نقولا ناصر
يتسارع الحراك الدبلوماسي من أجل استئناف التفاوض حول "مرجعيات" استئناف المفاوضات بين رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي مع بداية عام 2010، مما يوفر الحجة لكي يظل رئيس المنظمة محمود عباس في مناصبه، فلا "يستقيل" كما ألمح عندما أعلن رغبته بعدم إعادة ترشيح نفسه للرئاسة، ولكي يظل المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل في مهمته التي قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إنه كان يفكر في "الاستقالة" منها، ولكي يجد رئيسه باراك أوباما سببا ينفي عنه تهمة الفشل في تحريك "عملية السلام" في الشرق الأوسط"، ولكي يجد رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو الغطاء الدولي والعربي والفلسطيني الذي يوفر له حصانة كافية لمواصلة حصار قطاع غزة وتسريع الاستعمار الاستيطاني لتهويد الضفة الغربية بعامة والقدس بخاصة.
والخلاصة هي أن عام "2010 سوف يكون عام مفاوضات"، لكن "موسم المفاوضات" هذا سوف يكون مجرد "مشهد آخر في مسرح العبث"، لأنه "منذ مشروع روجرز الأول في كانون الأول / ديسمبر عام 1969 مرورا بمشروعي روجرز الثاني والثالث إلى الوقت الحاضر، فإنها كانت حكاية دبلوماسية عقيمة مخيفة بطريقة مرعبة، وحكاية رحلة إلى المجهول عمرها أربعون سنة"، كما كتب جدعون ليفي في هآرتس في اليوم الأخير من العام المنصرم، معبرا عن الموقف الفلسطيني والعربي أكثر مما كان يعبر عن موقف دولة الاحتلال ومستوطنيها الذين خرجوا من الصراع العربي – الإسرائيلي خلال العقود الأربعة الماضية من الزمن باعتراف عربي وفلسطيني بهم، وانتزعوا إجماعا عربيا "رسميا" على التخلي عن أي حق للعرب في فلسطين وخارجها في المقاومة، وإجماعا عربيا على التفاوض "فقط" ك"خيار استراتيجي" لحل الصراع"، وغطاء "شرعيا" دوليا وعربيا أتاح لهم أن يستظلوا به لكي يواصلوا تهويد الأجزاء التي لم يستطيعوا تهويدها بعد من فلسطين.
فميتشل يستعد لجولته السادسة في المنطقة بداية الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، ونتنياهو زار القاهرة بعد أن مهدت زيارة الوزير المصري عمر سليمان إلى تل أبيب لاجتماع القمة الذي عقده مؤخرا مع الرئيس حسني مبارك في العاصمة المصرية، وسليمان يستعد الآن مع زميله وزير الخارجية أحمد أبو الغيط لزيارة الولايات المتحدة للتنسيق مع ميتشل قبل جولته الجديدة، ومحمود عباس سوف يطلع على نتائج مباحثات نتنياهو ومبارك خلال زيارة للقاهرة تعقب زيارته للرياض حيث بحث مع العاهل العربي السعودي الملك عبد الله جهود المجتمع الدولي في مسار "عملية السلام"، بينما تستعد اللجنة الرباعية الدولية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة للاجتماع أوائل الشهر الحالي، لكي يسوغ هذا الحراك الدبلوماسي الدائر والمرتقب ما توقعه المتحدث باسم عباس، نبيل أبو ردينة، بأن المنطقة ستشهد خلال الأسبوعين المقبلين "تحركا سياسيا نشطا".
وبالرغم من نفي رئاسة المنظمة لتقديم "ورقة ضمانات" أميركية لاستئناف المفاوضات، فإن كل المصادر الأخرى تؤكد وجود ورقة كهذه، تم التوصل إليها نتيجة للتوصل إلى اتفاق أميركي – إسرائيلي على "مرجعيات" استئنافها خلال عام 2009 الذي شهد تراجع الإدارة الأميركية عن "المرجعية" التي أعلنها أوباما في بداية عهده (تجميد الاستيطان الكامل"، ومن هذه المصادر نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديموقراطية المؤتلفة مع عباس في إطار منظمة التحرير، الذي كشف في التاسع والعشرين من الشهر الماضي عن "جهود سرية" أميركية سيتم "تسويقها ... في إطار اجتماع مشترك بين وزراء خارجية اللجنة الرباعية الدولية وعدد من الدول العربية في يناير المقبل وفرض استئناف المفاوضات"!
وستكون نتيجة التفاوض المرتقب على الأرجح "حلا وسطا" بين شروط الرئاسة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات وبين شروط حكومة نتنياهو لاستئنافها. وطبقا لصحيفة الأخبار المصرية، سيحمل أبو الغيط معه في زيارته المرتقبة لواشنطن الشروط الفلسطينية التالية: 1) الاتفاق المسبق على المرجعيات، و 2) الاتفاق المسبق على الهدف النهائي للمفاوضات، و 3) والاتفاق على إطار زمني محدد للتفاوض، و 4) ووقف كامل للاستيطان "خلال المفاوضات". وطبقا لوزارة خارجية دولة الاحتلال، حددت حكومة نتنياهو شروطها في خمسة "مبادئ" أولها اعتراف فلسطيني ب"إسرائيل" كدولة قومية للشعب اليهودي، وثانيها حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في إطار دولة وطنية للشعب الفلسطيني، وثالثها وجوب أن يكون أي اتفاق للسلام يتم التوصل إليه "إنهاء كاملا للصراع"، ورابعها تجريد أي دولة فلسطينية في المستقبل من السلاح، وخامسها وجوب أن يقدم المجتمع الدولي "بقيادة الولايات المتحدة" ضمانات لترتيبات تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح وأمن إسرائيل.
ومن الواضح أن مهمة ميتشل في جولته الجديدة ستبني على "الحل الوسط" الذي انتهت إليه وزيرة خارجية بلاده هيلاري كلينتون خلال جولتها الماضية في المنطقة، في تجاهل كامل ل"خيبة الأمل" التي أعرب عباس عنها منها ومن إدارتها بعد جولتها تلك، والتي لخصتها كلينتون في "إنهاء الصراع" ب"التوفبق" بين هدف إقامة دولة فلسطينية "على أساس خطوط 1967 مع تبادل للأراضي" وبين هدف دولة "يهودية" تتوفر لها "متطلبات الأمن" التي تريدها.
ومن الواضح أن الشرط الأميركي – الإسرائيلي الأول والأخير غير المعلن في اتفاق الجانبين على "المرجعيات" كأساس للاستئناف المرتقب للمفاوضات هو استئنافها انطلاقا من الوضع الفلسطيني الراهن القائم على الانقسام، مما يعني تأجيل أي مصالحة فلسطينية إلى أجل غير مسمى، ويعني أيضا تعميق هذا الانقسام بتأجيج الاختلاف مجددا على استئناف المفاوضات على أساس المرجعيات نفسها التي قادت إليه في المقام الأول، ومن الواضح كذلك أن رئاسة المنظمة موافقة على ذلك ضمنا دون إعلان.
إن أي استئناف للمفاوضات في سياق هذه المرجعيات والشروط يوضح دون أي لبس أولا عودة رئاسة منظمة التحرير إلى الرهان على وعود الولايات المتحدة و"ضماناتها"، وثانيا ارتهان التفاوض مجددا لاحتكار الرعاية الأميركية له، مما يحول دعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مؤخرا إلى دور "أقل" في هذه العملية إلى مجرد "أمنية"، ويمهد ثالثا لجولة ساخنة جديدة من تسعير الانقسام الوطني الفلسطيني، ويهدد رابعا بخلق بيئة مواتية لتجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويؤكد خامسا أن المفاوض الفلسطيني لا يعتبر من تجاربه وبأنه على استعداد لكي يلدغ من الجحر الأميركي مرات ومرات وليس مرتين فقط، لكن استئناف هذه المفاوضات قبل كل ذلك يدشن فصلا جديدا من مسرحية العبث "الفلسطيني" المتواصل بالقضية الفلسطينية وبشعبها.
* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق