الاثنين، نوفمبر 02، 2009

مفاوضات لتعزيز المستوطنات

د. فايز أبو شمالة
بعد هذا الوضوح في إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية: "أن توقف البناء في المستوطنات لم يكن يوماً من الأيام شرطاً لتواصل المفاوضات". وبعد حديث "أفيقدور ليبرمان" وزير خارجية إسرائيل الصريح: بأن السلطة الفلسطينية لم تطرح في السابق شروطا مسبقة للمفاوضات، لا مع حكومة باراك ولا مع حكومة شارون ولا مع حكومة أولمرت، وقد أجرت السلطة المفاوضات في ظل التوسع في المستوطنات" ـ وهذا كلام إسرائيلي صادقٌ، وصحيح ـ بعد هذا الوضوح؛ ماذا تبقى للسيد عباس ليبرر تواصل الاتصال مع الإسرائيليين، وتواصل التنسيق الأمني؟ وهنا قد يقول قائل: لا يوجد تنسيق أمني، لقد توقف منذ زمن. ولكن الوقائع تشهد على أن دخول قائد المنطقة الوسطى اليهودي "آفي مزراحي" إلى بيت لحم قبل شهر، وتجواله مع موكبه في المدينة تحت حراسة القوات الفلسطينية دليل على بقاء التنسيق الأمني. والوقائع تشهد أن قرار تأجيل عرض تقرير "غولدستون" على مجلس حقوق الإنسان الدولي دليل آخر على وجود تنسيق ما مع الإسرائيليين، والوقائع تشهد أن بقاء مئات المقاومين للاحتلال في سجون السيد عباس، يعكس تنسيقاً أمنياً حتى لحظة بقائهم في السجن. والوقائع تشهد أن المستوطنين اليهود يتنقلون في شوارع الضفة الغربية دون أن يلقى عليهم حجر، فهذا من فضل التنسيق الأمني، ومثل ذلك تواصل عمل الفلسطينيين في بناء المستوطنات، وتواصل تسويق منتجات المستوطنات في الضفة الغربية رغم بيان التحذير الذي أصدره السيد حسن أبو لبدة وزير الاقتصاد في حكومة فياض قبل ثلاثة أيام فقط.
بعد هذا الوضوح الذي ميز لغة الخارجية الأمريكية، والتي انصاعت بالكامل للإرادة الإسرائيلية المتطرفة، لم يبق أمام السيد عباس غير خيارين واقعيين، وخيار ثالث مهين.
الخيار الأول: أن يسلم السيد عباس نفسه للإسرائيليين، ويستسلم لهم دون تردد، تجاوباً مع الواقع الذي وصلت إليه السلطة، فالإسرائيليون هم الأقوى على الأرض، وهم أصحاب العقد والحل في كل صغيرة وكبيرة من شأن الضفة الغربية، وهم المال والقرار، ولهم السيطرة على خزانات الطعام، وعلى نبع المياه، وتردد الأنفاس، ولهم مفارق الطرق، ولهم المعابر، إنها معادلة القوي والضعيف، والمنتصر والمهزوم، ولا داعي ضمن هذه المعادلة لأن يطوف السيد عباس حول طاولة المفاوضات، كمن تريد الوصل وتخشى الحمل، على السيد عباس أن يجلس مثل الرجال حول طاولة المفاوضات من واقع الاستسلام الكامل للإسرائيليين، وأن يتفاوض معهم بشكل مباشر من واقع الخنوع، ويتحمل مسئولية قراره.
الخيار الثاني: أن يتمرد السيد عباس على الهزيمة، ويهجر المفاوضات إلى الأبد، ويعلن عن خطأ هذا المسار العبثي، بل ويقر بخطأ التفاوض كل السنوات الماضية تحت ظلال الاستيطان، ويعلن عن خطأ الوثوق بالإسرائيليين، وأن اللقاء مع المحتلين في ساح الوغى، وبين خنادق المقاومة. ولما كان هذا الخيار لا ينسجم مع قناعة السيد عباس وتفكيره وماضية وتحالفاته وحساباته، وهو لا يقدر عليه، لذا فليس له إلا أن يقدم استقالته العلنية فوراً دون تردد، وبرجولة دون التفكير بالنتائج، فالاستقالة توحي باحترام النفس، واحترام الشعب، والاستعداد لتحمل المسئولية عن كل الأضرار التي لحقت بالشعب، وبالأرض الفلسطينية كل السنوات الماضية التي فاوض فيها واهماً.
أما الخيار الثالث؛ خيار المهانة والمذلةِ: فهو لجوء سلطة رام الله إلى تجميل الخطيئة، ومعاودة تصعيد التصريحات الجوفاء ضد الاستيطان، والحديث عن الثوابت الفلسطينية، وفي نفس الوقت تواصل اللقاءات السرية، والمفاوضات مع الإسرائيليين بشكل غير مباشر كما تقترح أمريكا، ومؤشرات ذلك تظهر في تواصل الحض على الانقسام، وتواصل اعتقال المقاومين، وتواصل تأمين طرق المستوطنين، وتوسعهم في الجرم آمنين.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: