سعيد الحمد
– اعلامي وكاتب من البحرين
هذه حقيقة الحقائق في المسألة الديمقراطية... اذن لنتواضع قليلا مع انفسنا في عالمنا العربي ولا نزايد في كل شاردة وواردة وفي كل صغيرة وكبيرة على الديمقراطيات التي سبقتنا بعقود وبحقب طويلة ونرمي ديمقراطيتها بدائنا لننسل خارجا من اللعبة وكأننا »ختمنا« سفر اسفار الديمقراطية في عالم عربي لا يمكن بأي حال من الاحوال الزعم بتاريخه الديمقراطي او بتراثه الديمقراطي.. لذا فإن التواضع واجب مع النفس ومع الآخرين حتى لا نقع في الوهم.
وقبل ان نرمي ديمقراطيات الآخرين لنسأل انفسنا كيف يمكن لديمقراطية عالمنا العربي ان تنهض على برامج ومشاريع قوى سياسية مازالت تعتبر الديمقراطية »مفسدة صغرى« قبلوا بها على مضض لدرء »مفسدة كبرى«، فمن ينظر ومن يتعامل مع الديمقراطية بوصفها مفسدة لا يمكن له ولا يمكن ان تصدر منه قوانين ومقترحات ومشروعات تنهض بالشرط الديمقراطي وتهيئ لاجواء ديمقراطية كونه يعتبرها »الديمقراطية« شراً لابد منه ولابد من اتقائه »هذا الشر« بقوانين تخفف شره!!.
من يراقب الديمقراطيين الطارئين الذين ركبوا موجة الديمقراطية في عالمنا العربي واعتلوا الكراسي والمراسي في برلماناتنا الجديدة والوليدة سوف يرى العجب العجاب من ديمقراطيتهم الانتقائية والمزاجية من حزمة القوانين والمشاريع التي يدفعون بها تحت القبة العربية البرلمانية باسم الديمقراطية لكنها »ديمقراطيتهم« الخاصة التي يفصلونها على مقاسات نظرتهم الاساسية والاولى للديمقراطية بوصفها »مفسدة صغرى«، فماذا نتوقع من قوانين ومشاريع تفصل على مقاسات »المفسدة الصغرى« لا شك انها ستحد من هذه »المفسدة« وتضيق عليها الخناق حتى لا تتنفس.. أليس كذلك؟؟
بمعنى آخر لا يمكن التعويل والاعتماد على نهوض ديمقراطي اصيل على »الديمقراطيين الطارئين« الذين التحقوا بالركب الديمقراطي في عالمنا العربي ليسايروا التحول فقط فيما ظلت افكارهم ومواقفهم من الديمقراطية كما هي لم تتغير ولن تتغير، وما تغير هو الثوب الخارجي او القشرة الخارجية في ظروف وفي مناخات عربية مهووسة بالقشور وبالمظاهر او بالادق في ظروف وفي مناخات وفي وضعية عربية عنوان ثقافتها المظاهر والقشور بما ساعد على ارتقاء هؤلاء مقاعد معظم البرلمانات العربية ان لم يكن جميعها وهم يحملون داخلهم موقفاً مناهضا واحيانا معاديا للديمقراطية.. ولعلنا في هذا السياق نحتاج لان نتذكر ما قاله »الديمقراطيون الطارئون« عندما وصلوا باغلبية الى البرلمان الجزائري من انها »آخر انتخابات تجري في الجزائر«. نكتب هذا الكلام ونحن نسمع تململاً ونقرأ ما يشبه عبارات الندم تعبّر عن واقع يخلط ما بين الديمقراطية بوصفها منهجا سلميا وعلميا للمشاركة في البناء والتنمية والتطوير وما بين نماذج »الديمقراطيين« العرب الذين وصلوا الى البرلمان ومقاعد النيابة البرلمانية فأمطروا عالمنا العربي بمشاريع تناهض التطور وتقف ضد العصرنة والتقدم فأصابوا المواطنين العرب باليأس والاحباط من الديمقراطية، والديمقراطية من امثال الطارئين بُراء.
وينسى المواطن العربي في غمرة تحميله للديمقراطية خيبته بأن صوته هو الذي جاء بالديمقراطيين الطارئين ومكنهم من جميع مقاعد البرلمان العربية واعطاهم النفوذ والمساحات لصياغة وتمرير قوانين ومشاريع مناهضة ومعادية للديمقراطية بوصفها »ام الحريات المدنية التي قصفها وقمعها الطارئون على الديمقراطية«. وبالتالي فالمواطن العربي بدلاً من ان يندب حظه في الديمقراطية وبدلا من ان يلقي فوق شماعتها يأسه واحباطه عليه ان يواجه ذاته ونفسه بالسؤال الكبير »من اتى بهؤلاء الى الكراسي والمراسي البرلمانية؟« ومن اعطاهم »السلطة التشريعية« ليشرعوا ويسنوا مثل هذه القوانين والمشاريع.
بمعنى مباشر لا ينبعي ان نمارس في عالنا العربي وفي القواعد الشعبية والاجتماعية العريضة سياسة الهروب من مسؤولياتنا بإلقاء التبعات على الديمقراطية.. ولكن علينا ان نبحث عن الاسباب فينا وفي خياراتنا وفي اصواتنا يوم الانتخابات لمن ذهبت.. وبعد ذلك سنعرف من نلوم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق