الاثنين، يناير 05، 2009

إسرائيل تعلمت الكثير من حرب تموز. ونحن؟

سعيد علم الدين

إسرائيل تعلمت الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها في حرب تموز.
ومن يراقب سير الحرب الدائرة رحاها اليوم على قطاع غزة المقطوع إلا من رحمة الله يرى ذلك بوضوح.
ولهذا فلم تكن توصيات لجنة فينو غراد "المستقلة" حبرا على ورق، نؤكد على كلمة مستقلة، بل نصوص شبه مقدسة فرضت نفسها على الطبقة الحاكمة في اسرائيل، متحولة الى إرشادات صارمة طبقتها القيادة العسكرية على الأرض بحذافيرها، وإلى نصائح ثمينة أخذتها حكومة أولمرت المستقيلة بعين الاعتبار.
ونعود هنا من جديد إلى التركيز على حسنات النظام الديمقراطي الفاعل في إسرائيل من خلال الإرادة الشعبية، والمشلول في لبنان من خلال قهر الإرادة الشعبية، كما فعل حزب الله وتوابعه من جماعة 7 أيار.
فمنذ لحظة قيامة لبنان من كابوس الاحتلال السوري، وانتفاضته في وجه عسسها في 14 اذار 05، تلك اللحظة التاريخية المليونية الحضارية الديمقراطية المشرقة في تاريخ الشرق وحتى الآن يحاول حزب الله الشمولي وتوابعه الميليشياوية في لبنان وأسياده في محوره الإيراني السوري الشمولي قمع الإرادة الشعبية اللبنانية. كإعلانهم أن الأكثرية التي انتخبها الشعب وهمية، واغتيالهم نوابها لتصبح أقلية، وطغيانهم ضد حكومة السنيورة السابقة الشرعية، وهرطقاتهم ضد الدستور، وهذيانهم ضد المحكمة الدولية، واغلاقهم للبرلمان، وهمجيتهم باحتلال شوراع بيروت في 7 أيار العام الماضي. كل ما ذكرناه يبقى الشاهد الأكبر على بلطجية هؤلاء في قهرهم بالبندقية للإرادة الشعبية اللبنانية.
المجتمع الديمقراطي الإسرائيلي يحاسب من يخطئ ولا يتحمل سقوط عدد كبير من القتلى في الحرب، ولا يتحمل أيضا إطالة أمدها. فكيف إذا كانت امام منظمة كحزب الله بلا طيران وسلاح ثقيل!
ولهذا فبعد انتهاء حرب تموز 06 قامت مظاهرات شعبية صاخبة في اسرائيل مطالبة بلجنة تحقيق للتحقيق بسلبيات الحرب، وتحميل المسؤولية للمسؤولين.
حاول رئيس الحكومة أولمرت امتصاص نقمة المتظاهرين بإعلانه تشكيل لجنة تحقيق حكومية. إلا أن الجماهير تابعت مظاهراتها ورفضت لجنته الحكومية رفضا قاطعا، مطالبة بلجنة تحقيق مستقلة.
نزل أولمرت مجبرا عند رغبتها والنتيجة كانت استقالات عديدة في القيادتين العسكرية، كاستقالة رئيس اركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس، والسياسية كاستقالة وزير الدفاع عمير بيرتس.
وعند استقالة حالتوس اعتبرت عائلات القتلى الاسرائيليين في حرب لبنان :" أن الصراع من اجل أخذ المسؤولية بدأ يعطي نتائجه، لان 158قتيلا هم سبب كاف لان يستقيل رئيس الاركان، ووزير الدفاع ورئيس الوزراء".
أليس استشهاد 1500 لبناني ومعهم الاف المعوقين والجرحى في حرب تموز سبب أكثر من كاف لاستقالة حسن نصرالله ونعيم قاسم ومحمد رعد وتحميلهم مسؤولية هؤلاء الضحايا؟
أم أن الاستقالة غير واردة في معجم ولاية الفقيه الشمولية، لأن ايران تحتاج إلى عملاء خاضعين أذلاء لأوامر الولي الفقيه!
ومن هنا يأتي سبب انقلابهم على الامين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، لانه لبناني شهم، له شخصيته المستقلة، وكان يناقشهم في كل أمر، مما أغاظهم.
حتى أولمرت نفسه لم يستطع التخلص طوال الوقت من تبعات تقرير فينوغراد الى ان استقال من رئاسة الحكومة. ورغم ذلك نرى اليوم في سير العمليات تحت قيادته السياسية انه قد تعلم الكثير من تقرير فينوغراد.
ففي حرب تموز تكلمت الحكومية الإسرائيلية متبجحة وبغرور عن أهدافها بالقضاء على حزب الله وتجريده على الأقل من السلاح.
في حرب غزة نراها قليلة الكلام وان تكلمت فبلغة متواضعة امام العالم، للحصول على عطفه وإشعاره أن همها الوحيد ليس القضاء على حماس وانما فقط وقف اطلاق صواريخها او مواسيرها على القرى والبلدات الإسرائيلية. أي انها تريد حماية شعبها!
وفي حرب تموز انفعلت إسرائيل في ردة الفعل على عملية حزب الله بالتسرع في اتخاذ القرار، والزج بالقوة البرية والجوية في آن واحد، مما ادى الى ارتباكها وتضعضعها في كثير من الاحيان، كإعلانها عن احتلال قرية جنوبية، ومن ثم بعد يوم او يومين او اكثر اعلانها عن ان القرية ما زالت تقاوم الجيش الاسرائيلي.
في حرب غزة بالمقابل سير العمليات يسير حسب الخطط الإسرائيلية المرسومة وبكل هدوء. فالاسبوع الأول كان للطيران الذي استطاع ارباك حماس وأضعاف قدرتها على المواجهة الى حد بعيد، وفي الاسبوع الثاني دخلت القوة البرية. وما نراه اليوم دون مقاومة تستطيع صدها كما كانت حماس تهدد دائما. وجندي اسرائيلي واحد قتيل امام 500 ضحية فلسطينية. شيء مؤلم جدا! وموجع في الصميم!
لو ان اسرائيل في حرب تموز استعملت في البداية الطيران لمدة اسبوع لكانت مجريات الحرب قد تغيرت ولكانت قدرة حزب الله على مواجهة القوات البرية اضعف بكثير.
ومن هنا فقد تعلمت إسرائيل الكثير من حرب تموز. وماذا تعلمنا نحن؟
لا شيء! وما زال نصرالله من جحره يهدد ويتوعد.
ويبقى السؤال البديهي الذي يجب ان نطرحه على أنفسنا: متى نتعلم نحن العرب من أخطائنا القاتلة، والتي نهدر فيها ثروتنا البشرية وكرامتنا وعزتنا قبل المادية. حيث صارت قيمة الأسير الإسرائيلي، الذي نبادله ونحن نهلل طربا، بآلاف من الأسرى العرب. وحيث صارت حتى جثة الجندي الإسرائيلي القتيل، التي بادلها نصرالله وهو يرقص في مخبئه مرحا بأسرى أحياء من قبلنا.
وأعلن نصرالله أيضا أن بحوزته بطن كامل وثلاث أرباع يد، ورِجل حتى الفخذ، وكتف مع سلسلة ظهر، وثلاث أصابع مع اظافرها، أي جمع نصرالله كل هذه الأشلاء مع بعضها فطلعت تجارة مربحة وتساوي أكثر من جندي اسرائيلي اسير ما زال بيد المقاومة يجب ابرام صفقة حوله.
لا عجب عندما يحكمنا الجهل والحقد والكره والتعصب والتخلف والغوغاء ورفض الاخر واغتياله حتى لو كان أخا لنا وليس عدوا، أن نحصل على قادة على شاكلة نصر الله تسبب لنا أمام العالم إشكالا أخلاقيا وعارا تاريخيا.
حماس اليوم في ورطة قاتلة، لأن غزة الواقعة في القبضة الإسرائيلية من جميع الجهات ليست لبنان المفتوح بطبيعته الجبلية على سوريا الداعمة لحزب الله ولباقي شللها، وليست العراق الكبير المفتوح على دول كسوريا وايران ليرسلا اليه السيارات المفخخة والمتفجرات والارهابيين.
ورطة حماس القاتلة هي ايضا بسبب سياستها الصِّدامية مع الشرعية الفلسطينية، لأنها عندما ضربت سلطة محمود عباس في غزة انما ضربت نفسها وهي لا تدري، وأزالت كل الخطوط الحمراء من أمام إسرائيل. حتى مجلس الامن غير قادر على التدخل لوقف النار.
الورطة الحمساوية هي في الوقت نفسه ورطة المحور الإيراني السوري وآمره الأول، وصاحب قرار حربه وسلمه، مرشده الأعلى خامنئي، الذي سيخسر مخلبه السني، والذي قال منذ شهرين "إن الشعب الإيراني لن يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة «الاحتلال الصهيوني». ولم يصْدُق في وعده هذا الذي اثبت انه مجرد كلام فارغ. كيف لا وهو لا يجرؤ على اطلاق شبه صاروخ على اسرائيل، لأنه يعلم علم اليقين ان الرد الإسرائيلي سيكون على ايران مدمرا.
ومن هنا يحاول هو ومحوره الفاشل زج مصر بالصراع.
خامنئي يستطيع ان يتمرجل بميليشياته وحرسه الثوري وعملائه على لبنان والعراق ودول الخليج العربي، أما ضد اسرائيل ولمساعدة مخلبه السني حماس، فتهديداته هي كلام ليل يمحوه النهار، ولا تأخذه اسرائيل اصلا بعين الاعتبار.

ليست هناك تعليقات: