نقولا ناصر
(ان الاجراءات السورية لسد اي بوابة اردنية للتسلل الاسرائيلي تتصاعد طرديا مع النمو المتزايد في التبادل التجاري الاردني الاسرائيلي ، فهل هناك اردنيون حقا يشترون اراض سورية لمصلحة اسرائيليين ؟)
لقد فتحت القيادتان الجديدتان للملك عبد الله الثاني في الاردن عام 1999 وللرئيس بشار الاسد في سوريا العام التالي صفحة تعاون وتواصل ثنائي على ارفع المستويات بعد عقود كان القطران الشقيقان في معظمها في خندقين متقابلين تداخلا في اشتباك سياسي مرات وامني مرات اخرى ومرة عسكري لكن المستجدات في الوضع الاقليمي والدولي ، مثل انتهاء الحرب الباردة الغربية السوفياتية التي قسمت العرب عربين والاجماع العربي الرسمي على السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي كخيار استراتيجي الذي انهى بدوره الانقسام العربي بين من يؤيدون "الثورة الفلسطينية" وبين من يؤيدون "الدولة الفلسطينية" ، قد اسقطت عمليا اسبابا موضوعية للتخندق المتقابل للقطرين بينما اثبتت العلاقات الثنائية انها اقوى من ان لا تستطيع احتواء اختلافات طبيعية حول قضايا مثل الازمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني والاحتلال الاميركي للعراق وعلاقات كل من الطرفين مع الولايات المتحدة الاميركية وايران .
وفي هذه الشبكة المعقدة المتداخلة للعلاقات الثنائية يلفت نظر المراقب ملاحظتان اولاهما ايجابية وتتمثل في ان كل التقلبات في العلاقات السياسية لم تؤثر بشكل جوهري في التواصل الاقتصادي والاجتماعي بين الشعبين الشقيقين وثانيتهما سلبية وتتمثل في ان انفراد الاردن بتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل قد حلت في تطبيقاتها العملية محل الاسباب التي اسقطتها المستجدات لتوتر العلاقات الثنائية لانها انهت حالة الحرب بين المملكة وبين دولة الاحتلال بينما ما زالت حالة الحرب قائمة بين هذه الدولة وبين سوريا .
وبالرغم من انضمام القطرين الى الاجماع العربي على السلام وبالرغم من صمت المدافع على الجبهة السورية منذ حرب تشرين / اكتوبر عام 1973 وبالرغم من الصفحة الجديدة الايجابية في العلاقات السورية الاردنية ونجاحها في احتواء مضاعفات توقيع معاهدة وادي عربة على العلاقات الثنائية وبالرغم من التفاوض السوري السابق مع دولة الاحتلال وجولات المفاوضات غير المباشرة الجارية حاليا بوساطة تركية وبالرغم من الالتزام السوري الصارم بالقانون الدولي واحترام ما توقعه الدولة السورية من اتفاقيات حتى مع دولة الاحتلال فان الحقيقة التي لا تستطيع كل المؤشرات السابقة وغيرها حجبها هي ان سوريا ما زالت في حالة حرب مع اسرائيل وما زالت اراضيها محتلة وما زالت مصرة على عدم التخلي عن حقها في الدفاع وفي استخدام كل الخيارات التي يمنحها لها ميثاق الامم المتحدة لتحرير ارضها وما الاختلافات الاردنية السورية حول الازمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني الا مظهر متوقع ومنطقي لوجود احد الطرفين في حالة سلم مع دولة الاحتلال ووجود الطرف الاخر في حالة حرب معها .
ونتيجة لذلك لا بد وان تظهر بين وقت واخر فترات تماس او احتكاك نتيجة للتطبيقات العملية لحالة السلم في الاردن ولحالة الحرب في سوريا والضمانة الوحيدة لاحتوائها كي لا توتر العلاقات الثنائية هي صفحة التعاون والتواصل على ارفع المستويات التي تعززت بقمة دمشق التاريخية بين الملك عبد الله وبين الرئيس الاسد في تشرين الثاني / نوفمبر في السنة الماضية وما اعقبها من اتصالات رفيعة المستوى سواء للمتابعة مثل زيارة وزير الخارجية السوري لعمان في الشهر الاخير من العام المنصرم او للتواصل والتضامن مثل الزيارة التي قام بها رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي ومدير المخابرات العامة محمد الذهبي لدمشق بعد العدوان الاميركي الدموي على قرية السكرية في الجزيرة السورية اواخر الشهر الماضي .
ويلاحظ في التطبيقات العملية لمعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية وجود الامكانيات الواقعية التي يكاد يكون من الصعب مراقبتها ومن المستحيل منعها لعدم احترام دولة الاحتلال للسيادة الاردنية او لروح معاهدة السلام ونصوصها -- كما ثبت في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الاردنية عام 1997 -- بمحاولات اسرائيلية لا تتوقف لتحويل الاردن الى معبر للمصالح والاستخبارات والدبلوماسية والسلع الاسرائيلية الى الدول العربية الشقيقة التي ما زالت في حالة حرب ، رسميا في الاقل ، مع دولة الاحتلال ، واذا كان العديد من الدول الشقيقة ومواطنوها بدورهم يقيمون علاقات تجارية وغير تجارية مع دولة الاحتلال ويجدون في المعاهدة الاردنية معها تسهيلا لعلاقاتهم فان الامر مختلف بل على النقيض في الحالة السورية .
واذا لم يكن الاردن هو الممر العربي الوحيد الذي تحاول دولة الاحتلال تحويله الى معبر كهذا ، حيث توفر لها معاهدة مماثلة معبرا مصريا بينما حوالي ثمانية مكاتب تجارية في عواصم عربية توفر لها معبرا ثانيا وعضوية دول مثل المملكة العربية السعودية في منظمة التجارة العالمية تجعل من الصعب جدا عليها اغلاق الباب تماما في وجهها ، ناهيك عن المعبرين التركي والقبرصي بصفة خاصة ، فان هذا المسعى الاسرائيلي المتواصل في الاردن اذا ما تفاقم فانه في الحالة السورية الخاصة يهدد التواصل الاقتصادي والاجتماعي الاردني السوري الذي كان الايجابية الوحيدة التي استمرت بالرغم من كل التقلبات السياسية في العلاقات الثنائية .
فالاجراءات السورية لسد اي بوابة اردنية للتسلل الاسرائيلي تتصاعد طرديا مع النمو المتزايد في التبادل التجاري الاردني الاسرائيلي ، الذي يزيد حجمه حاليا على (300) مليون دولار اميركي ، ويمكن التذكير على سبيل المثال بما طلبته السلطات الحكومية في دمشق في الشهر الثالث من العام الماضي من ضرورة تضمين شهادات المنشأ المنظمة بالبضائع الأردنية المصدرة إلى الجمهورية العربية السورية تفصيلاً للمدخلات الاجنبية والمحلية لكل صنف على حدة ، ومع ان مراجعة مجالات التبادل الاردني الاسرائيلي التي بحثها (160) رجل اعمال من الجانبين في مؤتمر عقدوه في بيسان في تشرين الاول / اكتوبر الماضي لم تظهر أي تعاون استثماري مشترك في الاراضي والعقارات ولا ظهر اي استثمار مماثل في تقرير رسمي اعدته مديرية المشاريع والمتابعة في مؤسسة تشجيع الاستثمار الاردنية ونشرته الزميلة "السبيل" مؤخرا وكشف ان مجموع حجم الاستثمار الاسرائيلي في الشركات والاستثمارات الأردنية والتي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار هو 17 مليون و 592520 ديناراً تتوزع على 28 شركة بقطاعات مختلفة ، فان تقريرا سوريا يحتاج الى توضيح اردني من السلطات المعنية قد اقترح وجود اردنيين حالت القوانين الاردنية المشددة الخاصة ببيع الاراضي وشرائها دونهم والاستثمار المشترك مع اسرائيليين في تجارة الاراضي داخل المملكة فتحولوا الى سوريا .
ففي الحادي عشر من الشهر الجاري نشرت جريدة قاسيون الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوري تقريرا في افتتاحية لها عن مرسوم بالقانون السوري رقم (49) الذي "تضمن شروطا قاسية جدا على عمليات بيع واستثمار الاراضي والعقارات في المناطق الحدودية (بعمق 25 كيلومترا) ، وفرض عقوبات بالسجن والغرامة على كل مخالفيه" وتوقعت الجريدة ان "تكون له نتائج سيئة اقتصادية واجتماعية على مئات الآلاف من المواطنين السوريين ، بالنظر لأنه سيؤدي إلى ما يشبه حالة "الركود" في قطاع العقارات والقطاع الزراعي في تلك المناطق" بعد ان قدمت اجهزة المخابرات السورية "ادلة قاطعة" تثبت ان الإسرائيليين تمكنوا فعلا من شراء مئات الهيكتارات في اربع مناطق سورية عبر وكلاء لهم يحملون جنسيات عربية قطرية واردنية" .
ونسبت قاسيون الى "القاضي الذي كان له دور في صياغة مسودة القانون 49" قوله ان "المسالة بدات بعد صدور قوانين الانفتاح الاقتصادي التي تسمح للاجانب والعرب بالتملك والاستثمار في سوريا ، سواء مباشرة او عبر شركاء سوريين . وخلال العام 2007 وحده سجلت الاجهزة الامنية المعنية حصول اكثر من خمسمئة عملية شراء واستثمار "مشبوهة" على ايدي مواطنين عرب تبين ان لقسم كبير منهم علاقات مع رجال اعمال إسرائيليين" لتضيف بان القاضي وصف "ما حصل بانه شبيه تماما بما كانت تقوم به "الوكالة اليهودية" قبل نشوء اسرائيل ، لجهة شراء اراض في فلسطين من ملاكين محليين بتسهيلات من السلطنة العثمانية سابقا والانتداب البريطاني لاحقا . بل انهم اشتروا ـ كما اصبح معروفا ـ اراض في منطقة حوران وإلى الجنوب من دمشق بـ 35 كم خلال فترة الانتداب الفرنسي (في العام 1924) ، وهو ما تسعى اسرائيل (من خلال الوكالة اليهودية) الى تثبيته عبر اقامة دعوى ضد الحكومة السورية بوكالة منها لشركة محاماة في لندن" .
وفي التفاصيل ذكرت قاسيون انه "على امتداد الجهة الغربية من الحدود مع الاردن ، اي من المنطقة التابعة لناحية "الشجرة" غربا إلى مقابل بلدة "امتان" في محافظة السويداء ، وهي منطقة يتجاوز طولها حوالي 150 كم ، سجلت عمليات شراء لاراض زراعية واخرى خاصة بالبناء تتجاوز مساحتها الإجمالية 2000 (الفي دونم) ، تبين ان خمسة على الاقل ممن اشتروها شركاء لرجال اعمال اسرائيليين يستثمرون في منطقة الاستثمار الاردني ـ الاسرائيلي المشترك في مدينة اربد ، المعروفة اختصارا باسم الـ "كويز" . وقد لفت انتباه السلطات الامنية السورية ان هؤلاء قاموا في الآن نفسه بشراء مساحات في منطقتي "الصريح" و"الحصن" جنوبي مدينة اربد الاردنية . كما انهم شركاء غير مباشرين ل ... جهات اخرى في السلطة الفلسطينية لها علاقات وثيقة مع اسرائيل يقومون جميعا ، وبعيدا عن الاعين و الاعلام ، بشراء اراض وتجهيز بنيتها التحتية في منطقة "المفرق" الاردنية المتاخمة للحدود السورية من اجل توطين عشرات الألوف من الفلسطينيين اللبنانيين مستقبلا" .
و"في منطقة محافظة القنيطرة تم تسجيل عمليات شراء واسعة للاراضي من قبل اردنيين وقطريين ، وبشكل خاص في مناطق: "عرنة" و "خان أرنبة" و "جبا" و"قلعة جندل" في القطاع الشمالي (سفوح جبل الشيخ) ، و مناطق اخرى في القطاع الجنوبي التي تتداخل مع اراضي محافظة درعا ، وتعتبر جزءا من حوض التغذية المائية الخاصة بنهر اليرموك . وقال القاضي: الملاحظ ان معظم العقارات التي شملتها عمليات الشراء في محافظة القنيطرة تتميز بانها ذات طبيعة استراتيجية ، سواء من الناحية العسكرية او من ناحية علاقتها بالاحواض المائية الجوفية او السطحية" .
ان القضايا الخطيرة التي يثيرها تقرير قاسيون جديرة بتوضيح رسمي ، اردني وفلسطيني ، بغض النظر عن اي تقويم رسمي للجريدة نفسها ، خصوصا وان الكثير من هذه القضايا يجري التهامس بها في الشارع الاردني ذاته ، كما ان تسليط الاضواء اعلاميا على مثل هذه القضايا لا ينتقص باي شكل من دور قطاع رجال الاعمال الاردني الذي لا يقل انتماء وطنيا عن حكومته ، لكن في المفاصل الحاسمة من تاريخ الامم والشعوب توجد هناك دائما قلة معزولة معدودة على الاصابع تشذ عن الاجماع الوطني ربما لتثبت بان الطمع في الربح لا وطن له ولا انتماء ولا اخلاق .
وفي الاردن ما يكفي من الكفاءات القانونية والبرلمانية لوضع صيغة قانونية رادعة لمثل هذه القلة ان وجدت ، او يمكن ان تظهر اذا لم تكن موجودة وكان تقرير قاسيون ظالما ، فالاذى الذي يمكن ان تلحقه قلة كهذه بالعلاقات الثنائية مع سوريا وبمصالح الاغلبية من الاردنيين والسوريين الذين لهم مصلحة حيوية في ان تكون هذه العلاقات على خير ما يرام وفي ان يستمر التواصل الاقتصادي بين الشعبين الشقيقين والجارين لا يمكن ان يقارن ببضعة الاف من الدنانير او الدولارات يجنيها زيد او عمرو من صفقة اراض هنا او هناك في القطر الشقيق طمعا او نتيجة ضعف او انعدام الانتماء الوطني والقومي او جهلا سياسيا بان الاردن لم يوقع معاهدته مع دولة الاحتلال الاسرائيلي على حساب علاقاته العربية او غير العربية ، دون ان تفوت الاشارة هنا الى ان البائع السوري لا يقل مسؤولية عن المشتري الاردني والى ان التوعية الرسمية الوطنية والقومية السورية لا تقل فشلا عن مثيلتها الاردنية في الوصول الى هذه مثل هذه القلة .
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
(ان الاجراءات السورية لسد اي بوابة اردنية للتسلل الاسرائيلي تتصاعد طرديا مع النمو المتزايد في التبادل التجاري الاردني الاسرائيلي ، فهل هناك اردنيون حقا يشترون اراض سورية لمصلحة اسرائيليين ؟)
لقد فتحت القيادتان الجديدتان للملك عبد الله الثاني في الاردن عام 1999 وللرئيس بشار الاسد في سوريا العام التالي صفحة تعاون وتواصل ثنائي على ارفع المستويات بعد عقود كان القطران الشقيقان في معظمها في خندقين متقابلين تداخلا في اشتباك سياسي مرات وامني مرات اخرى ومرة عسكري لكن المستجدات في الوضع الاقليمي والدولي ، مثل انتهاء الحرب الباردة الغربية السوفياتية التي قسمت العرب عربين والاجماع العربي الرسمي على السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي كخيار استراتيجي الذي انهى بدوره الانقسام العربي بين من يؤيدون "الثورة الفلسطينية" وبين من يؤيدون "الدولة الفلسطينية" ، قد اسقطت عمليا اسبابا موضوعية للتخندق المتقابل للقطرين بينما اثبتت العلاقات الثنائية انها اقوى من ان لا تستطيع احتواء اختلافات طبيعية حول قضايا مثل الازمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني والاحتلال الاميركي للعراق وعلاقات كل من الطرفين مع الولايات المتحدة الاميركية وايران .
وفي هذه الشبكة المعقدة المتداخلة للعلاقات الثنائية يلفت نظر المراقب ملاحظتان اولاهما ايجابية وتتمثل في ان كل التقلبات في العلاقات السياسية لم تؤثر بشكل جوهري في التواصل الاقتصادي والاجتماعي بين الشعبين الشقيقين وثانيتهما سلبية وتتمثل في ان انفراد الاردن بتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل قد حلت في تطبيقاتها العملية محل الاسباب التي اسقطتها المستجدات لتوتر العلاقات الثنائية لانها انهت حالة الحرب بين المملكة وبين دولة الاحتلال بينما ما زالت حالة الحرب قائمة بين هذه الدولة وبين سوريا .
وبالرغم من انضمام القطرين الى الاجماع العربي على السلام وبالرغم من صمت المدافع على الجبهة السورية منذ حرب تشرين / اكتوبر عام 1973 وبالرغم من الصفحة الجديدة الايجابية في العلاقات السورية الاردنية ونجاحها في احتواء مضاعفات توقيع معاهدة وادي عربة على العلاقات الثنائية وبالرغم من التفاوض السوري السابق مع دولة الاحتلال وجولات المفاوضات غير المباشرة الجارية حاليا بوساطة تركية وبالرغم من الالتزام السوري الصارم بالقانون الدولي واحترام ما توقعه الدولة السورية من اتفاقيات حتى مع دولة الاحتلال فان الحقيقة التي لا تستطيع كل المؤشرات السابقة وغيرها حجبها هي ان سوريا ما زالت في حالة حرب مع اسرائيل وما زالت اراضيها محتلة وما زالت مصرة على عدم التخلي عن حقها في الدفاع وفي استخدام كل الخيارات التي يمنحها لها ميثاق الامم المتحدة لتحرير ارضها وما الاختلافات الاردنية السورية حول الازمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني الا مظهر متوقع ومنطقي لوجود احد الطرفين في حالة سلم مع دولة الاحتلال ووجود الطرف الاخر في حالة حرب معها .
ونتيجة لذلك لا بد وان تظهر بين وقت واخر فترات تماس او احتكاك نتيجة للتطبيقات العملية لحالة السلم في الاردن ولحالة الحرب في سوريا والضمانة الوحيدة لاحتوائها كي لا توتر العلاقات الثنائية هي صفحة التعاون والتواصل على ارفع المستويات التي تعززت بقمة دمشق التاريخية بين الملك عبد الله وبين الرئيس الاسد في تشرين الثاني / نوفمبر في السنة الماضية وما اعقبها من اتصالات رفيعة المستوى سواء للمتابعة مثل زيارة وزير الخارجية السوري لعمان في الشهر الاخير من العام المنصرم او للتواصل والتضامن مثل الزيارة التي قام بها رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي ومدير المخابرات العامة محمد الذهبي لدمشق بعد العدوان الاميركي الدموي على قرية السكرية في الجزيرة السورية اواخر الشهر الماضي .
ويلاحظ في التطبيقات العملية لمعاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية وجود الامكانيات الواقعية التي يكاد يكون من الصعب مراقبتها ومن المستحيل منعها لعدم احترام دولة الاحتلال للسيادة الاردنية او لروح معاهدة السلام ونصوصها -- كما ثبت في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الاردنية عام 1997 -- بمحاولات اسرائيلية لا تتوقف لتحويل الاردن الى معبر للمصالح والاستخبارات والدبلوماسية والسلع الاسرائيلية الى الدول العربية الشقيقة التي ما زالت في حالة حرب ، رسميا في الاقل ، مع دولة الاحتلال ، واذا كان العديد من الدول الشقيقة ومواطنوها بدورهم يقيمون علاقات تجارية وغير تجارية مع دولة الاحتلال ويجدون في المعاهدة الاردنية معها تسهيلا لعلاقاتهم فان الامر مختلف بل على النقيض في الحالة السورية .
واذا لم يكن الاردن هو الممر العربي الوحيد الذي تحاول دولة الاحتلال تحويله الى معبر كهذا ، حيث توفر لها معاهدة مماثلة معبرا مصريا بينما حوالي ثمانية مكاتب تجارية في عواصم عربية توفر لها معبرا ثانيا وعضوية دول مثل المملكة العربية السعودية في منظمة التجارة العالمية تجعل من الصعب جدا عليها اغلاق الباب تماما في وجهها ، ناهيك عن المعبرين التركي والقبرصي بصفة خاصة ، فان هذا المسعى الاسرائيلي المتواصل في الاردن اذا ما تفاقم فانه في الحالة السورية الخاصة يهدد التواصل الاقتصادي والاجتماعي الاردني السوري الذي كان الايجابية الوحيدة التي استمرت بالرغم من كل التقلبات السياسية في العلاقات الثنائية .
فالاجراءات السورية لسد اي بوابة اردنية للتسلل الاسرائيلي تتصاعد طرديا مع النمو المتزايد في التبادل التجاري الاردني الاسرائيلي ، الذي يزيد حجمه حاليا على (300) مليون دولار اميركي ، ويمكن التذكير على سبيل المثال بما طلبته السلطات الحكومية في دمشق في الشهر الثالث من العام الماضي من ضرورة تضمين شهادات المنشأ المنظمة بالبضائع الأردنية المصدرة إلى الجمهورية العربية السورية تفصيلاً للمدخلات الاجنبية والمحلية لكل صنف على حدة ، ومع ان مراجعة مجالات التبادل الاردني الاسرائيلي التي بحثها (160) رجل اعمال من الجانبين في مؤتمر عقدوه في بيسان في تشرين الاول / اكتوبر الماضي لم تظهر أي تعاون استثماري مشترك في الاراضي والعقارات ولا ظهر اي استثمار مماثل في تقرير رسمي اعدته مديرية المشاريع والمتابعة في مؤسسة تشجيع الاستثمار الاردنية ونشرته الزميلة "السبيل" مؤخرا وكشف ان مجموع حجم الاستثمار الاسرائيلي في الشركات والاستثمارات الأردنية والتي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار هو 17 مليون و 592520 ديناراً تتوزع على 28 شركة بقطاعات مختلفة ، فان تقريرا سوريا يحتاج الى توضيح اردني من السلطات المعنية قد اقترح وجود اردنيين حالت القوانين الاردنية المشددة الخاصة ببيع الاراضي وشرائها دونهم والاستثمار المشترك مع اسرائيليين في تجارة الاراضي داخل المملكة فتحولوا الى سوريا .
ففي الحادي عشر من الشهر الجاري نشرت جريدة قاسيون الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوري تقريرا في افتتاحية لها عن مرسوم بالقانون السوري رقم (49) الذي "تضمن شروطا قاسية جدا على عمليات بيع واستثمار الاراضي والعقارات في المناطق الحدودية (بعمق 25 كيلومترا) ، وفرض عقوبات بالسجن والغرامة على كل مخالفيه" وتوقعت الجريدة ان "تكون له نتائج سيئة اقتصادية واجتماعية على مئات الآلاف من المواطنين السوريين ، بالنظر لأنه سيؤدي إلى ما يشبه حالة "الركود" في قطاع العقارات والقطاع الزراعي في تلك المناطق" بعد ان قدمت اجهزة المخابرات السورية "ادلة قاطعة" تثبت ان الإسرائيليين تمكنوا فعلا من شراء مئات الهيكتارات في اربع مناطق سورية عبر وكلاء لهم يحملون جنسيات عربية قطرية واردنية" .
ونسبت قاسيون الى "القاضي الذي كان له دور في صياغة مسودة القانون 49" قوله ان "المسالة بدات بعد صدور قوانين الانفتاح الاقتصادي التي تسمح للاجانب والعرب بالتملك والاستثمار في سوريا ، سواء مباشرة او عبر شركاء سوريين . وخلال العام 2007 وحده سجلت الاجهزة الامنية المعنية حصول اكثر من خمسمئة عملية شراء واستثمار "مشبوهة" على ايدي مواطنين عرب تبين ان لقسم كبير منهم علاقات مع رجال اعمال إسرائيليين" لتضيف بان القاضي وصف "ما حصل بانه شبيه تماما بما كانت تقوم به "الوكالة اليهودية" قبل نشوء اسرائيل ، لجهة شراء اراض في فلسطين من ملاكين محليين بتسهيلات من السلطنة العثمانية سابقا والانتداب البريطاني لاحقا . بل انهم اشتروا ـ كما اصبح معروفا ـ اراض في منطقة حوران وإلى الجنوب من دمشق بـ 35 كم خلال فترة الانتداب الفرنسي (في العام 1924) ، وهو ما تسعى اسرائيل (من خلال الوكالة اليهودية) الى تثبيته عبر اقامة دعوى ضد الحكومة السورية بوكالة منها لشركة محاماة في لندن" .
وفي التفاصيل ذكرت قاسيون انه "على امتداد الجهة الغربية من الحدود مع الاردن ، اي من المنطقة التابعة لناحية "الشجرة" غربا إلى مقابل بلدة "امتان" في محافظة السويداء ، وهي منطقة يتجاوز طولها حوالي 150 كم ، سجلت عمليات شراء لاراض زراعية واخرى خاصة بالبناء تتجاوز مساحتها الإجمالية 2000 (الفي دونم) ، تبين ان خمسة على الاقل ممن اشتروها شركاء لرجال اعمال اسرائيليين يستثمرون في منطقة الاستثمار الاردني ـ الاسرائيلي المشترك في مدينة اربد ، المعروفة اختصارا باسم الـ "كويز" . وقد لفت انتباه السلطات الامنية السورية ان هؤلاء قاموا في الآن نفسه بشراء مساحات في منطقتي "الصريح" و"الحصن" جنوبي مدينة اربد الاردنية . كما انهم شركاء غير مباشرين ل ... جهات اخرى في السلطة الفلسطينية لها علاقات وثيقة مع اسرائيل يقومون جميعا ، وبعيدا عن الاعين و الاعلام ، بشراء اراض وتجهيز بنيتها التحتية في منطقة "المفرق" الاردنية المتاخمة للحدود السورية من اجل توطين عشرات الألوف من الفلسطينيين اللبنانيين مستقبلا" .
و"في منطقة محافظة القنيطرة تم تسجيل عمليات شراء واسعة للاراضي من قبل اردنيين وقطريين ، وبشكل خاص في مناطق: "عرنة" و "خان أرنبة" و "جبا" و"قلعة جندل" في القطاع الشمالي (سفوح جبل الشيخ) ، و مناطق اخرى في القطاع الجنوبي التي تتداخل مع اراضي محافظة درعا ، وتعتبر جزءا من حوض التغذية المائية الخاصة بنهر اليرموك . وقال القاضي: الملاحظ ان معظم العقارات التي شملتها عمليات الشراء في محافظة القنيطرة تتميز بانها ذات طبيعة استراتيجية ، سواء من الناحية العسكرية او من ناحية علاقتها بالاحواض المائية الجوفية او السطحية" .
ان القضايا الخطيرة التي يثيرها تقرير قاسيون جديرة بتوضيح رسمي ، اردني وفلسطيني ، بغض النظر عن اي تقويم رسمي للجريدة نفسها ، خصوصا وان الكثير من هذه القضايا يجري التهامس بها في الشارع الاردني ذاته ، كما ان تسليط الاضواء اعلاميا على مثل هذه القضايا لا ينتقص باي شكل من دور قطاع رجال الاعمال الاردني الذي لا يقل انتماء وطنيا عن حكومته ، لكن في المفاصل الحاسمة من تاريخ الامم والشعوب توجد هناك دائما قلة معزولة معدودة على الاصابع تشذ عن الاجماع الوطني ربما لتثبت بان الطمع في الربح لا وطن له ولا انتماء ولا اخلاق .
وفي الاردن ما يكفي من الكفاءات القانونية والبرلمانية لوضع صيغة قانونية رادعة لمثل هذه القلة ان وجدت ، او يمكن ان تظهر اذا لم تكن موجودة وكان تقرير قاسيون ظالما ، فالاذى الذي يمكن ان تلحقه قلة كهذه بالعلاقات الثنائية مع سوريا وبمصالح الاغلبية من الاردنيين والسوريين الذين لهم مصلحة حيوية في ان تكون هذه العلاقات على خير ما يرام وفي ان يستمر التواصل الاقتصادي بين الشعبين الشقيقين والجارين لا يمكن ان يقارن ببضعة الاف من الدنانير او الدولارات يجنيها زيد او عمرو من صفقة اراض هنا او هناك في القطر الشقيق طمعا او نتيجة ضعف او انعدام الانتماء الوطني والقومي او جهلا سياسيا بان الاردن لم يوقع معاهدته مع دولة الاحتلال الاسرائيلي على حساب علاقاته العربية او غير العربية ، دون ان تفوت الاشارة هنا الى ان البائع السوري لا يقل مسؤولية عن المشتري الاردني والى ان التوعية الرسمية الوطنية والقومية السورية لا تقل فشلا عن مثيلتها الاردنية في الوصول الى هذه مثل هذه القلة .
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق