رايس وحوار الراحلين

راسم عبيدات
للمرة الثامنة منذ عقد مؤتمر أنابولس"للسلام" في شهر تشرين الثاني من العام الماضي،ذلك المؤتمر الذي راهن عليه الكثيرون بأن يضع أسس لعملية سلام بين الشعب الفلسطيني والإسرائيليين تقوم على أساس إقامة دولتين متجاورتين مستقلتين،ولكن كما يتضح من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية"رايس"والقادمة للمنطقة للمرة الثامنة ،أنه بعض مرور عام على عقد ذلك المؤتمر،فإن إمكانية عقد اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى في إطار اتفاق سقف أو إعلان مبادئ غير ممكنة والنتيجة تقارب الصفر،وهي تعزو ذلك إلى عدم الوضوح السياسي في إسرائيل،وحسب قولها وتصريحاتها فإن ذلك سيستمر حتى العاشر من شباط من العام القادم،أي موعد الانتخابات الإسرائيلية،ومن بعد ذلك فصورة الخارطة السياسية في إسرائيل لن تستقر قبيل شهر أيار من العام القادم،والتي من المحتمل جداً أن تكون أكثر يمينية من الحكومة الإسرائيلية الحالية،وكما عودنا الإسرائيليين أنه مع تشكل كل حكومة جديدة،يجري فتح الملفات والقضايا التي جرى الاتفاق عليها،ويصبح المطلوب التفاوض على القضايا المتفاوض عليها،ونحن خبرنا ذلك جيداً في اتفاقيات أوسلو،والتي عندما وصل زعيم حزب الليكود الحالي "نتنياهو " إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل عام 1996، رفض تطبيقها والالتزام بها،واليوم مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية،وتوقع فوز الليكود برئاسة "نتنياهو" بها،فإن حصيلة ما جرى الاتفاق عليه في حوارات الراحلين من الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية والسلطة الفلسطينية،لن يجري الالتزام به،بل سيجري فتح الملفات من جديد والتفاوض على المتفاوض عليه،وهذا يعني باختصار جولات من المفاوضات المارثونية والعبثية،ومبادرات وقمم ومؤتمرات من هنا وهناك في إطار المشاغلات والعلاقات العامة،والإبقاء على الحركة مستمرة،وعلى قاعدة " مفاوضات والنتيجة هي الصفر مهما كانت الآلة الضاربة"،ولكن هذا الصفر خاص بالعرب والفلسطينيين وحدهم،فهم لأنهم أسقطوا وتخلوا عن كل الخيارات الأخرى من مقاومة وغيرها،إلا خيار المفاوضات هذا الخيار الذي يثبت يومياً وبالفعل والممارسة عقمه وعدم جدواه،بل يجري استغلاله من قبل إسرائيل،لتطبيق خططها وبرامجها واستراتيجياتها وبما لا يبقي شيئاً من أجل التفاوض عليه،والشيء المستغرب أنه بعد خمسة عشر عام من اختبار وتجريب هذا النهج،ورغم حالة التنازلات العربية والفلسطينية المستمرة والمتواصلة،فإسرائيل ترفض وتستمر في الرفض،حتى القبول بتسويات هزيلة لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،ولكن البعض عربياً وفلسطينياً ما أن فاز"أوباما" في الرئاسة الأمريكية حتى ابتهجت أساريره،وبدأ الحديث عن بداية تغير جدي في السياسة الأمريكية،رغم أن ذلك لا يمت للحقيقة بصلة،فعدا عن أن "رايس" أكدت على التزام أمريكا بأمن إسرائيل،وأن الموقف منها لن يتغير بتغير الإدارات الأمريكية، فتباشير هذا "التغير" جاءت عن طريق "أوباما" نفسه والذي يبني العرب والفلسطينيون أوهامهم عليه،بان عين أحد النواب الديمقراطيين اليهود "رام ايمانويل" الموغل في الصهيونية والذي كان والداه أعضاء في عصابة"الأرغون الصهيونية" مديراً لمكتب البيت الأبيض،وأنا قانع جداً بأن الكثيرين من عرب الاعتدال وأطراف فلسطينية،سيواصلون التمسك بالمفاوضات وحتى على قاعدة "عنزة ولو طارت"،فهؤلاء لم يسقطوا خيار المقاومة فقط،بل خصوا هذا الخيار وشنوا حرباً شعواء عليه،ناهيك عن حملة من التحريض والتشكيك على رافعي لوائه والداعين والمتمسكين به.

ان"رايس" القادمة للمنطقة للمرة الثامنة لا تحمل في جعبتها شيئاً بل ستعقد سلسلة من اللقاءات الروتنية مع أصدقائها وشركائها من الراحلين"أولمرت وليفني" وعباس،وهي تريد كما تقول أن تبقي على زخم المفاوضات قائمة،رغم أن النتيجة صفر والقول لها طبعاً،ولكن هذا الزخم الذي تتحدث عنه "رايس"،كيف سيستقيم ذلك مع ما تنفذه إسرائيل على الأرض من إجراءات وممارسات تدمر كل شيء؟، فقبل عدة أيام من انتخابات ما يسمى ببلدية القدس قامت جرافات الاحتلال بهدم أربعة منازل عربية في القدس الشرقية بحجة عدم الترخيص،وكذلك قامت بنبش قبور المسلمين في مقبرة مأمن الله في القدس الغربية وأقامت فوقها ما يسمى بمتحف التسامح،والاستعدادات تجري على قدم وساق لافتتاح أعلى كنيس مقبب في البلدة القديمة بجوار المسجد الأقصى .

ومن هنا فإنه بات من الملح والضروري جداً،من كل الأطراف العربية والفلسطينية،أن تعلن بشكل واضح وصريح بأن هذا النهج وهذا الخيار قد سقطا إلى غير رجعة.

ومن غير المعقول أن نستمر في رهن تحقيق أهدافنا ومصالحنا إلى نتائج انتخابات أمريكية أو إسرائيلية،والدوران في نفس المتاهات والحلقات المفرغة،فهذا لن يزيد الأوضاع فلسطينياً وعربياً،إلا مزيداً من الضعف والانهيار والشرذمة،فالحالة الفلسطينية الآن في أسوء أوضاعها،حيث حالة الشرذمة والانقسام بشقيها الجغرافي والسياسي تتعمق،والأوضاع ستتجه نحو المزيد من التفتت والتبدد والضياع،وخاصة إذا لم تنجح حوارات القاهرة في لم الشمل،وإنهاء حالة الشرذمة والانقسام،فالإخبار والمعطيات الواردة من هناك وعلى لسان أكثر من مسؤول فلسطيني،تشير إلى تعثر المباحثات والمفاوضات والكثير من العوائق أمام الحوار.

ولذلك على الجميع أن يتحلى بأعلى درجات المسؤولية،من أجل أن يخرج هذا الحوار باتفاق فلسطيني،يضع المصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق المصالح الضيقة الحزبية والفئوية،وأي تأخير في تحقيق هذا المنجز،ستكون نتائجه كارثية على الجميع وليس طرف دون آخر،والرابح الوحيد هو إسرائيل،فعدا عن أنها معنية باستمرار حالة الضعف والانقسام الفلسطينية،فهي تستغل ذلك في تنفيذ خططها ومشاريعها على الأرض،وبما يكمل من مخططات الأسرلة والتهويد.

وحوار الراحلين هؤلاء من أمريكان وإسرائيليين، سيتكرر ليس مرة بل مرات،وعلى نفس المنوال والطريقة،ومن إدارة إلى أخرى،ومن عودة لنفس المربعات،من نقطة البداية والصفر،وبما يخدم إسرائيل ومصالحها ومخططاتها،وبما يضيع المزيد من الأرض والحقوق.

فقد آن الأوان للجميع أن يصحو وأن يجربوا خيارات أخرى أثبتت صحتها وجدواها في الأرض والميدان،فجنوب لبنان لم يتحرر سوى بالمقاومة وليس المفاوضات،وكذلك الأسرى اللبنانيين وعلى رأسهم عميد الأسرى العرب واللبنانيين سمير القنطار،لم يتحرر سوى بالمقاومة أيضاً،والاحتلال لم يرحل عن غزة سوى بالمقاومة.