نبيل عودة
انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة ، شملت مميزات قيمية ، لم تشملها أي انتخابات سابقة للبلدية بمثل هذه الأهمية . وانا على ثقة أن هذه المميزات كانت وراء الحسم البارز لصالح جبهة الناصرة ومرشحها لرئاسة البلدية في الدورة الجديدة أيضا ،المهندس رامز جرايسي .
ومن الأهمية بمكان معرفة توظيف هذه السمات المميزة ، وتشريشها في ذهنية المواطن النصراوي ، ليس من أجل انتخابات بلدية ، او سياسية ، انما من أجل رفع الوعي الجماهيري ، والتثقيف السليم لأهمية الحفاظ على المميزات التي حسمت المعركة .. والتي لا بد من نشرها في كل أوساط الجماهير العربية في اسرائيل ، وأعرف ان المهمة ليست بسهولة كتابة النص .. ولكنه مصير ومستقبل الناس . اما ان نكون مجتمعا نقيا من الآفات المرضية ، من ظواهر الانشطار الاجتماعي ، أو نواصل شد الخطى نحو الاضمحلال الاجتماعي ، نحو العائلية والطائفية والظلام الفكري والسياسي الذي ميز مجموعات متعددة لا يمكن الاستهتار بحجمها في مدينة الناصرة خاصة والوسط العربي عامة ، وأعتقد انه يمكن هزيمتها على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي على حد سواء ، والسؤال ، ما هو الثمن الذي نحن على استعداد لدفعه من أجل الانقاذ الوطني لشعبنا..؟!
هل الجبهة ، كجسم سياسي قطري ، وحزبها الشيوعي ، مؤهلان للعب هذا الدور الذي ميز تاريخهم النضالي المشرف ؟! أم اننا أمام مشهد استمرار اضمحلال سياسي وتنظيمي وفكري ؟!
لا يمكن رؤية نجاح الناصرة كمعلم على طريق سياسي فقط ، لا أناقش أهميته وصوابه بالمقارنة مع الكشكول السياسي السائد في خطابنا السياسي المحلي – انما للناصرة ، ومعركة انتخابات البلدية فيها ، مميزات يجب الاشارة اليها بوضوح ، وعدم تعميمها كنموذج يصلح عشوائيا لسائر البلدات العربية .. مع اعترافي باهمية التجربة النصراوية الأصيلة ، التي يجب معرفة اسلوب تسويقها حسب ظروف وواقع كل بلدة بشكل مستقل.
حقا تجربة الناصرة الجبهوية في السبعينات من القرن الماضي استغلت بشكل ممتاز ، وأنجزت نجاحات أوسع كثيرا من مجرد النجاح في انتخابات بلدية أو سياسية ، كان لها رد فعل اجتماعي ثقافي وحضاري هائل .. أين نحن اليوم من تلك الطفرة الهائلة ؟ أين نحن اليوم من التحرك الذي ميز كل فئات شعبنا لاقامة تنظيماتهم الخاصة ، الأكاديمية والطلابية والشبابية والمهنية والثقافية ؟ أين نحن من الفكر التنويري الذي ساد مجتمعاتنا بتأثير تلك التجربة الرائدة ؟ وهل كان من الممكن مثلا انجاز يوم نضالي عظيم بمستوى يوم الأرض بدون الظهر النصراوي الذي أمد شعبنا بالتفاؤل والعزم والتصميم والجرأة النضالية ؟
سأكتب بصراحة ، وأعرف ان الصراحة باتت عدوة للمنغلقين الذين لا يعرفون استعمال عقلهم ، ولا يرون أبعد من أنوفهم . وقد واجهتهم دائما في نشاطي السياسي والثقافي والفكري ، حتى في مواقفي التي تشد أزرهم ، واصطدمت بهم في الانتخابات الأخيرة بما يشير الى ضحالة فكرهم وغياب العقل في أحكامهم ، حين ارتعبوا من نشر مقال لي على موقع الجبهة أدعو فيه الى دعم الجبهة ومرشحها للرئاسة رامز جرايسي ، وأطرح رؤيتي بأنها معركة بين ان نكون مجتمعا مدنيا ، أو مجتمعا قبليا طائفيا متخلفا . .. لا أعرف ما الذي أرعبهم ، ربما اسم نبيل عودة بات مرعبا ؟!
لا لست حاقدا ، لا يستحقون أن أحقد عليهم لأني لا أكرههم ، بل وظفت قدراتي الكتابية واتصالاتي لنصرة جبهتهم ضد الظلامية والقبلية .. من رؤيتي الواضحة ان المعركة ليست تماثلي مع المواقف السياسية ومع الأشخاص ومع التنظيم ، انما معركة من أجل مدينة حضارية منفتحة تصون وحدتها الاجتماعية ، وتحمي النسيج الاجتماعي والثقافي بين طوائفها .. والجبهة بلا منازع كانت هي البديل والخيار الوحيد لصيانة هذه القيم الانسانية والحضارية والمدنية في معركة انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة.
هذا لا يعني اني أرى بايجابية طرق عمل الجبهة ودعايتها وشكل تركيب قائمتها وعدم قدرتها على توسيع صفوفها واعادة الحيوية لهذا الجسم الذي لا يمكن تجاهل اربعة عقود من نشاطه البلدي والسياسي والتطويري في مدينة الناصرة .
حقا كانت معركة شرسة لأنها تجاوزت الصراع الفكري والسياسي ، الى صراع رهيب حول شكل المدينة ، ومبناها الاجتماعي المستقبلي ، واخلاقيات الادارة ، وكيف نريد ان تكون مدارسنا ، وكيف نطمح لأن يظهر مجتمعنا ، ونوع العلاقات ين طوائف الناصرة ، هل ستسود أخلاقيات الماضي المقلقة والمقيتة ، أم العودة الى ما يجعلنا رأسين بجسم واحد كما كنا عبر كل تاريخنا وقبل ان تظهر الآفة الطائفية المرضية المدمرة التي لوثت الكثير من العقول لدى الجانبين مع الأسف الشديد ؟!.. وبالتالي نحن أمام معركة لم تنته مع اغلاق الصناديق ، بل معركة على الادارة الجديدة معرفة مواجهتها وتقليص ظاهرتها .
التصويت الجارف للجبهة ومرشحها كان تصويتا لمدينة نطمح لأن يسودها التآخي الطائفي أيضا . مدينة حضارية يهمها تحقيق نهضة اقتصادية بالسياحة والمشاريع المختلفة . مدينة يتطور فيها التعليم الذي للأسف يواجه واقعا مقلقا جدا ، أقول هذا من معرفة عن قرب لواقع بعض المدارس الحكومية . مدينة تقيم جامعتها التي طال انتظارنا لها ، ويجب ان نحول الموضوع الى معركة لا تراجع فيها. مدينة حان الوقت لنرى قاعة ضخمة ( اوديتوريوم ) تستوعب النشاطات الفنية والثقافية وتدعم النشاط الثقافي والفني معنويا وماديا أيضا ، حيث نعاني من تجاهل مقلق من البلدية في مجال الدعم المادي أسوة بالبلديات اليهودية التي تقدم ميزانيات ضخمة للنشاطات الثقافية والفنية ... هذا النشاط لا يقل أهمية عن فتح مدرسة جديدة أو شارع جديد أو منطقة صناعية جديدة أو حي جديد .. لأنه معركة على تطوير العقل والوعي والرؤية المستقبلية الحضارية ، والتي كان لها الدور الفاصل في حسم المعركة الانتخابية الأخيرة .
ما قيمة مدينة بلا مشاكل سير وبلا مشاكل نقص بغرف الدراسة ، ومستوى ثقافي وحضاري وفني متدن ومتخلف ، يعتمد على الأفراد والهيئات ولا يلقى الا الدعم المعنوي فقط من البلدية ، ويسهل تضليل أقراده من القوى الظلامية ؟؟
ان تطوير الثقافة والتعليم وجامعة للعلوم واودوتوريوم ودعم مادي مناسب للثقافة المحلية والفن المحلي ،هو نقطة الارتكاز الهامة لعدم التقهقر عن الانجاز الحضاري الكبير لشعب الناصرة في المعركة الانتخابية الأخيرة للبلدية. هذا الانجاز وضع بيد الجبهة كادارة للبلدية وكجسم سياسي طليعي داخل الناصرة .. وهذه مسؤولية مضاعفة يجب ايجاد اليات مناسبة لصيانتها .
الناصرة اختارت الجبهة وأعطتها الأكثرية الواضحة .. ليس لأن الأكثرية تؤيد سياسيا الفكر الجبهوي وحبا بالمرشحين .. وليس لأن الأخرين لن يطوروا ويجمعوا الزبالة التي أنجزوا بطولة أولومبية في توسيخ الناصرة بها في الانتخابات الأخيرة . بل لأن الناس ، كل الناس ، يريدون مدينة مفتوحة للسياحة ، مدينة متآلفة طائفيا ، مدينة حضارية تصون مجتمعها المدني من أمراض التطرف والانغلاق . مدينة تنظر نحو المستقبل وليس نحو الماضي .. مدينة تنجز المشاريع الهامة التي طرحتها الجبهة على أجندتها ورأينا انجاز بعضها ونطمح لأن تتواصل المسيرة التطويرية بهمة أكبر وبتصميم لا يعرف التباطؤ .
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق