سعيد علم الدين
كم استبشرنا خيرا بأخبار الثورة العربية وأخواتها وفرحنا، وانشرحت صدورنا لرؤية النياشين على الصدور وابتهجنا، ونمنا قريري العين وبالنصر المكتوب على الجبين حلمنا، وانتشينا على وقع الأغاني الحماسية " وطني حبيبي الوطن الاكبر" و "ناصر يا حرية ..." طربا، وحتى الثمالة طربنا، وغنينا وصفقنا ورقصنا وهزجنا وهتفنا وتظاهرنا وتهجمنا على ملوك العرب المتخلفين الرجعيين المنهزمين المتأمركين المتصهينين وما خلينا عنهم وما تركنا، وعاهدنا وصرخنا حتى بحت حناجرنا في الخمسينيات والستينيات تأييداً لعساكر العرب الأشاوس عندما انقلبت على ملوكها الأوادم فقلبتها عن عروشها بالضربة القاضية أو الفانية محَوِّلةً دولَها المستقلة توا؛ الفتية النامية المقبلة على حداثة الحياة، المتبرعة ديمقراطيا من خلال التعددية الحزبية التي كانت سائدة بشكل لافت للنظر في دول كمصر والعراق وسوريا والسودان وليبيا وغيرها؛ الى جمهوريات ثورية عسكرية تَدَّعِي التقدمية واليسارية في مواجهة الاستعمار والصهيونية والامبريالية العالمية وبشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية.
ويا للسخرية!
فمنهم من حول جمهوريته الفتية الى حلبة صراع على السلطة في مسلسلات دموية من الانقلابات التآمرية، بانقلاب المنقلبين على المنقلبين في فذلكات تصحيحية بلطجية لبُّها قبلية عشارية انتهازية ووراثية كما ظهر جليا لاحقا.
ومنهم من حولها بقفزة غوغائية بهلوانية وليست فكرية من جمهورية الى جماهيرية بمطولات اسمية. اين منها البحر الطويل!
وكأن الألقابَ تصنع رؤساءً والأسماءَ دولاً!
أي ان الشعوب العربية المقهورة انتقلت بسلامتها او بخداعها في حالة عاطفية غيبية حماسية ملؤها البهجة والتحرر اللفظي والنرجسية من تحت الدفة إلى تحت المزراب. أي من نير الاستعمار والقهر الغربي إلى نير أنظمة الدكتاتورية والمخابرات والاستبداد والقمع العربي.
والجميع وهذا الأهم تعهدوا بتحرير فلسطين من رجس الصهاينة الغاصبين على خطى صلاح الدين من البحر الى النهر ومن الخالصة الى رفح، وبالفتر قبل الشبر وبالسنتمتر قبل المتر .
وكم صعقنا وصدمنا وانخدعنا وتألمنا واحترنا وتعبنا من كثرة التفكير ونحن نرى جنرالات العرب الميامين أبطال النياشين وهم يُضَيِّعون بلمحات البصر كل فلسطين وفوقها سيناء والجولان الحزين.
ويضيعون ايضا استقلال دول عربية كبرى كالعراق والصومال والسودان، ولبنان ما زال على كف العفاريت، والحبل على الجرار!
وفي المقابل نرى رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم أوباما وهو ينحني انحناءة لافتة أمام الكاميرات والأنظار للعاهل السعودي الملك عبد الله في الوقت الذي عامل به ملكة بريطانيا العظمى ودول الكومنولث بطريقة عادية. هذه الانحناءة لم تكن عادية ولهذا ضجت بتحليلها الصحافة والإعلام الغربي وتعرض اوباما بسببها الى انتقادات لاذعة من اليمين الأمريكي وبالأخص الجمهوريين. ولقد فسرت هذه الإنحناءة تفاسير شتى لا نريد التطرق إليها.
وما نعتقده أن هذه الانحناءة اللافتة من الرئيس اوباما مقصودة وليست بريئة وعفوية.
وهي انحناءة سياسية الأهداف بالدرجة الأولى وتظهر سياسة إدارته الجديدة نحو العالم العربي والاسلامي والتي عبر عنها في اكثر من خطاب ومناسبة ومنذ اللحظة الاولى لتسلمه الحكم باستقباله محطة العربية كأول محطة تلفزيونية يستقبلها في البيت الأبيض.
هو اراد من هذه الانحناءة التي أظهرتها كل وسائل الإعلام تغيير نظرة شعوب العالم العربي والاسلامي الى أمريكا كدولة صديقة قريبة متواضعة غير متكبرة من خلال تواضع رئيسها للملك العربي وخادم الحرمين الشريفين.
ومن هنا نستطيع القول أن هذه الانحناءة هي احترام أيضا لمحور الاعتدال العربي وصفعة قوية لنظام الملالي في إيران الذي ما فتئ ومنذ استلامه للسلطة في ايران يردد على مسامع الشعوب العربية والاسلامية مقولة الاستكبار العالمي ويقصد به الشيطان الأكبر امريكا.
اوباما هنا يقول لشعوب العالم العربي والاسلامي:
نحن لسنا متكبرين ولسنا متعجرفين ولسنا شياطين ولسنا استعماريين وما تتهمنا به ايران هو كلام فارغ كاذب وما اقوم به تجاه ملككم عبد الله هو اكبر اثبات على تواضعنا وقمة الاحترام التي تكنها امريكا لكم وللمعتدلين من حكامكم.
وكان اوباما قد ثمن ايضا مبادرة الملك عبد الله لحل مشكلة الشرق الأوسط وأكد للملك العربي دعمه لها.
ان المحترمين يفرضون احترامهم على الآخرين.
كما يفرض ملوك العرب المعتدلين احترامهم على العالم.
وان الكذابين سينكشف كذبهم ولو بعد حين.
كما انكشفت أكاذيب ثورة ولاية الفقيه كخنجر مسموم في الظهر العربي. ظهرت سمومه في لبنان واليمن والعراق والبحرين والخليج العربي ... ووصلت حتى المملكة المغربية.
وهكذا مرت السنين ووجدنا انفسنا بسبب جمهوريات الانقلابيين من بني عرب نقف امام العالم صفر اليدين وبخفي حنين:
- فلا تقدم الى الامام ولا تقدمية، بل تخلف وتراجع الى الوراء ورجعية.
- ولا تحرر ولا حرية فكرية او سياسية، بل انظمة غير محترمة من العالم ومنبوذبة في اكثر الأحيان. كيف لا وهي انظمة فاسدة وراثية شمولية استبدادية دكتاتورية بأدوات مخابراتية قمعية واحتقار للإنسان والقيم الانسانية.
- ولا مساواة ولا اشتراكية ولا دولة عدالة وقانون، بل فقر واستعباد وبطالة وهجرة وفوضى مادية استغلالية لبطانة النظام الحاكم فوق القانون، لا علاقة لها بالاشتراكية الاجتماعية او الليبرالية او حتى الرأسمالية القانونية.
فعندما يخضع رأس المال للقانون وآليات المحاسبة الديمقراطية فإنه يساهم في خدمة الإنسان والدولة والمجتمع، اما عندما "وكما هو الحال في الدول العربية" يكون رأس المال فوق القانون وبغياب أي آلية للمحاسبة فعندها يساهم فقط في خدمة الأفراد اصحاب الملايين، واستغلال المجتمع على ابشع ما يكون، بحماية من رأس النظام الحاكم. ويستشري بالتالي الفساد، حيث يصبح النظام من رأسه الى قاعدته فاسدا.
- ولا وحدة عربية بل تمزق وتشرذم وتآمر على الاشقاء، ولا حتى فتر من فلسطين تحرر، بل وما زالت الجولان في القبضة الإسرائيلية، ولا فادتنا الحركات التصحيحية الانقلابية بشيء بل استبدت بنا وتحولت قادتها الى عصابات من القتلة والمجرمين، منهم من هو ملاحق بمذكرة توقيف دولية، ومنهم من سيلاحق لاحقا بتهمة ارتكاب اغتيالات بشعة ارهابية، ولا حتى تغيير اسم الجمهورية الى جماهيرية وملحقاتها من المفردات الشعبوية ساهم في بناء دولة الجماهير والمؤسسات وعودة العساكر مع المخابرات الى الثكنات .
وفي الجانب الاخر تألقت اسرائيل في كل الميادين ومن دون رفع شعارات والقيام بانقلابات واستطات ان تشكل قوة عسكرية وسياسية واجتماعية وعلمية ضاربة تقارع بها الدول العظمى والاهم من كل ذلك بنت خلال الستين سنة الاخيرة دولة مؤسسات بديمقراطية حية نابضة ثابتة، المواطن فيها له الكلمة الفصل وبصوته الحر يعيد الحكام الى بيوتهم وتخشاه قادتها العسكريين قبل السياسيين وينقادون لقراره.
وهذا هو السبب الأساسي في سر بقاء اسرائيل دولة قوية متماسكة رغم انهماكها بحروب لا تنتهي.
وهكذا ردا على المحور الايراني السوري بتهديدات نجاد المتكررة بإزالة اسرائيل، وردا على تهديدات نصر الله بالحرب المفتوحة عليها وبانتصاراته الإلهية، وبحرب تموز التي افتعلها، وردا على بطولات حماس الصاروخية وافتعالها لحرب غزة، ردا على عنتريات هؤلاء الفارغة، رد الناخب الاسرائيلي في صناديق الاقتراع برفضه لفكرة الدولتين وجلبه لصقور التركيبة الاسرائيلية نتنياهو وليبرمان لتحقيق ذلك.
ومن ناحية اخرى كانت ليبيا العزيزة الغنية بخيراتها وتاريخها واصالة شعبها وعمر مختارها يحكمها بعد الاستقلال ملك سنوسي محترم ذو أصل وفصل واخلاق وادب وعلم وشيم تتبرعم على يديه ليبيا بهدوء ديمقراطيا وتنمو في طريق التطور الحثيث، فتسلط عليها في ليلة ظلماء وبانقلاب عسكري ضابط متآمر مشاغب صغير دكتاتوري ظالم محكوم بجنون العظمة وقلة الأدب وظهر في أكثر من مناسبة بأنه اكبر مهرج سياسي في تاريخ الأمم.
ولقد عبر عن جنونه في عشرات المحطات منذ ان اصبح بين ليلة وضاها بطل العرب الغير منازع في خطف الأضواء. وبتصرفات لا تليق الا بالصبية الصغار. ولا عجب أن يأخذه جنون عظمته الى اعتبار نفسه ملك الملوك. وهو الذي دفعه عبادته لكرسي الحكم وحبه لجنون عظمته لكي يسلم غير أبه بكرامةٍ وأصالةٍ أسلحتَهُ التي كلفت شعبه الملياردات من الدولارات إلى أعدائه بالمجان. وبس اريحوني منها، لأجلس براحة على الكرسي !
الاثنين، أبريل 06، 2009
لماذا انحناءة اوباما صفعة لملالي إيران؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق