سعيد علم الدين
متى نستيقظ من هذا الكابوس الذي اضحى لنا مصيبة العصر بعد ان اعمى البصيرة والبصر وعطل الرؤوس عن البحث والنقد والتفكير وحول الانسان المسلم المؤمن الى اداة طيعة بيد مشايخ الأمية الفكرية والصنمية العقائدية وقصر النظر والارهاب الدموي والتكفير؟
متى سيتم اخراس مشايخ آخر زمان الذين تحولت الفتوى بايديهم الى مهزلة من مهازل هذا الزمان:
فشيخ يفتي بقتل ميكي ماوس الجبار، واخر يفتي بلا احساس بارضاع زميل العمل من ثدي المرأة يا للعار. ويأتي اليوم الشيخ السعودي المغوار عبدالرحمن البراك ليفتي بجواز تكفير وقتل من يبيح الاختلاط.
وعلى موقعه الالكتروني الملطوش تقنيا من منجزات روح العصر يمهد لفتواه الإرهابية بالقول:
"فإن الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم ـ وهو المنشود للعصرانيين ـ حرامٌ؛ لأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام" .... الخ والى آخر معزوفة الحلرمات التي تحول الحياة من زهرة يشم الانسان عبيرها الفواح الى اشوك تنغص عليه حياته طيلة اليوم وتلاحقه في حله وترحاله فلا يرتاح. ويتابع الشيخ:
"والباعث للعصرانيين الداعين إلى هذا الاختلاط أمران:
الأول: النزعة إلى حياة الغرب الكافر، فعقولهم مستغرِبة، ويريدون تغريب الأمة؛ بل يريدون فرض هذا التغريب.
الثاني: اتباع الشهوات، قال تعالى: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا))
ويتابع باجتهاد:
"ومن استحل هذا الاختلاط ـ وإن أدى إلى هذه المحرمات ـ فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله"
نقاط كثيرة لا بد من التطرق اليها تستوقفنا عند فتوى البراك:
اولا، حقدة الأعمى على الانسان واستباحة دمه. وكأن قتل الانسان عند مشايخ اخر زمان كشربة الماء. اهلا وسهلا بشيوخ الفتنة والإرهاب وابناء الكهوف والمغاور والسراديب!
على هذا المتخلف وامثاله ان يعرفوا بأن روح الإنسان هي قدس الأقداس، واغلى شيء في الحياة، وهي ليست لعبة في أيدي ذوي العقل المتحجر أعداء الإسلام المعتدل السوي ليزجوها بفتواهم المتطرفة في الهلاك. إن الدين الإسلامى الصحيح هو دين يسر و ليس عسر ولا يمكن ان يحارِبَ روح العصر.
ومن يحاول كسر روح العصر فسينكسر وفي نهاية الامر يندثر!
ثانيا، في الوقت الذي يتهم به العصرانيين أي ابناء العصر المفلحين المستنيرين، نراه يغطس هو في روح العصر حتى بنات اذنية من الكمبيوتر الى السيارة الى الطيارة الى الكهرباء. واذا كان الشيخ الكريم صادقا ومنسجما مع نفسه وعقيدته فعليه ان يرفض الكهرباء التي اخترعها الغرب الكافر وعليه ان يكتب فتواه على ضوء الزيت ويرسلها على طريقة اهل السلف على الجمال والبعير وليس بالانترنت السريع الذي ابتكره للبشرية الغرب الكافر.
هو هنا والكثير من امثاله يتناقضون مع انفسهم ودينهم واسلامهم. خاصة عندما يضعون رجل في العصر الحديث وابتكاراته وحداثته ورجل اخرى في الماضي البعيد وترهلاته وتراثاته. فيضيعون ويضيع معهم المجتمع الذي يتخبط بين الحداثة والجديد وبين الوهم باعادة الماضي المجيد! فالماضي لن يعود وقد مضى وانتهى كما مضت وانتهت عاد وثمود.
الصادق مع نفسه صادق بكل شيء وليس نصف نصف. يلطش من منجزات الغرب الكافر ما يشاء ويتكبش حتى الهلاك بافكار وعقائد بالية اكل عليها الدهر حتى التخمة وشرب الكثير من الماء.
ولماذا لا تحارب الحركات الاسلامية المتطرفة اذا كانت صادقة مع مبادئها والاقتداء بالمجاهدين ورجال الصحابة بالسيف بدل البندقية؟
ثالثا، من يريد تطوير الامة والشعوب الاسلامية لتاخذ دورها الريادي في العالم عيب ان يتهمه شيوخ مدينة الظلام بالكفر والتغريب.
على العكس ان هذا الشيخ وامثاله هم من يساهموا في تغريب الامة وتخلفها وتقهقرها واظلام مجتمعاتها وتمسكها بالقشور من الامور كمنع الاختلاط الصحي والحضاري والإنساني والمطلوب والمعمول به في كل العالم المتطور والمنتج بين الجنسين وفتح الشبابيك والابواب ليدخل الهواء الطلق الى المجتمع وينقي الرئتين.
ولو ان الاختلاط محرم دينيا فلماذا في الحج مسموح؟
هذه الفتوى وامثالها تضر بمصالح الناس، فماذا لو فُرض العمل على ام لاعالة اطفالها بعد موت زوجها. الا تسبب لها هذه الفتوى الفقر والفاقة ولاطفالها الجوع والجهل؟
وماذا حققت هذه الفتاوي المشيخية الفاشلة لمجتمعاتنا؟
لا شيء! فالفضيلة الى جانب الرذيلة، والعفة الى جانب الخفة، سيظلان موجودان رغم الفتاوي ما دام هناك مجتمعات بشرية.
وهكذا بين فترة واخرى ودون افادة تشتعل حرب الفتاوي بين مشايخ القوم الكبار منهم قبل الصغار، والرضع قبل الاطفال، والثمن الغالي تدفعه المجتمعات العربية والاسلامية السائرة بسببهم في الطريق الحتمي الى الانهيار الخلقي والمعرفي والانساني وحتى الى الزوال اذا سارت مطيعة لهم على هذا المنوال، ولن يبقى عندئذ للمسلم الذي يريد ان يعيش بكرامة وراحة بال الا الهجرة والعيش في بلاد الكفار، حتى ان شيخ الازهر محمد عبده قبل اكثر من مئة عام اختلط عليه الامر عندما قال انه رأى في اوروبا اسلام ولم ير فيها مسلمين. هذا دليل اخر على قصر نظر الشيخ عبده الذي لم يستطع استيعاب الحضارة الغربية المستنيرة المتحفزة النشطة المتقدمة فراى من خلال حداثتها وديمقراطيتها نور الاسلام يشع. وفي الحقيقة انه لم يكن هناك اسلام ولا تطبيق شريعة ولا مسلمون، ولكن كان هناك خروج اوروبا من نير الكنيسة بقرونها الوسطى وانطلاق المجتمعات والدول الاوروبية على طريق العلمانية والحداثة والحرية والعلم والفلسفة ونقد الفكر الديني المترهل وصولا الى روح العصر الحديث الذي نتنعم نحن اليوم والشيخ البراك بمنجزاته واختراعاته وكلها تاتينا "يا دلي ويا تعتيري ويا لهوتي" من الغرب الكافر.
هم الخلاقون ونحن المستهلكون وكله في حب الجني ميمون والمارد بدعون يهون!
واذا نحن لم نخرج من نير واستبداد مشايخ الجهل الغارقين في الوحل، ونبدأ بنقد الفكر الديني المترهل والمتراكم والمعرقل لطريقنا فلن نستطيع الخروج من مستنقع الجهل والدخول نهائيا في روح العصر الحديث وانتصار الحرية والعقل.
وتسخر منا بقية الامم السائرة بانسجام مع روح العصر من اشتغالنا العميق بسوق الفتاوى كوسا على حلاوي الى هذا الحد وكانها قوانين من يخالفها يقوم عليه الحد الى حد التكفير والعقاب بالقتل. وكأن الانسان في نظر مشايخ الجهل هو عبارة عن ذبابة او حشرة قمل.
والفتاوى كلها تترجم الى لغات العالم يا للفضيحة!
مشايخ الجهل يأخذوا من ماديات روح العصر ومنتجاته ما يحلوا لهم ويحرموا على الآخرين ما لا يحلوا لهم او ما يرونه حراما!
دين الاسلام المعتدل بأيديهم اسيرا بدل ان يكون سراجا للبشرية منيرا.
حيث تحول بقوة فتاوي هؤلاء الى سيف لقطع رؤوس من يخالفهم الرأي.
وما أكثر المشايخ الظلاميين الجهلاء، المنتشرين في طول البلاد الاسلامية وعرضها كالوباء، يعيشون رغد العصر وما يخترعه العلماء الكفار ويبشرون بالعودة الحتمية الى قرون الوراء، وينشرون جهلهم في البيوت والحوانيت والحانات والازقة والزواريب وفي كل الأنحاء عبر الاعلام والانترنيت والاذاعات والفضائيات دون مشقة وعناء، وكأن ما يتفوهون به من كلام رنان هو بلسم الحياة ونور البهاء.
هؤلاء أصحاب فتاوي المساء ومدينة الظلام بلا كهرباء، التي لم تنبت من الارض مع الاعشاب ولم تهبط من السماء على اجنحة السحاب وانما خرجت من عقولهم المتخلفة وزرعوها في بيئة خصبة ساهمت في بعث حركات الاجرام والانتحار والتطرف ورفض الاخر وسفك الدماء والارهاب.
هؤلاء الذين يريدون بجهلهم المنقطع النظير الى آخر حدود الغباء للعرب التقهقر المستمر، والتخلف المزري، والضمور الفكري والثقافي والوجودي الى حد الفناء، لاعتقادهم الأرعن بأنهم يملكون الحقيقة كاملة من طقطق الحياة الدنيا ..... الى السلام عليكم في الآخرة،
هم لا يملكون في حقيقة الأمر الا الهراء الهراء الهراء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق