عبـد الكـريم عليـــان
قبل سنة تقريبا حضرت لقاء مع السيد جون كنج مدير عمليات وكالة الغوث الدولية بغزة، وضم اللقاء عددا من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالعملية التعليمية، حيث استعرض السيد جون نتائج التقييم التي أجراها في كافة مدارس الوكالة للصفوف من الرابع وحتى التاسع، ودار نقاش مستفيض حول مواطن الضعف والقوة التي أظهرتها نتائج الامتحانات، وكذلك تحدث السيد جون عن الخطط والبرامج التي تنوي الوكالة عملها لتقويم العملية التعليمية.. وكان من بين هذه الخطط التنسيق مع أساتذة التربية في الجامعة الإسلامية والجامعات المحلية لعمل الدراسات حول المشكلات التربوية والوقوف على الحلول التي يمكنها أن تخفف، أو تحد من هذه المشكلات.. وأذكر أن أحد الحاضرين اعترض على اقتراح السيد جون في هذا الأمر، وقال مخاطبه: لا تعول كثيرا على هؤلاء؛ فهم سبب رئيسي في المشكلة إذ تخرج على أيديهم آلافا من المدرسين الذين يعمل عدد كبير منهم الآن في مدارس وكالة الغوث بغزة.. الآن اتضحت الصورة تماما من خلال نتائج الانتخابات التي تمت في لجان العاملين بالوكالة حيث فازت عناصر حماس أو مؤيديها في لجنة العاملين الخاصة بالمعلمين، ولسنا هنا في معرض الحديث عن النتائج السياسية لتلك الانتخابات بقدر ما يعنينا من انعكاس ذلك على أبنائنا ومستقبل شخصياتهم ومستوياتهم العلمية، وهذا ما أدركه الكاتب الذي اعترض على اقتراح السيد جون قبل أكثر من سنة..
ليس لدينا بيانات عن عدد المعلمين الذين يعملون في مدارس وكالة الغوث، لكن من الواضح أن لخريجي الجامعة الإسلامية حصة الأسد من هؤلاء وهذا لا يعني أن الآخرين من خريجي جامعات غزة هم أفضل من هؤلاء وأحسن تأهيلا منهم، لكن المؤسف حقا هو: في درجة الأدلجة السياسية والفكرية لخريجي الجامعة الإسلامية من جهة، ومن أخرى أثر المقررات الجامعية في تأهيل هؤلاء المعلمين وانعكاس كل ذلك على شخصية أبنائنا ومستوى تحصيلهم العلمي والفكري.. هذا يقودنا إلى أسئلة كبيرة وخطيرة عن دور هذه الجامعة وقدرتها على إنتاج المعلم المؤهل فكريا وتربويا ووطنيا بما يخدم المصلحة العليا للوطن والشعب بعيدا عن التحزب السياسي خاصة في مدارسنا، وجامعاتنا أيضا.. وإذا كان التوجه العالمي حديثا لا يسمح بترخيص أحزابا سياسية ذات توجه ديني؛ فكيف نسمح لجامعة تهدف إلى أدلجة مجتمع بأكمله بفكر متحجر يقمع العقل من التفكير، ويقتل ملكات الإنسان من الانطلاق نحو الإبداع والتطور.. بالطبع سوف ينتقدني الكثير ممن يجهلون مقررات التربية في هذه الجامعة والمقدمة للطلبة الذين يقودون المجتمع، وعلى الأخص المعلمين الذين يعملون على تربية أبنائنا، من هنا نوجه الدعوة للمهتمين والمختصين للقيام بتفحص هذه المقررات، وكذلك ندعو كل الجهات الرسمية التي تصادق على الشهادات التي تمنحها هذه الجامعة لخريجيها بتجميد هذا التصديق لحين تغيير هذه الجامعة لخططها وإعادة تأهيل خريجيها، وحتى لا يتهمنا أحد بالتجني فلمحة بسيطة وسريعة على مقررات كليات التربية سوف تكتشفون ضمن هذه المقررات مساقات علمية، مثل: مناهج البحث العلمي، والقياس والتقويم، وتكنولوجيا التعليم، والحاسوب.. أن هذه المساقات لا يمكن تعليمها أو فهمها بدون متطلب سابق، هو : الإحصاء، ويجب أن ينجح فيه المتعلم وبتفوق حتى يستطيع التعامل مع تلك المساقات وفهمها.. إلا أن خطط الجامعة ومقرراتها لا تتضمن هذا المساق، وكذلك إذا تسنى لك الاطلاع على مساق البحث العلمي فإنه لا يقدم للطالب سوى تعريفات محدودة جدا يمكن تدريسها لطلبة المرحلة الإعدادية أو الثانوية، وكذلك لا تعرف كليات التربية أي شيء عن علم النفس التطوري.. من هنا لا يمكننا إلا أن نستنتج وبشكل لا غموض فيه أن هذه الجامعة تعمدت بشكل واضح حذف هذه المقررات (العلمية) لأن الأولي تعمل على تنمية العقل وتزيد من درجة الشك لديه وهي اللحظة المهمة، أو كما يسمونها اللحظة الحرجة للوعي والإدراك للشخصية الإنسانية التي تدفعه إلى التقدم والتطور.. وبالنسبة لعلم النفس التطوري الذي يعتمد بدرجة أساسية على (الداروينية) التي لا تعترف بها عقلية الجامعة الإسلامية وفكرها، مثلما منعت علوم وفلسفة ابن رشد وابن خلدون من الدخول إليها، وكما هو معروف أن علوم وفلسفة هذين العالمين كانت عاملا رئيسيا في نهضة أوربا فيما بعد العصور الوسطى... كيف إذن نعتمد على جامعة لا تعترف بعلوم أساسية كانت السبب في تطور البشرية..؟
طبعا كل ذلك له بالغ الأثر على شخصية المعلم وثقافته التي تحدد سلوكه وتعامله مع الطلبة ومع المنهاج المقرر ومع محيطه في المجتمع أيضا، من هنا يمكننا ملاحظة تصرف وسلوك هؤلاء المعلمون في أثناء عملهم داخل الصفوف؛ فلا يوجد معلم من هؤلاء أيا كان تخصصه وحصته لا يشرح درسه بعيدا عن السياسة والخطاب الديني الذي تأسس عليهما في الجامعة الإسلامية.. ولا يكتفون بذلك، فراح بعضهم يدعو طلاب صفه للقائهم في المسجد أيضا، وبالطبع لا يمكننا هنا تناول تفاصيل كثيرة دقيقة والتي يقرر فيها هذا المعلم من الحرام والحلال، ومنع الطلبة من تناول الفن والأغاني والموسيقى التي من المفترض أن تدرس في الصف وبشكل أساسي مثل باقي العلوم، وأيضا تدخله في المأكل والملبس وحلق الشعر.. إضافة لذلك تركيزه على طريقة التلقين والحفظ وابتعاده بشكل مقصود عن تعليم مهارات الفهم والتحليل والتركيب والاستنتاج.. ولا يفوتنا هنا استخدام العقاب البدني والتوبيخ بشكل يؤكد عجز المعلم عن استخدامه لوسائل تربوية كثيرة حتى ينتج لنا شخصية عاجزة متكلة على الآخرين تؤدي الطاعة والولاء لأمراء المجتمع الذي يريدون..؟!
والسؤال الأهم والخطير أيضا موجه لوكالة الغوث الدولية التي تشرف على تنشئة أبنائنا في مراحلهم الأولى، وهو: كيف سمحت هذه المؤسسة بتوظيف معلمين كثر تخرجوا من هذه الجامعة وهم يحملون هذا الفكر وهذا النهج ليقوموا بالدور المنوط بهم؟ وأعتقد أن جلهم لا يعرفون، ولا يدركون هذا القصد؟ ولا نعتقد أن القائمين على المؤسسة قد غفلوا عن هذا القصد بقدر ما كان هناك جهات سياسية تدرك مدى أهمية ذلك على قضيتنا وعلى مجتمعنا في نفس الوقت..!
عضو صالون القلم الفلسطيني
Elkarim76@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق