لِنُضِئْ شَمّعَةً خَيرٌ مِنْ أنّ نَلّعَنَ الظَلاَمْ

سامح عوده

– فلسطين

أدركُ تماما أن الإنسان الفلسطيني مَلَّ الصراخ ، والعويل، والاستجداء، وأدركُ أيضاً أنه كفر بكل المبادئ الإنسانية وبكل المواثيق الدولية التي لم تنصفه، ولم تعد له حقه الذي ضاع مغتصباً، أكثر من ستين عاماً وهو يستمعُ إلى هرطقات لم تجدِ نفعا،ً محقٌ إن كفر بكل المؤتمرات والقرارات التي بقيت مركونةً في إدراج الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الراعية للقانون الدولي الإنساني للغبار قرناً من الزمن، حالة السخط هذه ليست حالةً فردية بل إنها حالة السواد الأعظم من فئات الشعب الفلسطيني الذين انتظروا ضميراً إنسانياً نائماً كي يستفيق من سباته الذي طال، فسباته تحول إلى سكرة موت، محقون في معتقداتهم هذه، فالقانون الدولي الإنساني وخلال ستين عاماً ونيف لم نسمع منه إلا إدانةً خجولةً، أو تنديداً أخجلُ من الخجل نفسه ..!! أشاركهم التخوف لأن النتائج لم تكن بحجم التوقعات ، فالاحتلال بقي احتلالاً وسلب الأرض ونهبها تضاعف أضعافاً مضاعفة، لكنني لستُ مع أي حالة إحباط مهما كانت، ولأننا أصحاب حق وتحت الاحتلال فلا يجب أن ندع الإحباط يجد له مكاناً في أنفسنا، وعلينا استخدام كل الوسائل للخلاص من الاحتلال، فالقناعُ المزيف الذي يلبسه المحتلُ ليجمل به وجهه القبيح يجب أن ينزع، ونظهر للعالم إن لم يكن يدركُ، حجم مجازره وإجرامه بحق المواطنين الفلسطينيين المدنين العزلُ ..

لم يكن هذا التقديم من العبث بل هي مقدمة لفكرة المقال، كنتُ قد شاركت في لقاءٍ في التاسع والعشرين من تشرين الثاني - أكتوبر الماضي في مكتب -محافظة قلقيلية – فلسطيين- رعاه محافظ المحافظة العميد ربيح الخندقجي وكان قد استضاف في اللقاء الدكتورة سحر القواسمي عضو المجلس التشريعي، ومجموعة من ذوي الاختصاص، الدكتورة القواسمي مكلفة من قبل القيادة الفلسطينية بمتابعة ملف الشكاوى الخاص بالمواطنين الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي وجيشه والتي سترفع إلى مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة ، مذهلة المرأة الفلسطينية في عطائها، وكبريائها الذي لا يقهر، لأنها النموذج الحقيقي الذي يجب أن تقتدي به المرأة العربية، الدكتورة القواسمي مذهلةً بطرحها وهي تناقشُ من حضروا بالفكرة التي تناضل من أجلها، فقد كانت زارت عدة محافظات في فلسطين، وقلقيلية واحدةٌ منها، وستكمل دربها إلى محافظات أخرى حتى يتم إعداد ملف شكاوى كامل من كل مواطن فلسطيني ضايقه الاحتلال، استمع الحضور إلى طرح توافق معه الجميع، ويهدف للقيام بحملةٍ تشاركُ فيها كل فئات الشعب الفلسطيني لانجاز ملف الشكاوى الذي سوف يقدم لمجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة .

كثيرة هي محاور الحديث وتفاصيله، فنهجُ الخطاب العلمي المدروس يجعلكَ تغرق في الجزئيات مهما كانت صغيرةً، قضية قالتها الدكتورة القواسمي ما زالت تدقُ أجراسها في ذهني حتى الآن، وهي أن الاحتلال الإسرائيلي تقدم بأكثر من سبعة آلاف شكوى ضد المواطنين الفلسطينيين المدنيين العزل للمؤسسات الدولية الحقوقية، في حين لم يتقدم الفلسطينيون إلا بعدة شكاوٍ لا تتجاوز عدد أصابع اليد، أذهلتني تلك المعلومة لما تحمله بين طياتها من لؤم المحتل ودهائه، فعلاً " إن لم تستحٍ ففعل ما شئت " بعيداً عن الإنشاء والتنظير، والنهج العبثي المضلل، غير مدروس، والجدل المقيت، فالضرورة تقتدي بأن يقدم كل مواطن فلسطيني تعرض للأذى من الاحتلال شكوى فورية، فكل أبواب مكاتب المحافظات مفتوحةٌ لاستقبال تلك الشكاوى، وهناك طواقم في كل المحافظات جاهزةٌ لاستقبالها، ومساعدة المواطن الفلسطيني كي يقدم شكواه خاصة به، ومن المهم أن تُكَثف الجهود لانجاز العمل كما هو متوقع منه، ومن المهم ألايكون الإقبالُ على تقديم الشكاوى في فترة وتنتهي ، المهمة شاقة والعملُ يحتاج إلى وقفةٍ جادةٍ فلا يكون الإقبال آنياً، كسحابة صيف ما لبثت أن أفرغت كل ما حملته في أحشائها من مطر في لحظة ٍ، الحملة بكل تفاصيلها هي عملية توثيق يومية لجرائم الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وان لم تأتِ بنتائج فورية فهي فيها عملية توثيق للذاكرة الإنسانية، لأن جرائم الاحتلال لا تزول بالتقادم ..

نعي جيدا أن حملة الشكاوي التي انطلقت هذه الأيام ربما لن تكون جدواها سريعةً لكنها تسهم إسهاماً حقيقياً في تجنيد رأي دولي ضاغط يدين ممارسات الاحتلال ويدعو إلى مقاطعتها، إن لم يكن نتائج الحملة تلك تؤثر في قرار حكومات غربية فإنها على الأقل سوف تسهم في تبني تلك الفكرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني الغربي، هناك الكثير من الجامعات الغربية بدأت بوقف التعامل مع الجامعات الإسرائيلية والشخصيات الأكاديمية الإسرائيلية بوصفهم رموز من رموزاً الاحتلال، ويوجد العديد من نقابات العمال في العالم شكلت موقفاً ضاغطاً على حكوماتها وعلى أعضائها بعدم التعامل مع إسرائيل كونها دولة للاحتلال تنتهك حقوق الإنسان باستمرار، ترتقي إلى ضرورة تقديم قادتها إلى محاكم دولية بتهم جرائم الحرب .

العام 2008 م كان مميزاً بعض الشيء فقد ظهرت أصوات من داخل المؤسسة الدولية بانتقاد إسرائيل كونها دولة احتلال، تمارس والقهر، والقتل، المنظم بحق المدنين الفلسطينيين، وقد كان من أبرزها انتقادات " جون بوغرد " مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، الذي قدم انتقادات لاذعة للمؤسسة الدولية، والأمم المتحدة، والرباعية الدولية، واتهمهم بالانحياز لإسرائيل، وأكد أن هذه الانتقادات جاءت لتجاهلهم للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني، مثل هذا التصريح وجد ردود في وسائل الإعلام العالمية، وأسهم في خلق رأي عام عالمي ضد توجهات إسرائيل مؤسساتياً في المجتمع الغربي.

كما أن المبعوث الدولي الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية قدم تقريره الخاص خلال الشهر الماضي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أكد فيه أن الاحتلال الإسرائيلي لمدة أربعين عاماً ، يتسم بخصائص الاستعمار، فهو عنصري، واستيطاني، ويشكل تهديداً كبيراً للسلام وحق تقرير المصير، التقرير متكامل ويرصد الخروقات الإسرائيلية، ويقترح خطوات للمعالجة ..

المناخ الدولي معبأ ضد إسرائيل وكل خطوة مدروسة بشكل علمي منظم يمكن لها أن تسهم في كسب المجتمعات المدنية الغربية، التي تساهم دولها في تقديم مساعدات وبناء علاقات مع إسرائيل ، بالتالي الحملة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية بتقديم شكاوى يومية من قبل المواطنين الفلسطينيين ضد إسرائيل، وتباشر الإشراف عليها ومتابعتها على الأرض الدكتورة سحر القواسمي، والطاقم العامل معها هي خطوة نحو الأمام، وعلينا كفلسطينيين، وعرب، ومسلمين، تقديم كل الإمكانات اللازمة لإنجاحها، رسمياً وشعبياً، تبدأ من الإعلام، الذي يرقص على جراحنا ويقتلنا في كل لحظة ٍ ألف مرة ومرة، ففي الأفق شعلة نور وسط ظلام دامس أسدل ستائره على الفلسطينيين ، تحتاج تلك الشعلة لمن يحميها من الانطفاء، فلنضئ لها شموعاً، ولنسرجُ كل إمكانياتنا زيتاً يُسّرَجْ في قناديلها، كي تنطلق وتستمر فقد مللنا من لعن الظلام .