محمد داود
بوادر حسن نية يتقدم بها الأشقاء الفلسطينيون فيما بينهم داخل شطري الوطن الممزق في هذه الأيام ، وهي بادرة طيبة ووطنية وسعي جاد لإنهاء الانقسام بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وطي صفحة الاعتقال السياسي والتنظيمي ووقف الاحتراب والفوضى العارمة في الخطاب الإعلامي الذي تشهده أراضي السلطة الفلسطينية من انتهاكات وقمع للحريات الإعلامية وتقويض لحرية الرأي والتعبير بفعل حدة التجاذب السياسي. فمن أجل رأب الصدع الفلسطيني وإنجاح جهود الحوار الذي تشرف عليه مصر الشقيقة التي تقوم بصياغة اتفاق التفاهم واستضافة الفصائل الفلسطينية جميعاً في التاسع من الشهر الجاري يتبين أن هناك تأكيد على النية الجادة في إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة التوافق الوطني لإعادة اللحمة الوطنية بين جناحي الوطن إدارياً ومالياً وأمنياً، خاصة وأن الرئيس "محمود عباس" يدعم بقوة سبل إنجاح الحوار الوطني، ومن جهة ثانية تسعى وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة وعدد من الصحفيين والكوادر السياسية ومنظمات المجتمع المدني الذين أخذوا المسألة عل محمل الجد ليعبروا عن دعمهم ورضاهم لهذه المبادرة الوطنية الصادقة والنوعية من اجل الوحدة الوطنية وتدعيم العلاقات الفصائلية والشعبية التي ستكون أرضية خصبة وطيبة لإنجاح الحوار وبإرادة قوية و لتصويب مسار الإعلام الفلسطيني وشطب ماضيه الأليم والأسود الذي سلكه طوال العامين المنصرمين، حيث أبدى الإعلام المحلي انحرفاً واضحاً عن مساره الوطني والمسؤول وانحيازه التام وتسييسه بتقديم ولائه السياسي وانتمائه التنظيمي الضيق على متطلبات مهنته وتأثره بفعل الانقسام والتي وصلت لحد شن حرب التشهير والتخوين والتكفير والحقد والعنف وإطلاق شعارات تحرك الغوغاء وتذكي نار الفتنة والقتل وتضرب الوحدة الوطنية و تأجج نار الخلافات وتسفيه الآخر تحت ستار الحرية الإعلامية التي يرتكب باسمها اليوم أبشع الجرائم الدينية والأخلاقية والوطنية.
وبالعودة للوراء قليلاً سنجد أن هناك فارق شاسع في توجه دفة الإعلام الفلسطيني على اختلاف وسائله، فقد لعب دوراً بارزاً في دعم المقاومة الفلسطينية منذ ما يقارب قرن من الزمان ، وأن ما يجري اليوم من انحراف أو فوضى في الإعلام هو نتيجة الفلتان الأمني السائد والذي يمكن اعتباره حالة طارئة وإلى زوال بإذن الله تعالى، وهي صفة الإعلام الفلسطيني منذ الوهلة الأولى فقد كتب له أن يكون إعلاماً ثورياً وحربياً ونال شهادات الامتياز في ذلك، رغم انتمائه الحزبي المسيس ، إذ يعتبره الفصيل أداته التي يعبر من خلالها عن أفكاره وإستراتيجيته النضالية، اتجاه العمل الثوري أو السياسي، في توصيل رسالته السامية للجماهير الفلسطينية. وهنا لا أريد الخوض في سرد تاريخ الإعلام الفلسطيني القديم أو المعاصر ودورهما في دعم المقاومة الفلسطينية رغم ظروف القهر والقمع بدءاً من الاحتلال العثماني وفرض سلطة الرقيب ومتابعته للوسائل الإعلامية وما تنشره؛ مروراً بالاستعمار البريطاني وقانون الطوارئ رغم إبدائه بعض المرونة والحريات سواء بإنشاء إذاعة "هنا القدس" أو السماح بحريات الصحافة والنشر بهدف الحصول على بعض المكاسب السياسية اتجاه المواطنين الفلسطينيين، في المقابل كان الهدف الأساسي هو تقديم امتيازات مضاعفة للحركة الصهيونية الاستيطانية التي بدأت مشروعها التكويني لدولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية الإسلامية، إلى أن سقطت فلسطين في أيدي تلك العصابات المجرمة فأخذ الصراع مناحي وأشكالاً متعددة، لعب الإعلام الفلسطيني خلالها دوراً بارزاً لا سيما إعلام الثورة والشتات في تعدد البث الإذاعي والمطبوع والنشرات العلنية والسرية وغيرها في دعم المقاومة الفلسطينية، لا سيما اتجاه انتفاضة الحجارة الفلسطينية 1987م، ومع قدوم السلطة الفلسطينية انتقل الإعلام الفلسطينية لمرحلة جديدة عنوانها الحريات الإعلامية بلا حدود أو موانع، إذ شهدت المرحلة انتشاراً واسعاً في وسائل الإعلام الفلسطينية "مطبوع ومسموع ومرئي - حزبي وخاص وحكومي"، ولكي يكتب لها النجاح كان عليها أن تتابع المقتضيات الفلسطينية وعلى رأسها بث البرامج الثقافية والعلمية و السياسة في الفكر الفلسطيني ودعم المقاومة الفلسطينية وتعبئة الجماهيرية وحشد الهمم وتوظيف الطاقات بكل السبل المتاحة في نضالها الوطني المشروع .وبالفعل كانت دلالات انتفاضة الأقصى 2000م أهمية كبرى في الرؤية الإعلامية الثورية التي أرتقت بها وسائلنا الإعلامية المحلية التي عبرت من خلال برامجها الحماسية المتنوعة ومتابعتها المباشرة للأحداث والاجتياحات والتوغلات الإسرائيلية والقصف الجوي على أراضي السلطة الفلسطينية، ، فكانت عبر شبكة مراسليها عيناً يرى خلالها المقاوم أو المرابط على ثغور الوطن عدوه الذي يتربص خلسة، فتحذره من المساكن التي يتسلل أو يتحصن بداخلها وحدات الموت الإسرائيلية الخاصة وتارة أخرى تحذره من وجود طائرات في الأجواء، فتنبه المقاومين، وبهذه الصورة النبيلة الطاهرة يكون قد أدى الإعلام الفلسطيني المحلي دوراً وطنياً في التربية الوطنية الثورية والحربية والثقافية ويكون أدى رسالته الجليلة أمام العالم في نقله لقضيته العادلة وقصة شعب محتل ومظلوم طالما يعاني من ويلات وجرم الاحتلال ، شعب يبحث عن وطن في عالم أغلق عيناه وأصم أذنيه عن الحقيقة ...وبذلك سجلت المراحل السابقة أروع مراحل الإعلام الفلسطيني وسطرها التاريخ القديم والمعاصر في أروع صفحاته لما قدمه من رسالة وطنية وصورة طاهرة نفتخر بها.
فكم تمنينا أن يبقى الإعلام الفلسطيني مستمراً على ما أقسم عليه؛ لا سيما من صون دماء شعبنا المقاوم المرابط ودعم صموده الوطني والتصدي للعدوان الإسرائيلي ولكل المؤامرات التي تحاك ضدنا وإسقاطها، ودحض إدعاءات وزيف الاحتلال وجرائمه البشعة خاصة "البروجندا والشائعات" من أجل استعادة قضيتنا الوطنية والعادلة وجعلها تتصدر صفحات وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية. فهذه فرصتنا وعلينا أن نتضافر على اختلاف مواقعنا لإنجاح الحوار ، وأن نقدم النوايا الخالصة الصادقة للخروج من هذه الإشكالية التي طالت كل أبناء الشعب الواحد، بل هددت مصيره ومستقبله؛ مستقبل الأجيال القادمة والمشروع الوطني برمته، لذا ينبغي أن تتضافر جميع الجهود.. جهود السياسيين والقائمين على المؤسسات الإعلامية العامة والحزبية والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني لحل هذه المعضلة وتخليص المجتمع من هذا الخطاب الإعلامي المأزوم، والأخذ بيده لنشر ثقافة الحوار والتفاهم وعدم إقصاء الآخر وحماية الحريات الصحفية والحق في التعبير، وبهذه المناسبة أتوجه بالتحية إلى : "وكالة معاً الإخبارية وإذاعة القدس وإذاعة فلسطين والشعب و.... غيرهم" وجهود السياسيين في الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم الأخ الأسير المناضل "مروان البرغوثي" ، ورسام الكاريكاتير الفلسطيني "أبو النون" على جهودهم الثمينة والوطنية الداعمة لإنجاح الحوار ، فجميعكم أمام اختبار حقيقي وعليكم أن تنجحوا .
كاتب وباحث
الاثنين، نوفمبر 03، 2008
الإعلام الفلسطيني أمام اختبار حقيقي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق