د. اميل قسطندي خوري
ادت بعض العوامل الطبيعية مثل الجفاف والحر الشديدين اللذين أصابا مناطق معينة من استراليا ذات اهمية استراتيجية في مجال الزراعة كحوض نهري موريه- دارلينج الواقع على اراضي مشتركة من مقاطعات فيكتوريا وجنوب ويلز الجديدة وجنوب استراليا, الى فساد بعض المحاصيل الزراعية نجم عنه نقص شديد في معروض بعض المواد الغذائية الرئيسية كالارز والقمح ، مما ادى الى تحليق أسعارها في الأسواق التجارية والبورصات العالمية. وعلى صعيد اخر، فان قيام بعض الدول كالبرازيل والولايات المتحدة الاميركية وبعض دول جنوب شرق اسيا بتصنيع الوقود الحيوي من النباتات (كالذرة وفول الصويا وزيت النخيل وقصب السكر) كمصادر محتملة للطاقة قد ساهم ايضا مساهمة كبيرة في نقص كميات المحاصيل الزراعية التي يتم انتاجها لاغراض الاستهلاك الغذائي.وتجدر الاشارة هنا الى ان بعض دول العالم قد بدات تولي النباتات والكائنات الحية اهتماما كبيرا وتنظر اليها على انها مصادر نظيفة ورخيصة للطاقة الامر الذي يمنحها ميزة او خاصية استراتيجية لا تتمثل فقط في تغطية الكثير من احتياجات ومتطلبات الطاقة العالمية بل تتمثل ايضا في قدرتها على الحفاظ على سلامة البيئة وبالتالي انقاذها من مشاكل بيئية عسيرة كمسالة الاحتباس الحراري والثقب المتواجد في طبقة الاوزون وتلوث الهواء والماء قبل استفحالها بشكل غير مقبول قد يصعب معه التوصل الى حلول ممكنة وواقعية.
وانا شخصيا ومن خلال هذه البانوراما المقالية، ليس كباحث وخبير اقتصادي اتكلم فحسب بل ايضا كمتفحص لمجريات الاحداث العالمية اقول ان عصر الطاقة المتجددة او الواعدة سواء كانت شمسية او نووية او هيدروجينية او كهربائية (من المعروف علميا انه بالامكان توليد طاقة كهربائية عن طريق التفاعل الكيميائي بين غاز الهيدروجين وغاز الأوكسجين) او مصدرها الرياح, قد بدا يلوح في الافق. وقد يشهد العالم من الان فصاعدا موجات اخرى من الغلاء العالمي وتغييرات جذرية وشاملة في مجالات كثيرة كالصناعة والتجارة والزراعة والانشاءات والعقارات ...الخ ، اذ ان العديد من الصناعات المستقبلية ايا كان شكلها او نوعها سوف يعتمد بصورة او باخرى على التكنولوجيا الجديدة القادمة والتي ستكون مصممة ومطورة ومحدثة بشكل يتوافق وينسجم مع مثل هذا النوع من الطاقة البديلة والمتابع لموجات الانتاج الابتكاري والتصنيع الريادي في مجال صناعة السيارات مثلا يعلم تمام العلم ان هناك شركات كبرى (كشركة هوندا اليابانية وجنرال موتورز الاميركية) قد بداتا بالفعل بتصنيع نماذج اولية من السيارات التي تعمل على الطاقة الكهربائية والهيروجينية وذلك في محاولة جادة منهما للحفاظ على سلامة البيئة.
انا شديد الميل الى الاعتقاد بان القرن الواحد والعشرين سوف يكون باذن الله تعالى عهد الطاقة النظيفة التي لا يصدر عنها اية انبعاثات مضرة بالبيئة. وانني عبر هذه النافذة الصغيرة اضم صوتي المتواضع وارفعه عاليا الى اصوات الكثيرين في جميع انحاء العالم قائلا انه قد حان الوقت للوقوف وقفة صريحة وحازمة وصادقة مع النفس للتصدي لشبح التغيرات البيئية المتعاظمة والذي لا قدر الله قد ياتي على الاخضر واليابس، ان وقفنا طبعا صامتين وغير مكترثين حيال هذا الامر الذي لا تحمد عقباه وتبنينا ازاؤه موقفا سلبيا من التحفظ والتكتم وكان هذه القضية المؤرقة من مناسي الماضي او ليس لنا بها صلة لا من قريب ولا من بعيد. ويجب ان لا ننسى ان هذه المسالة شديدة الحساسية قد اصبحت تشكل هاجسا وقلقا كبيرين للكثير من دول وزعماء وسكان قريتنا الصغيرة، وانه لا بد من التعامل الموضوعي معها بجدية تامة وشفافية مطلقة وذلك من خلال العمل على صياغة السياسات الحصيفة واستحداث الاليات الممكنة ووضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة وتوفير الوسائل والامكانات اللازمة لمعالجة موضوع امن الطاقة على وجه السرعة، والاسراع في اتخاذ الاجراءات الكفيلة (الان وليس غدا، على راي السيدة فيروز) بمكافحة ظواهر التغيرات المناخية قبل فوات الاوان، من اجل حماية سكان المعمورة من شر هذه المصائب الكونية المحتملة والمتمثلة في انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن الاتساع المتنامي لفتحة الاوزون والذي قد بلغ درجة مقلقة للغاية. وعلى اية حال، فانه مهما ستكون مظاهر المستقبل او ملامح المجهول من طاقة واعدة او تكنولوجيا حديثة او صناعات جديدة او ابتكارات انسانية محتملة، فان مشيئة المولى تعالى سوف تظل دائما وابدا كما هي منذ الازل والى الازل فوق كل شيء وقدرته تفوق جميع الانجازات والابداعات والاختراعات البشرية مهما عظمت وعلا شانها، فهو الذي "علم الانسان ما لم يعلم" بيده كل شيء وهو المدبر الاعلى لكل صغيرة وكبيرة "وكل صغير وكبير مستطر" اليه المصير ونعم المصير.
________________
د. اميل قسطندي خوري
dekh@myway.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق