحسين واستحضار بعض المواقف التاريخية بالنظر لما شوه وحرف ووضع من قبل الدساسين والوعاظ المنافقين والطغاة من قبيل تشويه الحقائق عبر التاريخ.
هنا أقول أن هناك بعض الأحداث التي جرت ومضى عليها سنين عديدة أكثر بأضعاف مما مضى على مصاب الحسين ولعلي سأذكر مثالا واحدا صغيرا وكبيرا من حيث المعنى , من منا لا يتأثر بفيلم الممثل الأمريكي (مل غيب سون) وهو يجسد دور السيد المسيح في فيلمه الرائع ومن منا يستطيع أن يحبس دموعه ويكبت مشاعره وهو يعيش أحداث الفيلم المؤلمة والمواقف الرائعة التي جسدها الممثل بأدائه الرائع طوال أحداث الفيلم .
لعلي لابد هنا أن أؤكد شيئا واحدا فقط وقد سبقني عدد من الإخوة في ذلك بان على المراجع الشيعية المعتدلة النظر بجدية إلى موضوع طرح فكرة أنتاج قصة ورحلة ومأساة الإمام الحسين على بعض الشركات السينمائية العالمية (هوليود مثالا) لإنتاج فيلم يجسد هذا الحدث العالمي الإنساني المؤلم على غرار فيلم الرسالة الذي نال رواجا واستحسانا عالميين في نسختيه العربية والانكليزية , وان لا ينظر إلى الأمر بنظرة متشنجة وافق ضيق , ولعل اتفق كليا أن حادثة ألطف خرجت نحو العالمية إلى حد ما , وما يؤكد هذا الشيء هو ما يحدث كل عام من استهداف مواكب الإخوة الشيعة في العراق وباكستان والهند وأفغانستان من قبل الإرهابيين بسيارتهم وأجسادهم النتنة المفخخة وعبوات لاصقة تستهدف سيارات مواكب الزائرين وشتى الوسائل الخبيثة التي تنم عن دناءة وخبث الأطراف التي تقوم بها وتروج لها , لقد جلبت أحداث عاشوراء أنظار وعطف المجتمعات والدول الديمقراطية التي تقدر قيمة ألإنسان وحريته في أداء كل شيء وأصبحت هذه المجتمعات والدول تتحدث عن الجرائم التي تنتهك بحق المسلمين الشيعة أثناء كل مناسبة وما السر في استهدافهم ؟ هنا لابد لي أن أشير إلى بعض العبارات التي وردت في مذكرات الحاكم المدني للعراق السيد (بول بريمر) في كتابه (عام أو سنتي في العراق) وهو يتحدث مع مستشاره ألأمني الذي قال له أنت الشخص ألأول المستهدف حاليا في العالم من قبل الجماعات الإرهابية حسب المعلومات التي تلقيناها , وعلينا زيادة وتكثيف إجراءات حمايتك الخاصة فكان رده انه علينا أن نفكر كيف نساعد ونحمي مع قوات ألأمن العراقية مواكب ثلاثة ملايين زائر عراقي في ذكرى عاشوراء فكر في ذلك أفضل فانا لدي حماية كافية ولعلك تدرك نوايا الجماعات ألإرهابية في استهداف تلك المواكب سنويا , وتشير ألإحصائيات الرسمية أن معظم الضحايا الذين سقطوا في أنحاء غالبيتهم من الطائفة الشيعية ولست هنا لأقلل من أية دماء سالت فأية قطرة دم (مسيحي او صابئي وشبكي ويزيدي أو كردي سفكتها المجموعات الإرهابية والميلشيات الخارجة على القانون غالية علينا ولا تقدر بأي ثمن .
إذا الموضوع ليس كما طرحه بعض ألأخوة والأخوات إنها حادثة جرت أحداثها قبل 1400 عام مضت بل الواقع عكس ذلك فعلى الإنسانية جمعاء أن تقف ضد هذا ألأجرام الذي يحصل في كل مناسبة ولعل كل ذو ضمير إنساني يدرك هذا الشيء , هنا ليس من الحكمة والإنصاف أن نصف جميع هذه الطقوس ومن يقوم بها بالجنون والهوس (ولعلني قلتها مرارا ويؤكد عليها معظم مراجع الشيعة بعدم إيذاء النفس في إشارة إلى ظاهرة التطبير وضرب القامات ) ولا ضير في أية طقوس أخرى نستذكر تلك المأساة , هنا أقول واطرح سؤالا على الإخوة والأخوات الذين وصفوا طقوس عاشوراء بمجملها بالهوس والجنون , هل يحق لنا أن نصف ملايين الهندوس السيخ في دولة الهند بالهوس والجنون عند أداء طقوسهم الدينية كل عام واغتسالهم في النهر المقدس (حيث تؤدي هذه الظاهرة إلى غرق الآلاف منهم عند أدائها) ولا أظن أن أحدا يشك كون الحكومة وشكل ونظام الدولة في الهند يمثل ديمقراطية حقيقية لا يطعن فيها احد ؟؟
هل علينا أن نطعن في احتفالات بعض شرائح المجتمعات الديمقراطية (رغم إنها ليست طقوسا دينية) على غرار دولة اسبانيا و البرتغال ودول أخرى ونرى جميعا بأم أعيننا الآلاف منهم يشاركون في طقوس تطلق فيها قطعان الثيران الهائجة في الشوارع والساحات يتراكضون أمامها وخلفها والمئات يقعون ضحايا كقتلى وجرحى من جراء هذه ألاحتفالات !!
أو احتفالات محصول الطماطم في بعض الدول الأوربية التي تغلق فيها ساحات وشوارع عامة يشارك يها ألآلاف نساء ورجالا وتقع نتيجتها المئات من الحوادث !!
الهوس والجنون الحقيقي هو من يقوم باستهداف المواكب الحسينية في كل مناسبة حتى (من كان منهم يؤذي نفسه بالقامات والتطبير) والهوس والجنون الحقيقي هو من يستهدف المسيحيين وكنائسهم ويقوم بتهجيرهم وكذلك الحال من يستهدف اليهود والصابئة والبوذيين وتقصد في إيذائهم في مناسبة وغير مناسبة .
فعلينا إذن أن نقف ضد الظاهرة ألأخطر وهي ظاهرة ألإرهاب العالمي المتفشي واستهداف الإنسان دون النظر بتشنج إلى الأمور ووضع الأمور في نصابها بعقلانية وتمحيص ودراية فقد يكون العذر حاضرا ومسموحا ومقبولا به كونك قد آذيت نفسك تلقاء نفسك وأنت في كامل وعيك ورشدك في سواء أكنت متسلقا للجبال أو لناطحة سحاب أو انك تقوم بمغامرة من قبيل العديد من المغامرات التي نراها في العديد من الدول الحديثة والراقية أو إن كنت شيعيا أو يهوديا أو هنديا أو بوذيا في الصين تؤدي طقوسك الدينية بغض النظر عن شكل وطبيعة هذه الطقوس , ولكن العذر الغير مقبول و علينا أن نقف ضده في حال وصل ألأمر إلى أن يقع الإيذاء متعمدا من قبل غيرك بسيارة مفخخة وعبوات ناسفة أو حتى ألعاب نارية و أطلاقات نارية تطلق في احتفالات تؤدي إلى حرق وهلاك المئات من الأنفس وهذه إحدى العديد من مظاهر الجنون والهوس الذي نعيشه يوميا في مجتمعاتنا .
فلا نجعل من أنفسنا كمن يتحدث ويستعمل كلمة الحق في سبيل الباطل و لكم الحكم على ذلك .
**
مسيحيو البصرة مثال وطني حي و وفي للإمام الحسين .
تلقيت خبر إيقاف أو تعليق مسيحيي محافظة البصرة احتفالاتهم بمناسبة أعياد رأس السنة وميلاد السيد المسيح بسبب تصادف وقوع هذه الاحتفالات مع ذكرى واقعة ألطف ذكرى استشهاد الإمام الحسين , تلقيت الخبر ومنحني شحنة أخرى من التفاؤل بأن العراق فيه من الخيرين الذين يسعون لبنائه وتقوية الأواصر بين مكونات شعبه , لعل هذا الشيء يدل على قمة الوفاء من قبل الأخوة المسيحيين لأخوتهم( الشيعة) خاصة والمسلمين والعراقيين والإنسانية عموما كون الحسين مثال للإنسانية جمعاء وليس إماما للشيعة فقط , وكما وصفه رئيس الوزراء البريطاني في حينه ونستن تشرشل قائلا (لو كان حسين منا وفينا لأمرت أن تعلق له راية في كل بيت ومنزل في بريطانيا ) وهذا غاندي الرجل الرائع ومثال التسامح والذي طالب بحقوق شعبه في الهند وروج لنظرية قمة في الروعة من حيث طلب أية حقوق دون اللجوء إلى خيار العنف يقول فيه ( علمني الحسين كيف أكون مهزوما فأنتصر) .
من الوفاء والإخلاص لمسيحيي البصرة والعراق عموما أن تكون هناك بوادر أخرى وكرد جميل من إخوانهم الشيعة والسنة كونهم يمثلون الشريحتين الكبيرتين من مكونات الشعب العراقي ومن باب هل جزاء الإحسان ألا ألاحسان أن يعامل مسيحيو العراق بمثل هذا الوفاء الذي عبروا عنه في هذه المناسبة ويجب أن ننتهج أرقى أساليب التعامل ألإنساني معهم ومنحهم مزيد من الحقوق في أداء طقوسهم الدينية وحرية المأكل والمشرب والملبس وخصوصا ما شاهدته البصرة قبل فترة من تقييد حريات الطائفة المسيحية التي تعيش بين إخوانهم منذ عقود طويلة وهذه الممارسات قد شملت المجتمع بصورة عامة رغم علمنا أنها لا تمثل المجتمع البصري عموما وإنها ظاهرة روجت لها بعض التيارات المتطرفة الشيعية المدعومة من قبل إيران وولي الفقيه التي تسير في سياسة فرض مفردات العقيدة ألأسلامية فرضا من ارتداء الحجاب ومنع الخمور ومنع خروج النساء سافرات حتى أن ألإخبار التي تتوارد من ايران تتحدث أن هناك إجراءات قاسية تأخذ بحق أية فتاة لا ترتدي الحجاب فكيف بخروجها وهي تلبس تنوره قصيرة أو تضع ماكياجا فقد تلقى في غياهب السجون أو تعدم كما تشمل هذه الإجراءات حتى الشباب الذين لا يزرون قمصانهم أو في حال ارتدائهم بعضا من ألانتيكات كمزاج شخصي ليمارس إرهاب الدولة وولي الفقيه بحقهم عند أية خروج عن تعاليمه (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ليناقضوا مبدأ لحرية التي فسح الله عز وجل للإنسان حرية ألأيمان والكفر به عز وجل (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) .
علينا أن عندما نتحدث أن لا نتحدث عن محافظة البصرة فقط رغم انحسار ما شاهدته هذه المحافظة من موجة تطرف من قبل الجماعات المتطرفة الشيعية والسنية (ألأجندات المتطرفة غالبا ما تلتقي) على حد سواء بعد عمليات فرض القانون رغم علمنا عدم انتهاء ظاهرة التطرف نهائيا وينبغي على الجميع بذل الجهود بغية إنهائها في المحافظات الجنوبية بالنظر لعدم وجود حاضنات للجماعات المتطرفة السنية بقوة داخل المدن الجنوبية التي تؤجج نار الفتنة وإثارة مشاكل مع مختلف الأقليات التي تقطن هذه المحافظات .
كما قلنا لابد أن يتحلى العراقيون بالوطنية و ألإنسانية مع إخوانهم المسيحيين وغيرهم من إخوانهم من المكونات الأخرى وعلى الجميع حكومة وشعبا إيقاف ظاهرة استهداف المسيحيين واستهداف دور العبادة وتهجيرهم من مناطق سكناهم وموجة اغتيالات تمارس من قبل جماعات متطرفة نشاطات و إرهابية سنية من قبيل ما تسمى دولة العراق الإسلامية وكتائب النقش بندية الإرهابية وجيش محمد خصوصا في مناطق الموصل وسهلها وبغداد وكركوك وديالى ولعل هناك مؤشرات حول ارتفاع وتيرة استهداف المسيحيين في الموصل ومناطق سهل نينوى تحديدا .
لابد من وضع النقاط على الحروف وكشف جميع الجهات التي تقف من وراء هذه العمليات الإرهابية ولا اخفي سرا أن يكون هناك دورا خبيثا لأحزاب كردية قومية تدعو لإقامة ما يسمى منطقة حكم ذاتي في مناطق سهل نينوى من قبيل ذر الرماد على العيون ووضع المسيحيين تحت السيطرة وتوجيههم بالري موت كنترول الكوووردي القومي وخصوصا بعد تصاعد الأصوات الوطنية من العديد الشخصيات الدينية والأحزاب المسيحية التي ترفض هذا المشروع جملة وتفصيلا ولعلي هنا سأقول صراحة على الإخوة المسيحيين الانتباه أنه قد تكون هناك بعض الأطراف والشخصيات من المكون المسيحي قد تم إغراؤها بعقود سخية ووعود كاذبة حول طبيعة هذا المشروع الخبيث الذي لا ينفع العراق وشعبه سوى إضافة مزيد من الانقسام والتشرذم .
في ذكرى استشهاد الإمام الحسين ومولد السيد المسيح (سلام الله عليهم) وتصادف هاتين المناسبتين ورغم ابتعاد التسميتين والمفردتين (استشهاد وميلاد) عن بعضهما البعض كون الأولى ترمز إلى ذكرى أليمة ومأساة قتل سيد الشهداء في تراجيديا مؤلمة والثانية ترمز إلى ميلاد المسيح إلا أنهما يرمزان في الوقت نفسه إلى عمق المعاني الإنسانية في الوقوف بوجه الظلم وتحدي ومقارعة الطغيان وهما رسالتان عالميتان موجهتان للعالم بأسره لا تختص بأحد دون آخر و لنجعل هاتين الذكريين حمامتي سلام نطلق جناحيهما للانطلاق نحو السماء الصافية ونمد ألأيدي يعانق أحدنا ألآخر وننشر ثقافة المحبة والسلام والحوار في العراق والعالم كله كما هي روحا الحسين والمسيح اللتان التقيتا في السماوات العالية .
البريد ألإلكتروني: nelson_usa67@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق