راسم عبيدات
الأنباء الواردة من قطاع غزة تشير إلى أن غزة بفعل الحصار والإغلاق المتواصلين،تتجه في القرن الواحد والعشرون،قرن الثورة التكنومعلوماتية،صوب العودة لعهد المشاعية البدائية،وحتى هذا العهد أرى أنه متقدم على ما يحدث ويجري في القطاع ففي ذلك العهد كان هناك وفرة في الأرض وقلة في عدد السكان وهذا غير متوفر في القطاع،فعدا عن الحرمان من كل مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء وغذاء ودواء،وما يرافق ذلك مزيداً من الموت للمزيد من الحالات المرضية والإنسانية،في وقت غيب فيه ليس الضمير الإنساني بل والعربي والإسلامي،فاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد من أجل غزة ورفع الحصار عنها،تحول إلى مسرح وساحة للخلافات العربية وتصفية حساباتها على حساب الشأن الفلسطيني ومأساة غزة،وبما يثبت حجم التدخلات في هذا الشأن،وأضحى الحال كما يقول المأثور الشعبي"جينالك يا عبد المعين أثري بدك مين يعين"،وما يزيد المأساة مأساة هو الوضع الداخلي الفلسطيني،والذي أضحى فيه التسييس فيه ليس فقط في الشأن الوطني والحياتي واليومي،بل وحتى في الدين والعبادات وصلب هذه العبادات،ألا وهو الحج خامس ركن من أركان الإسلام،وها نحن أصبحنا كل عام نشهد فلماً متكرراً عن حجاج غزة وحجاج الضفة،والمعبر هل سيفتح للحجاج أم لا؟،وخروج حجاج الضفة أو المسجلين عن طريق حكومة رام الله،رهن بخروج حجاج غزة المصادق عليهم من حكومة غزة....الخ.
وفي ظل هذه الأوضاع والتي تنذر بكارثة شاملة أو انتحار وموت جماعي لأهل غزة قرابين للتخاذل والصمت العربي وموت الضمير الإنساني،والصراع الداخلي على وهم سلطة فاقدة لكل مظاهر السيادة وتنامي مصالح العديدين والمستفيدين من استمرار هذا الوضع،تتحدث الأنباء عن نفاذ كمية النقد الإسرائيلي في بنوك القطاع،وهذا معناه عودة القطاع إلى عهد ما قبل ظهور النقد كمعادل عام للبضائع- أي المشاعية البدائية – بضاعة مقابل بضاعة،على سبيل المثال ديك حبش رومي مقابل عشرين ذراع قماش وهكذا.
إن العودة بالحياة في القطاع إلى عهد المشاعية البدائية،تذكرنا بأيام وسنوات الحصار الظالم على العراق قبل احتلاله،حيث فرض عليه الاحتلال تحت حجج وذرائع امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والنظام"الديكتاتوري والشمولي في العراق"،لكي نكتشف أن الهدف الحقيقي بعد أن ثبت كذب وزيف كل الحجج والذرائع السابقة من أسلحة دمار شامل وغياب الديمقراطية وغيرها،هو احتلال وتدمير العراق ونهب خيراته وثرواته،والناس الآن في العراق تترحم مليون مرة على عهد الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين،حيث القتل والقمع اليومي وتزايد البطالة والفقر وانعدام الأمن والأمان،وحكومة تشرع احتلال العراق باتفاقية أمنية مع المحتل الأمريكي وديمقراطية زائفة حصدت أرواح مئات ألاف العراقيين.
وغزة التي تعود إلى عهد المشاعية البدائية،بفعل الحصار الظالم عليها،والذي فرضته بالأساس إسرائيل وأمريكا وتشارك به الأنظمة العربية،له أهداف واشتراطات سياسية،ألا وهي الاستجابة للشروط والاملاءات الإسرائيلية- الأمريكية لما يسمى عملية السلام،وعلى ما يبدو فإن الحصار وما أعقبه من حالة التهدئة المتبادلة بين إسرائيل وحماس،لم تنجحا في تلبية الشروط والاستحقاقات الإسرائيلية،ويبدو أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية،وبمعرفتنا أن الأحزاب الإسرائيلية تعزز من حضورها ووجودها الشعبي والبرلماني في الكنيست والحكومة على حساب الدم العربي والفلسطيني،بارتكاب المزيد من المجازر وجرائم الحرب،بدأت تعد العدة وتحضر لعملية عسكرية واسعة في القطاع،فالأنباء المسربة عن طريق وسائل الإعلام الإسرائيلية حول وجود صواريخ في قطاع غزة مصدرها حزب الله،تطال مدينة بئر السبع وغيرها من المدن الإسرائيلية،ومما يجعل ذلك يخل بقواعد اللعبة،هو بمثابة تحضيرات من أجل شن عملية عسكرية شاملة على القطاع،الهدف منها ليس فقط تغير قواعد اللعبة،بل وفرض المزيد من الشروط والاملاءات الأمنية والسياسية،تماماً كما هو الحال عندما شنت الحرب العدوانية على لبنان في تموز 2006،حيث الذريعة التي استخدمت لشن هذه الحرب،هي أسر حزب الله للجنديين الإسرائيليين،والهدف الأساس كان فرض معادلات واشتراطات جديدة في المنطقة برمتها وليس على الحدود اللبنانية فقط.
ومن هنا فإن الجهد المبذول فلسطينياً وعربياً وبالذات على المستوى الشعبي لكسر الحصار على القطاع،بحاجة إلى القيام بتحركات شعبية واسعة على الأرض،لكي تشكل عوامل ضاغطة على الأنظمة الرسمية العربية وبالذات التي لها حدود ومعابر مع القطاع ،من أجل فتح هذه المعابر والحدود،ومع إدراكنا لأهمية وضرورة تأمين احتياجات القطاع من المواد الأساسية والحياتية،فعلى الجميع أن يدرك أن المسألة ليست وقفاً على هذا الجانب،بل ما يحتاجه سكان القطاع عدا عن رفع الحصار الظالم،هو إنهاء الاحتلال،هذا الاحتلال الذي يتحكم في كل مناحي وشؤون القطاع،فهذا الجانب له الأهمية القصوى على الجوانب الأخرى،ونحن نرى أن استمرار الوضع والحالة الفلسطينية على ما هما عليه من انقسام وضعف،لن يخدما هذا الهدف ولا يساعدان في تحقيقه،فاستمرارهما سيطلان من أمد الحصار ولن ينجحا لا في رفعه ولا إنهاء حالة الانقسام ولا تحقيق هدف إنهاء الاحتلال،بل وما يجري حالياً من استمرار المناكفات والتحريض والتحريض المضاد،ووضع الاشتراطات والعقبات أمام الحوار الوطني،وبما يجعله يؤول إلى الفشل قبل الشروع به،يجعلنا نقول أن الحالة الفلسطينية برمتها تتجه نحو المجهول والمزيد من الضعف والانقسام،وبما يخدم الهدف الإسرائيلي في تكريس الاحتلال وخلق المزيد من الوقائع على الأرض،من خلال تكثيف عمليات الاستيطان والتهويد،وبما لا يبقي شيء من الأرض من أجل التفاوض عليها،وما تشهده مدينة القدس من هجمة شاملة وتطهير عراقي،وسعار المستوطنين وزيادة هجماتهم على أهلنا وجماهير شعبنا الفلسطيني على كل ساحات ومساحات الوطن،من عكا وحتى الخليل يندرج في هذا الإطار والسياق.
إن ما يجري ويحدث في القطاع من محاصرة لشعب بأكمله حتى الموت والعودة به إلى عهد المشاعية البدائية، وسمة عار على جبين كل الإنسانية والبشرية جمعاء،وفي المقدمة منها الأمتين العربية والإسلامية،فهل ستنقذ غزة من الموت،أم تقدم قرباناً كما قدم العراق بمشاركة وصمت عربيين مخزيين.؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق