الأحد، نوفمبر 02، 2008

انتخابات الرئاسة الأميركية في الميزان

حسن الحسن
فيما يتطلع كثيرون إلى ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية المزمع عقدها في 4 نوفمبر 2008، يجد المتابع أن البرامج الانتخابية المعلنة والحملات الإعلامية المضادة والمتبادلة بين المرشحين الرئيسيين (باراك أوباما وجون ماكين) تركز على الشكليات في سياق الصراع للوصول إلى البيت الأبيض بدل معالجة القضايا المحورية، سواء فيما يتعلق بالشأن الأميركي الداخلي أو فيما يتعلق بالشأن العالمي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تلخيص موضوع "الحرب على الإرهاب" بمناوشات كلامية متهافتة بين الطرفين كتصريح ماكين عن عزمه ملاحقة أسامة بن لادن إلى أبواب جهنم، فيما يهزأ أوباما من ماكين ويكتفي باللحاق بابن لادن إلى باب الكهف الذي يؤويه! كما يغذي تلك الحملات إعلام تافه يجعل من لون بشرة المرشح أو سنه أو نحول جسده ودقة ساقيه مدار البحث والجدل الساخن لانتخاب الرئيس القادم، ليتحول الصراع على الصفات الشخصية لكل مرشح لا الموضوع الذي يطرحه أو البرنامج الذي يتبناه.

وهكذا يتم التركيز على الشكليات بدل معالجة مشاكل الناخب الأميركي المتراكمة فضلاً عن مشاكل البشرية التي اضطلعت الولايات المتحدة بدور الريادة في صنعها، كأزمة الغذاء والغلاء والتضخم المضطرد وانتشار أسلحة الإبادة وتدمير البيئة وانتشار الحروب الشريرة بسبب النهم الاستعماري للدول الرأسمالية. هكذا يجري صرف الرأي العام المحلي والعالمي عن القضايا الهامة التي ينبغي وضعها على بساط البحث، بخاصة في ظل حاجة ماسة لإجراء مراجعة حقيقية وجذرية للمواقف المعتمدة من قبل الإدرات الأميركية المتعاقبة لا سيما إدارة المحافظين الجدد المتحكمة في القرار الأميركي خلال السنوات الثماني المنصرمة، تلك المواقف التي تسببت بأذية بالغة للعالم كله بما فيه أميركا.

وفيما يتحمس كثيرون لانتخاب أوباما يغفل هؤلاء أن برامج المرشحين وتصريحاتهما تشتركان في الإصرار على استمرار الظلم وإن بأشاكل مختلفة. فهما يتنافسان على دعم "إسرائيل" وفي إبراز الشدة والتصميم والعزم على متابعة ما يسمى بالحرب على الإرهاب، كما يصران على زيادة عدد الجنود في أفغانستان بل ومهاجمة باكستان إذا اقتضى الأمر. وأما العراق فإنهما يختلفان بأسلوب التعاطي مع ورطتهم هناك، لا في جوهر القضية المتعلقة بالاحتلال وتداعياته البشعة.

إضافة لما سبق، فإنه ينبغي إدراك أنه بغض النظر عن الفائز، فإنه سيبقى بالمحصلة رهينة المؤسسة الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تعتمد تطبيق وحماية النظام الرأسمالي النفعي الاستغلالي ودعمه محليا ودوليا. ذلك الذي يعتبر أس الشر ومصدر البلاء في العالم، والذي بسببه تشن الحروب الظالمة، وتتحول شعوب بأكملها إلى شعوب متسولة تقتات على فتات ما تقدمه أمريكا وحلفاؤها لها بعد أن نهبتها وتسببت بتشريدها وإفقارها. وهذا النظام الذي تسبب بكل تلك الكوارث هو نفسه الذي يتعهد كل من المرشحين بالحفاظ عليه وحمايته من الانهيار ودعمه رغم الحاجة الماسة لإعادة النظر فيه وفي مجموعة القيم النفعية المنبثقة عنه والتي تهيمن على أمريكا والعالم بأسره والتي تنذر بوقوع مزيد من الأخطار الجسيمة والمحققة إن لم يتم كبح جماحه.

إن إدراك واقع الانتخابات الرئاسية الأميركية على النحو السابق ينبغي أن يحول دون تحويل المسلمين إلى أبواق لهذا المرشح أو ذاك. بخاصة أن خصومة المرشحين للقضايا التي تخص الإسلام والمسلمين واضحة جلية، يصرحون بها علانية. كما أن تغرير المسلمين بأن هذا المرشح أفضل من ذاك أو أقل سوءاً ودعوة الناس لدعمه وانتخابه، هو عبث تم تجربته وثبت عدم صحته في الماضي القريب. فقد بادر البعض في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 بإصدار التوجيهات بل والفتاوى الموجبة لانتخاب جورج بوش الابن استناداً لقاعدة أخف الضررين، وكلنا رأى ما تسبب به هذا الرئيس من كوارث للبشرية بعامة وللمسلمين بخاصة تنسف ما ذهبوا إليه. إضافة لهذا، فإن الحديث، عند حصول كل انتخابات مماثلة في الغرب، عن ضرورة خوض المسلمين غمار هذه الانتخابات من خلال تأييد أحد المرشحين، بحجة أن المسلمين أقلية، وبأن عليهم اتخاذ اليهود قدوة في كيفية الوصول إلى أصحاب النفوذ والسلطة للتأثير على سياسات الغرب، إن هذا الادعاء يشتمل على مغالطات جسيمة نطوف عل بعضها باختصار.

أولاً: إن المسلمين يشكلون أمة لها امتداد وتواصل عبر العالم، وهي أمة تملك أسباب الحياة كاملة (حضارة شاملة وثروة هائلة وأعداداً ضخمة)، مما يؤهلها تشكيل الدولة الأولى في العالم، وعلى المسلمين في هذا السياق أن يتعاطوا مع قضاياهم على هذا الإساس، وأن يعملوا على إزالة المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك، لا اللهاث وراء فتات ما يمكن أن يمنحهم إياه هذا السياسي أو ذاك، وهو ما لا يتوفر لليهود بحال، وعليه فلا تصح المقارنة.

ثانياً: إن تشجيع المسلمين على الانخراط في الحياة السياسية القائمة في الغرب، كالانتخابات مثلاً، يجب أن يبنى على ما يحقق مصالحهم في إطار القيم التي يعتنقونها والأحكام الشرعية المرتبطة بهذا الموضوع، لا بإسقاطها واعتماد المصالح على الأسس النفعية السائدة، تلك التي تنسف ميزان الحلال والحرام وتجعل الحق والباطل مسألة نسبية ووجهة نظر شخصية لا أكثر. ولذا فلا وجه للمقارنة أيضا مع اليهود أو غيرهم لاختلاف المعايير والموازين.

ثالثاً: إن المحاولات الدؤوبة لترسيخ مفهوم الأقلية عند المسلمين وحضهم على العمل بموجبه، يوهن مفهوم الأمة ويولد الشعور بالوهن والضعف والحاجة لدى المسلمين ويدفعهم للتنازل المضطرد عن أحكام الشرع بحجة تحقيق بعض "المكتسبات"، ما يعني سلوك المسلمين درب من سبقهم من الأقليات الأخرى، تلك التي تخلت عن هويتها وثقافتها رويداً رويداً وذابت في المجتمعات الغربية. وهذا تصرف لا ينسجم مع الإسلام الذي يمثل نموذجاً بديلاً للنماذج الوضعية، فضلاً عن أن الحفاظ على الدين مقدم في الإسلام على ما سواه.

رابعاً: ثمة من يعتبر أن المسلمين في الغرب هم في صراع دائم مع اللوبيات اليهودية لكسب السياسيين وأصحاب النفوذ للتأثير في سياسات الغرب لصالح المسلمين وقضاياهم. إن هذا التصور يتجاوز حقيقة أن لهذه الدول مؤسسات وأنظمة حكم وأجندات خاصة تلزم من يعمل معها على الانخراط فيها والخضوع لها وتحقيق ما تمثله من مصالح وقيم، ولا تنتظر تلك المؤسسات من يوجهها ويرسم لها سياساتها من خارجها، فضلاً عن أنها بطبيعتها الرأسمالية تعمل ليل نهار على استعمال الآخرين واستغلالهم، من مسلمين ويهود وغيرهم لتحقيق مآربها.

أخيراً وليس آخراً: لقد حان الوقت لكي يتوقف المسلمون عن انتظار نزول الرحمة بهم من الخصوم والأعداء، وعليهم أن يقوموا بدل ذلك باستثمار مرحلة التغير في الوضع العالمي القائم بعد زوال التفرد الأميركي في القرار الدولي واهتزاز أركان النظام الرأسمالي الجشع. وعليه فإن لحظة الحقيقة القائمة تقضي بأن يقوم المسلمون بإعادة تقديم أنفسهم كأمة واحدة متماسكة، صاحبة رسالة، لديها ما يصلح حالها ويصلح حال البشرية معها، وبأن التغيير في نظامها السياسي الهش والممزق والتابع للدول الكبرى هو نقطة البداية لتحقيق ذلك، لأنه مفتاح كل تغيير، وأن حدوث ذلك رهن بتحرك القوة الفاعلة والقادرة على الدفع نحو التغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

ممثل لحزب التحرير في المملكة المتحدة
hasan.alhasan@gmail.com

ليست هناك تعليقات: