سعيد علم الدين
قبل الرد على كلمة نصر الله التي القاها في الليلة السادسة من المجلس العاشورائي 09.01.02، لا بد من تذكيره لعله نسى او تناسى ما قاله مرشده الأعلى آية الله خامنئي خلال خطبة صلاة عيد الفطر في العاصمة الايرانية طهران، الاربعاء 1 اكتوبر العام الماضي، أي قبل شهرين تقريبا:
"ان الشعب الايراني لن يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة كيان الاحتلال الاسرائيلي".
أين ترجمة هذا الكلام الواعد من المرشد القائد "الآن الآن وليس غدا" على الأرض الفلسطينية المحترقة يا صاحب الوعد الصادق؟
وبسبب كلام مرشدك البطولي هذا كبرت برأس خالد مشعل وبرؤوس جماعة حماس ولم تعد تحملها رؤوسها معتقدة ان رؤوس ايران الصاروخية ستحميهم من الصواريخ الإسرائيلية.
وما نراه بعد اكثر من اسبوع على القصف الإسرائيلي ان ملالي ايران تخلت عن مسؤوليتها الاسلامية التي اعلنتها مرارا تجاه الفلسطينيين، محملة وبخبث، المسؤولية لمصر ومعبر رفح وللدول العربية.
واكثر ما يفعله ملالي ايران اليوم لرفع العتب بعد ان وقعت الواقعة بسبب سياستهم التحريضية لحماس هو مظاهرات غاضبة غوغائية يهاجمون بها مصر والسعودية.
وكان نصرالله في كلمته التي أشرنا اليها قد سأل:
"ألا يستحق ما يجري في غزة أن يجتمع العرب على طاولة واحدة؟".
نصرالله بدل أن يملك الجرأة الدينية والأخلاقية والوطنية والعربية والثورية الشريفة ويذكِّرُ مرشده الأعلى بما قاله في صلاة عيد الفطر قبل شهرين من وقوع الواقعة في غزة، بأنه "لن يترك الفلسطينيين وحدهم"، تراه يهرب بخفة الماكرين ورشاقة المنافقين من قول الحقيقة ليضع الملامة على اجتماع العرب على طاولة واحدة.
هل هذه هي ثقافة المقاومة التي تربيتم عليها وتريدون تربية الأجيال على أساسها؟
أي ان تتهربوا من المسؤولية ساعة الجد، وترمون باللائمة على الآخرين! وتتهمونهم بالتآمر والتواطؤ اذا لم ينصاعوا لمشاريعكم!
ونصرالله كان قد وعد بعد حرب تموز باعادة كل ما تهدم وبأسرع من الدولة. ونتيجة كلامه المعسول كشفها الشعب اللبناني وقت الجد. حيث لم تعمر ما تهدم سوى الدولة اللبنانية التي يمص دمها ودم شعبها نصرالله وامثاله من جماعة 8 اذار بدويلاتهم الميليشياوية.
ولنأخذه على قد عقله ونقول:
وماذا لو اجتمع العرب على طاولة واحدة يا نصرالله؟
ماذا سيحدث؟ لا شيء!
العرب ومنذ عام 1947 اجتمعوا عشرات بل مئات المرات على طاولة واحدة من أجل نصرة أهل فلسطين وتحريرها من البحر الى النهر ومن الناقورة الى رفح.
وماذا كانت النتيجة؟ حروب وهزائم ومئات الآلاف من الشهداء وخسارة كل فلسطين ومعها اراض عربية.
فكفى مزايدات فارغة وعلى مرشدك الأعلى ان لا يترك الفلسطينيين
وحدهم كما وعدهم. وعيد الفطر يشهد!
وقال نصرالله متابعا: "إنهم لا يستطيعون الاجتماع لأنهم سيكونون أمام تحدي اتخاذ موقف". وهل تعتقد ان العرب سيأخذون موقفا كما تشتهي السياسة الإيرانية. وكما يشتهي نصرالله!
وأوضح نصر الله "ان الايمان دخل بقوة الى معادلة المقاومة، وأن هذه المقاومة المؤمنة الصابرة المحتسبه المتوكله المعتقدة العارفة بالله هي التي تقاتل في غزة".
هذا الكلام مكرر واصبح ممجوجا ولن يحمي طفلا، وكنا قد سمعناه من صدام حسين قبيل انهزامه في حرب الكويت، وايضا من سفير او وزير خارجية طالبان، قبيل سقوط عرشهم في أفغانستان.
قال الله تعالى في القرآن الكريم" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".
ولم يقل "وأعدوا لهم ما استطعتم من إيمان".
أي الطائرة تعادلها طائرة. والدبابة تواجهها دبابة. زائد الإيمان. هذه هي المعادلة الصحيحة.
أما الطائرة يعادلها ابتهال. والدبابة تواجهها صلاة. فهذه معادلة مغلوطة. وستؤدي الى الفشل كما حصل لصدام ولطالبان.
الإيمان والشجاعة والابتهالات والدعاءات والصلوات لم تحم القائد الحمساوي نزار ريان من صواريخ الطائرات الإسرائيلية التي استهدفته وعائلته.
وتابع نصرالله، أنه "عندما يدخل العامل الايماني على المعركة لا يبقى مجال للهزيمة والانكسار النفسي لأن المجاهد إذا استشهد فقد فاز وإن انتصر فقد فاز".
هذا الكلام كسابقة مرفوض ولا يعبر عن حقيقة الواقع المأساوي المدمر الذي عاشه شعب لبنان في حرب تموز ويعيشه الآن مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة.
مرفوض لأنه يختزل محنة شعب بكامله بشخص يريد الدخول الى الجنة للقاء 71 حورية. وعمليات الاستشهاد او الانتحار التي قامت بها حماس هي من اكبر الاخطاء الاستراتيجية والتي اوصلتها الى ما هي عليه اليوم.
وتحدث نصرالله عن تردد الإسرائيليين في القيام بالعملية البرية، لأنهم كما قال "استعادوا مشاهد حرب تموز". ناسيا ان التسرع التي ارتكبته اسرائيل في حرب تموز بزجها القوات البرية تحاول في غزه تفاديه، باختيار الوقت المناسب. ولأنها تعلمت من تقرير فينوغراد الذي دلها على أخطائها. بينما نصرالله لا يعترف بأي خطأ ويحمل مسؤولية أخطائه للآخرين. اسرائيل لا تحتاج لتحليلات نظرية من نصرالله وغيره لشن عمليتها البرية. مع اننا نتمنى ان لا تحدث وان تنتهي مأساة غزة بأسرع وقت. وان يتوقف سفك الدماء.
وعرج نصرالله كالعادة على نظرية التخوين والتآمر التي حفظها عن ظهر قلب مبدياً أسفه مما وصفه ب "الموقف العربي والتواطؤ العربي".
ولكن المضحك في كلام نصرالله الشمولي والمتحالف مع طغاة العصر، أن يطالب من الأنظمة العربية "ان تسمح لشعوبها أن تعبر عن رأيها ... ولا تمنعها من التعبير عن موقفها"، لافتاً الى أن "هؤلاء الحكام لا يطيقون حتى أن يتحملوا صراخ بضعة آلاف تطالبهم بالتحرك".
المثل القائل: من بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة ينطبق هنا على كلام نصرالله.
لأن من يطالب بحرية التعبير عليه أولا أن يحترم آراء الآخرين!
هل يحترم نصرالله الرأي الآخر وهو الذي أحرق مؤسسات إعلامية لبنانية في 7 ايار تخالفه الرأي؟
لأن من يطالب بالحرية عليه ان يكون حرا. هل نصرالله حرٌ؟
وكيف يكون حرا، وهو يطلق الرصاص في الهواء ويوزع الحلوى عند اغتيال أحرار لبنان؟ كالصحفي الحر الشهيد جبران تويني والشهيد النائب وليد عيدو وغيرهم.
وكيف يكون حرا في تفكيره وهو يقبِّلُ بخشوع يد سيده خامنئي ويتلقى منه الأوامر بخضوع؟
وكيف يكون حرا وهو يطيع نظام الملالي الاستعبادي الذي
أغلق حتى الآن أكثر من مئة صحيفة في إيران ويزج المثقفين والصحفيين والطلاب والنخبة الإيرانية في السجون؟
وكيف يكون حرا وهو يتحالف مع نظام بشار الاسد الاستبدادي الذي يعتقل الآلاف من المثقفين السوريين والعرب في سجونه؟
حتى ان نظامي الملالي والاسد هي أكثر أنظمة قمعية يوجد فيها مساجين رأي في العالم. وإذا أردنا المقارنة مع الدول العربية تبقى كل الدول العربية أكثر تطورا نحو حرية الرأي من نظامي سوريا وايران.
فمن بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة يا نصر الله!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق