عطا مناع
غريب هذا الوطن العربي الكبير، فالبرغم من المشاكل والتعقيدات التي تعصف به يمتاز بالطمأنينة والتصالح مع ألذات لدرجة أن المراقب من بعيد يضرب أخماس في أسداس دون نتيجة في تحليله لظاهرة الصمت والتعامل مع الأشياء من منطلق الأسود والأبيض، وبالتالي التبعية والرقابة الذاتية المفرطة حتى لا يُجرج شعور المسئول الذي تحول لطوطم نسبح بحمده في الليل والنهار.
في حياتنا اليومية يسود التذمر من كل شيء، فلا يجتمع اثنان إلا وتحدثا عن حالة الانحطاط التي وصلنا لها، فالموطن والمثقف والأكاديمي ورجل الأعمال وحتى السياسي يحملون الموقف ذاتة، والمصيبة أن الواحد فينا يقارع نفسه فينتصر عليها مرة وتهزمه مرات، وكأنة يعيش أكثر من شخصية في اليوم الواحد ما يعكس حجم المشكلة وخطورتها.
هي حالة مخيفة لدرجة الرعب، وخاصة عندما تصيب النخبة التي تعلمت الشطارة واللعب بالبيضة والحجر والقدرة على التلاعب بالأسود والأبيض بما يحفض مصالحها، وهذا افقدها المصداقية والثقة من شرائح المجتمع التي انكفأت على نفسها ونسجت عالمها الخاص وكأنها تنتقم من نفسها ومن قيادتها السياسية والمجتمعية.
المخيف في حالتنا المرضية التي أتمنى ألا تكون مستعصية فقدان القدرة على التواصل مع ألذات وسيادة قانون العيب على مجمل مناحي الحياة الفكرية وخاصة فيما يتعلق بالنقد للجهات المتنفذة وكأننا نشهد حالة إعدام لوجهات النظر المغايرة من قبل الجهات الإعلامية والمواقع الالكترونية رغم إعلانها أن وجهات النظر المطروحة في مواقعها لا تعبر عن رأيها.
في الحالة الفلسطينية مثلا، فأنت زنديق وكافر وتستحق الرجم إذا وجهت النقد لحركة حماس، وبعض المواقع الالكترونية تتلاعب في مضمون وجهات النظر المطروحة في أحسن الأحوال، بعض رؤساء التحرير حفظهم اللة لا يكلفون نفسهم بنشر وجهة النظر، أما رؤساء التحرير الذين يقفون على الجهة المقابلة من الجهة إلي يوجه لها النقد فينشرون وجهة النظر لحظة حصولهم عليها.
المشكلة الكبرى مع رؤساء التحرير الذي لا يملكون وجهة نظر، فهم يريدون إرضاء كل الأطراف، وفي الحقيقة لا يرضون أيا من الأطراف، وبالتالي هم غارقون في مثلهم الأعلى ....إن السكوت من ذهب ومعجبون في المثل القائل ...الباب اللي بيجيك من الريح سده وأستريح، هذه النوعية من الذين يتربعون على عرش السلطة الرابعة همهم الأول والأخير إرضاء كل الأطراف واستجلاب التمويل المشروط الذي ساهم في قلب البلد رأساً على عقب.
ومن الناحية النظرية فان تفاعلات الحياة السياسية والثقافية تفرض نفسها على الشرائح المعنية بالتغيير وتصويب الأوضاع الداخلية، وفي نهاية المطاف لن تفلح الجهات التي تضع رأسها بالرمل دفع مياه النهر إلى أعلى، فهذا يتنافى مع القوانين الاجتماعية، وقد يكون من مصلحتنا كشعب فلسطيني أولا وشعوب عربية ثانياً التطلع لواقعنا وتفكيكه والوقوف على أسباب التراجع والتخلف والفساد السائد، لان الوقت ليس في صالحنا ولا في صالح الطبقة المتنفذة التي إن سيطرت فإلى حين.
لقد أثبتت تجارب الشعوب أن عملية التغيير الديمقراطي هي بالأصعب مقارنة يالتغيير العنيف، وقد تكون تجربة غزة مثالاً صارخاً على الانعكاسات الخطيرة لاستخدام القوة في الصراع الداخلي، هذا الصراع الذي يميز ما يسمى بدول العالم الثالث المتخصصة في الانقلابات العسكرية والحركات الانفصالية، وفي الحالة الفلسطينية وبعد التأكد وبالعين المجردة من فشل حركة حماس في إحداث التغير فلا بد من استحداث توجهات ثقافية مقرونة بحركة ميدانية لرفض الواقع الفلسطيني الحالي الذي سبب الخسارة لجميع الأطراف وبالتحديد الطبقات والشرائح المهمشة.
إن غياب النقد وسيادة هز الذنب ستزيد من حالة التشظي السائدة، وسنتحول إلى قبائل متقاتلة على الامتيازات، وقد تكون الجهات المعنية بوقف النزيف الأخلاقي والثقافي وحالة التبعية لدولة الاحتلال ودول المحيط هي المعنية بالتغير ولجم الانفلات السائد، ولن يتأتى ذلك إلا برفع الصوت والنقد والتركيز على سيادة القانون الذي يحفظ للمواطن حقه في الحياة، وقد يكون الثمن كبير لكن وطننا يستحق هذا الثمن.
الخميس، مارس 04، 2010
النقد عيب: لان السكوت..؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق