العرب وتقرير العالم 2025

راسم عبيدات

.........هذا التقرير الذي نشرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية،والذي جاء حصيلة دراسة موسعة للأحوال الدولية اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً وعسكرياً،يعتبر وثيقة على درجة عالية من الأهمية،لأنه يرسم ملامح لما ستكون عليه الأوضاع الكونية والعالمية حتى تلك الفترة، والمهم قوله هنا أنه في الخلاصات والاستنتاجات التي يصل إليها التقرير في كل الجوانب والميادين،لم يأتي على ذكر أي دور للعرب في كل هذه التطورات والمتغيرات الدولية،وهذا يعني بالملموس أنه حتى تلك الفترة،فالعرب خارج الفعل والتأثير ليس في الشأن الدولي والإقليمي،بل وحتى في الشؤون المتعلقة بمصائرهم،وبالتالي ليس لديهم مؤتمرات إستراتيجية كمؤتمر هرتسيليا السنوي،والذي تعقده إسرائيل،وتحضره النخبة من سياسيين وأكاديميين وخبراء ومستشارين،لدراسة التحديات التي تواجها الدولة العبرية وسبل مواجهة هذه التحديات،فهم يرهنون مصائرهم وقراراتهم السياسية إلى الغير لكي يقرروا فيها،وبفقدان الخيار العسكري وغياب التنمية والديمقراطية وسيادة الجهل والتخلف والفقر والأمية، فهم أعجز من يكونوا حتى مجرد"برغي" في عجلة النظام العالمي الجديد،والمتابع للحالة والمشهد العربي،يجد أنها على درجة عالية من المأساوية،حيث منذ أكثر من ست سنوات وهم ينظرون لما يسمى بالمبادرة العربية للسلام،والتي كل مرة تركلها وتمزقها إسرائيل بالفعل العسكري،وبما يسقط ورقة التوت عن عورات هذه الأنظمة،والتي ربما وجدت ضالتها في تنظيرات"بيرس" لهذه المبادرة،مما شجعها على إعادة النفخ فيها عبر حوارات مغلفة بالدين والأكاديميا،وإعلانات في الصحف الإسرائيلية،لعل وعسى إسرائيل تقبل بها حتى في صيغها المعدلة واعتراضاتها عليها.

وبالعودة إلى التقرير الأمريكي فهو أشار بوضوح إلى انكماش في القوة الأمريكية،وهذه مردة بالأساس إلى الفشل الاستراتيجي الذي منيت به استراتيجيات المحافظين الجدد من بوش الأب وحتى بوش الابن،والقائمة على منطق فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بالقوة ،ومنع نشوء قوى قطبية منافسة أخرى،ورأينا كيف شنت أمريكا سلسلة من الحروب الاستباقية التدميرية،والتي طالت العراق وأفغانستان،وسعت أمريكا إلى تنصيب نفسها كشرطي للعالم،تعاقب من تشاء وتسامح من تشاء،مستغلة انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية،وفي إطار هذا السعي كرست هيمنة مطلقة لإسرائيل على منطقة الشرق الأوسط،وجعلتها سيفاً مسلطاً على رقاب زعامات النظام الرسمي العربي،وقسمت العالم إلى محور "خير" تقف هي على رأسه،ومحور "شر وإرهاب"،صنفت ضمنه كل الذين يقفون ويعارضون سياسياتها واستراتيجياتها.

ولكن مشروع الهيمنة والإمبراطورية الأمريكية ذات السيطرة المطلقة،والذي بدء الاختبار به في المنطقة العربية،من حملة عاصفة الصحراء ومروراً بعقد مؤتمر مدريد للسلام وغزو أفغانستان واحتلال العراق وحصار فلسطين وضرب المقاومة اللبنانية،ومحاولات عزل وإنهاك سوريا وإيران،وبناء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد ومن ثم الكبير والذي نظرت له إسرائيل وأمريكا،واجه الكثير من الاستعصاءات والمقاومة،والتي وصلت حد الهزيمة الكاملة لهذه المشاريع على يد المقاومة اللبنانية عقب الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل بالوكالة عن أمريكا على لبنان في تموز /2006،وكذلك فشل محاولات عزل سوريا وإيران،وتصفية حركات الممانعة والمقاومة العربية في العراق وفلسطين ولبنان،وتوج كل ذلك بالصفعة القوية التي وجهتها روسيا إلى أمريكا في الحرب الروسية- الجورجية،والتي كانت أمريكا تخطط من خلالها،لتوجيه ضربة قاسمة للقوة الصاروخية الروسية،والتعدي على مصالحها الإستراتيجية في عقر دارها وغرف نومها الداخلية،أضف إلى كل ذلك الأزمة المالية العالمية،والتي كشفت عمق أزمة النظام الرأسمالي،والتي تنذر بأزمة اقتصادية عالمية على نحو أسوء وأطول من الأزمة الاقتصادية عام 1929.

والخلاصات المتضمنة في التقرير من الطبيعي أن تسهم في تكوين وصياغة السياسات الأمريكية وخطط العشرين سنة القادمة بروحية استرجاع السيطرة الأمريكية في كل المجالات.

ولعل أهم ما خلص اليه هذا التقرير،عدا عن الانكماش في القوة العسكرية الأمريكية،أنه أشار إلى أن العالم ستختفي منه أحادية القطبية،وسيصبح عالم متعدد القطبية،وفي هذا الجانب ستبرز الصين كقوة اقتصادية وعسكرية عالمياً وكذلك الهند،وهناك عدد من الدول ستصبح قوى لها دور بارز على الصعيد الإقليمي وخص التقرير بالذكر إيران وتركيا وإندونيسيا، ورغم أن التقرير أشار إلى حصول تطور في الاتحاد الأوربي وقوته الاقتصادية،إلا أن التقرير لم يشر إلى تغير مكانته كقوة قطبية كحال الصين،وربما نرجع ذلك أن الأزمة المالية العالمية والتي عصفت بالاقتصاد الأمريكي ستلقي بظلالها على الاقتصاد الأوروبي،والتقرير كان ضبابي وغير واضح فيما يتعلق بروسيا،هل ستتمكن من استعادة دورها وكقوتها ومكانتها كقوة قطبية ،بعد الخسارة التي منيت بها بعد انتهاء الحرب الباردة؟ وهل ستتمكن من حسم الصراع مع حلف الأطلسي وتستعيد مناطق نفوذها بالذات في أوروبا الشرقية،والتي خسرتها بفعل الانهيار،وربما تكون مؤشرات النجاح الروسي في القضية الجورجية،مؤشراً على بداية استعادة للدور الروسي،ولكن هذا رهن باستعادة روسيا لعافيتها الاقتصادية وصوغ تحالفاتها على نحو جديد وبما يخدم أهدافها ومصالحها الإستراتيجية.

ولعل من المهم جداً قوله أن التقرير أشار لأول مرة إلى حدوث متغير عالمي على درجة عالية من الأهمية،ألا وهو عملية انتقال الثروة من الشرق إلى الغرب،هذا المتغير ينبأ بحدوث تغيرات وتطورات دولية كثيرة،فطوال ثلاث عقود سابقة،والتي كانت مهدت لقيام الثورة الصناعية،وعملية استعمار وغزو واحتلالات عسكرية قامت بها أوروبا للشرق بهدف السيطرة ونهب خيراته وثرواته.

ومن هنا نرى أن هناك من يبني ويعلق الآمال على الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة"أوباما" نحو حدوث تغيرات جدية في السياسة الأمريكية.،متجاهلاً أن أمريكا قوة استعمارية في عهد بوش وقوة استعمارية في عهد"أوباما" وما يهما بالدرجة الأولى مصالحها،وبالتالي من يعتقد أو يتوهم أنها ستكون أكثر إنصافا وتفهماً للمصالح العربية فهو واهم وربما يحلق في الخيال،فهي في المشرق العربي ملتزمة بمشروع الهيمنة المطلقة لإسرائيل في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.