الثلاثاء، مارس 02، 2010

عزام الأحمد والغيرة على القانون

د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني
ليست هذه هي المرة الأولى التي يطلع علينا فيها عزام الأحمد بتصريحاتٍ غريبة، ومواقف غير مفهومة، إذ عودنا دائماً على مثل هذه التصريحات العجيبة، التي يحلو له أن يطلقها في أسوأ الظروف التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وفي أوقاتٍ يسعى فيها الفلسطينيون نحو الوحدة والاتفاق، لمواجهة التحديات والصعاب التي تواجه شعبنا وقضيتنا، ويحار الفلسطينيون في فهم هذه التصريحات، ومعرفة كنهها ومدلولاتها ومغزاها، ومن المستفيد منها، ولماذا تصدر دوماً في الأوقات الحرجة، وهل تصدر عن عزام الأحمد شخصياً، بمعنى أنها تعكس آراءه ومواقفه الشخصية، أم أنها تعبر عن موقف كتلة حركة فتح البرلمانية، بحكم أنه رئيس كتلتها البرلمانية، أم أنها تعبر عن موقف رئيس السلطة الفلسطينية، خاصةً أن تصريحاته تكثر دوماً في المنعطفات الصعبة، وفي ظل المراحل الخطرة، وقبيل بدء الحوار الوطني الفلسطيني، أو في ظل التهيؤ لمواجهة تحديات الاحتلال الإسرائيلي، وهي تصريحات توتيرية تحريضية، تزيد في احتقان الشارع الفلسطيني، وتؤسس لعداواتٍ وخصوماتٍ جديدة.
أليس من حقنا أن نتساءل لماذا غضب الأحمد وثار عندما علم بدعوة الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، لعقد جلسة خاصة لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بشقيه في الضفة الغربية وقطاع غزة، لمناقشة تداعيات القرارات الإسرائيلية الأخيرة، القاضية باعتبار الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، ومسجد بلال في بيت لحم مناطق أثرية يهودية، أما كان من الأجدر به أن يثور ضد إسرائيل، وضد حكومتها اليمينية المتطرفة، أو أن يثور ضد الداعين إلى التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، والداعين إلى التسليم بالإجراءات الإسرائيلية، والذين يبدون استعداداً واضحاً للتنازل عن كثيرٍ من الحقوق الفلسطينية لصالح العدو الإسرائيلي، بينما يتصلبون في مواجهة إخوانهم وشركاءهم في القضية والوطن، ألم يكن أنسب للأحمد أن يثور ضد الممارسات الأمنية القاسية التي تمارسها أجهزة السلطة في رام الله ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ألم يكن من الأنسب أن يجتمع الفلسطينيون بصفتهم نواباً عن الشعب الفلسطيني ليناقشوا أبعاد ومخاطر السياسات الإسرائيلية ضد المقدسات الإسلامية، ألم يكن من المتوقع أن تخدم هذه الجلسة الحوار الوطني الفلسطيني، وأن تهيئ الأجواء للقاء الوطني بين فصائل الشعب الفلسطيني، خاصةً أن الكثير من المراقبين والمتابعين قد رأوا أن هذه الجلسة البرلمانية ستكون الأولى الجامعة لكل الأطراف منذ منتصف العام 2007، وأنها لو عقدت فإنها ستنقي الأجواء الشعبية الفلسطينية، وستخلق أجواء ثقة متبادلة بين الفلسطينيين، وستخفف من حالة الاحتقان الشديدة بين الفرقاء الفلسطينيين، فماذا كان سيخسر عزام الأحمد لو عقدت هذه الجلسة، ألم يكن متوقعاً أن يصدر عنها إدانة لإسرائيل، أو دعوة الشعب الفلسطيني للثورة على الممارسات الإسرائيلية، والقيام بانتفاضة جديدة أشبه بانتفاضة الأقصى عام 2000، ألم يكن من المتوقع أن يدعو المجلس التشريعي الفلسطيني لو عقد جلسته، الأمة العربية والإسلامية لرفض السياسات الإسرائيلية، وتحريض المجتمع الدولي للوقوف ضد سياسات إسرائيل التعسفية، ولعل عزام يدرك قبل غيره أن المجلس التشريعي الفلسطيني لن يزيد في حدة الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، ولن يتطاول أعضاؤه على رئيس السلطة الفلسطينية، ولن ينزعوا عنه صفة الرئاسة التي يتمسك بها، في حين أن تصريحاته التي تفتقر إلى الحكمة والعقل تزيد في تشتيت الشارع الفلسطيني، وتضيف خلافاتٍ جديدة إلى خلافاته القديمة.
ترى من المسؤول عن إغلاق بوابات المجلس التشريعي في مدينة رام الله، أهو عزام الأحمد صاحب التصريحات الرعناء، وقد نقل محتجاً بالقانون الذي ينتهكه ويخترقه شخصياً موقف حركة فتح القاضي بالمقاطعة، واعتبر أن الدكتور عزيز دويك غير ذي صفةٍ شرعية، وأنه لا يملك الصفة الشرعية للدعوة لعقد هذا اللقاء، أم أن السيد محمود عباس هو الذي أصدر أوامره إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية في رام بضرورة إغلاق قاعات وباحات المجلس التشريعي، ومنع انعقاد الجلسة التي دعا إليها رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، والتي تهيأ لها كل أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، علماً أن السيد محمود عباس قد انتهت مدة ولايته الدستورية، ولم يعد بحكم القانون الفلسطيني رئيساً للسلطة الفلسطينية، أي أنه لا يملك الصفة الشرعية لدعوة المجلس التشريعي للانعقاد في دورةٍ عادية أو طارئة، كما لا يملك حق الاعتراض على دعوة رئيس المجلس التشريعي لقد دورة عادية أو طارئة، وقد تكون شرعية المجلس التشريعي الفلسطيني ورئيسه أكثر قانونيةً من شرعية الرئيس، ذلك أن ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني تمتد إلى حين انتخاب المجلس التشريعي الجديد وأداء القسم، في حين أن ولاية رئيس السلطة الفلسطينية منصوصٌ عليها بأربع سنواتٍ حكماً وقد انقضت.
وإني أدعو السيد عزام الأحمد أن يستقرئ رأي الشارع العربي والفلسطيني، وأن يتعرف على رأي المواطن العربي في تصريحاته، ليعرف حقيقة مواقفه، وليقف على أثر تصريحاته ومواقفه على شعبنا الفلسطيني، وليعرف من الشارع الفلسطيني من هم الذين يتآمرون على القضية الفلسطينية، وسأكون مع عزام الأحمد صادقاً وناصحاً، وأخبره أن معظم أبناء شعبنا وأمتنا يغلقون أجهزة التلفاز عندما يكون الضيف أو المتحدث هو عزام الأحمد، إذ لا يحبون الاستماع إلى وجهة نظره، ولا الإصغاء إلى رأيه، ذلك أنه فضلاً عن أنه يسيء دائماً إلى صورة شعبنا الفلسطيني، ويحاول جاهداً أن يرسم صورةً شوهاء لشعبنا وقضيتنا، فإنه لا يحسن التعبير، ولا يتقن انتقاء المفردات، ويتعثر بالكلمات التي لا يعرف كثيراً معناها أو مدلولها، ويعمد إلى استخدام الكلمات السوقية، والمفردات التي تثير النعرات وتخلق الفتن، كما أنه متقلب الرأي، ويتراجع عن كثيرٍ من تصريحاته، وينكر بعض ما ينسب إليه، ويختلف مع فريقه، ومع من هم حكماً من صفه، فينازعهم السلطات، ويختلف معهم على الصلاحيات، ولو استطعت أن أكون معه صريحاً أو جريئاً، لأخبرته عن اسمه الذي يتداوله الناس، أو اللقب الذي ينادونه به عندما يرونه على شاشات التلفاز، أو عندما يستشهد برأيه في الحوارات والنقاشات، وأعتقد أن الكثير ممن حوله يعرفون رأي الشارع الفلسطيني فيه، وكيف ينظرون إليه، وهل يقدرون مواقفه أم يستهزؤون بها.
بكل صراحةٍ ووضوح فإن أقل ما يقال عن هذه التصريحات أنها تصريحاتٌ تحريضية وغير مسئولة، وتفتقر إلى الحكمة والعقل، ولا تنم عن حسٍ وطني، ولا عن وعيٍ سياسي، ولا تعبر عن حاجة شعبنا، ولا تنسجم مع مصالح أهلنا، ولا تخدم قضايانا الوطنية، وهي تصريحاتٌ تهدم أكثر مما تعمر، وتؤخر ولا تقدم، ومنها يستفيد العدو ويبني عليها، فتصريحاته دعوةٌ مفتوحة لاستمرار الانقسام وتعميقه، وهي تقضي على كل فرصة للتفاهم واللقاء، وتحول دون نجاح أي مسعىً للمصالحة والاتفاق، وهو لا يحرض على الفتنة بين الأخوة فحسب، وإنما يؤلب مصر على حماس وعلى سكان قطاع غزة، فعلى السيد عزام الأحمد ومن يعمل له أو عنده، أن يضع حداً لكل هذه التصريحات، وأن يتوقف عن إطلاق مثل هذه المواقف، لأنها تضر بمصالح شعبنا، ولا تخدم سوى الاحتلال ومن يعمل له.

ليست هناك تعليقات: