نبيل عودة
في معركة انتخابية في مدينة تسكنها طائفتان ، لم يكن امام المصوت المسيحي ، حتى الغاضب من الجبهة ، من خيار آخر الا الجبهة ، ليس لأنها طائفية ، بل لأنها ضد الطائفية ومن أجل حماية المجتمع المدني*
استعراض الصحافة العربية بعد انتخابات السلطات المحلية ، أشبه بمشاهدة مسلسل هزلي لا شيء يربطه بالواقع .
"التقارير الصحفية " .. لمعظم صحفنا العربية ، حول نتائج انتخابات السلطات المحلية ، مصابة بعسر فهم وعسر هضم لما جرى ، أو هي سياسة مقصودة .. بالتزام المواقف العشوائية ، حتى لا تتهم بأنها تلتزم مع جانب ضد الآخر .. فتخسر زبائن مباشرين ، أو زبائن لنسخ جديدة من داحس والغبراء.
المؤسف ان ما يحرك بعض الصحف المحلية ويؤثر عليها هو واقع الفقر المادي ، وحسابات ضمان العلاقات الجيدة مع " الممولين " ... وفي حالتنا المرشحين للسلطات المحلية ، في المعركة الأخيرة وفي المعارك الانتخابية القادمة... وبعضهم بلا شك أصحاب مصالح يجب ضمان تدفق اعلاناتهم التجارية وغير التجارية .. أو هو الفقر الفكري ، والضحالة الصحفية ، وغياب أي فهم لمضمون الاعلام ودوره الاجتماعي والأخلاقي .
قارنوا اسلوب تغطية الصحافة العبرية للانتخابات .. وضعوا مقابلها اسلوب صحافتنا العربية ... تجدون مساحة واسعة بين عالمين .. بين حضارتين .. بين عصرين تفصل بينهما على الأقل عشرات السنين .
ليس عارا ان نتعلم .. أن نعرف ضعفنا .. ان نطور اساليبنا الجديدة متأثرين بما نقرا ونشاهد ... العار ان نرفض استيعاب ان اسلوبنا الصحفي انتهى عهده .. واننا نعيش على حساب زمن صار في عهدة تاريخ الصحافة .
والمشكلة الأخطر هي الجانب الفكري .. هنا نحن في اشكالية صعبة . صحافة بلا رؤية اجتماعية لا تستطيع ان تلعب دورها المعول عليه ، صحافة بلا فكر هي خليط مستهجن متناقض ... يقولون انها حرية الصحافة وحرية الرأي ؟
أجل أين حرية الرأي ؟
أعطوني صحيفة واحدة تحترم حرية الرأي ؟ أعطوني صحيفة تحترم حق الاختلاف وحق النقاش ؟ ما ينقذ المشهد الاعلامي هي مواقع الانترنت ، حيث حقا تعطي مساحة واسعة لحرية الرأي . اما صحافتنا المطبوعة فهي اقطاعيات تحت سيطرة رأي وحيد ، تجد تعدد الأقلام .. ولكن لا تجد في التعدد اراء ، انما انشاء بلا معنى أحيانا ، أو كتابة صحفية بلا بوصلة ، والقلائل جدا من الصحفيين يحافظون على حد أدنى من المسؤولية الصحفية. ولكنهم داخل غابة كثيفة الاشجار والنباتات ..
أحيانا تبدو بعض المضامين أصيلة . التعمق بالقراءة يظهر أن الأصالة هي وليدة الصدفة فقط وبحدود معينة وضيقة ، تماما مثل الحوار الفلسفي التالي :
الأول : لماذا الفيل كبير ورمادي ومجعد الجلد ؟
الثاني : لأنه لو كان صغيرا ، أبيض ، ومدورا ، لكان حبة أسبرين فقط !!
وهذه حالنا الصحفية ... لماذا هي صحافة ؟ لأنها لو لم تكن مطبوعة على ورق ومليئة بالعناوين والصور والألوان لكانت ورق 55 غرام فقط .
بالطبع لا أشمل كل الصحف المحلية في نقدي ، هناك تفاوتات كبيرة ، ليس هذا ما دفعني اليوم لهذا الموقف .
صحيفة "الحدث" : انتخابات بلدية الناصرة :
لا صوت يعلو على سوط الطائفية البغيضة!
قام أحد الأزواج بطرد الذباب من البيت ، ولكثرة الذباب وعدم نجاحه باخراجه كله ، بدأ يقتل ما تبقى منه .. وبعد ان فرغ سألته زوجته ساخرة : " كم ذبابة قتلت ؟ " أجاب : " ثمانية .. أربع اناث وأربعة ذكور ". تعجبت : " عجبا .. وكيف ميزت بين الاناث والذكور؟ " قال : " كانت اربع منها على المرآة فعرفت انها الاناث .. وأربعة على قطعة من السكر ..بلا شك هي الذكور !! "
هل بمثل عقلية الزوج اكتشفت "الحدث" ان الطائفية هي مميز انتخابات بلدية الناصرة ؟!
كل الاحترام لكاتبة التقرير أمال حاج ومحرري "الحدث" الغراء .
هل حقا المسلم يصوت للموحدة والمسيحي يصوت للجبهة ؟
هل سادت هذه المعادلة في الناصرة ؟
وقصة الطفلين في طريقهما للمدرسة ، هل هي من نسج الخيال ام تسجيل رباني حصلت على نسخة منه "الحدث" ومراسلتها؟
والسؤال الأهم : من يخدم هذا التقرير ؟ وما هي الأخلاقيات التي ينشرها بين قراء " الحدث " ؟
وهل يظن محرر "الحدث " انه بمثل هذا التقرير يكسب مصداقية صحفية واعلامية ؟
ما هو الواقع في الناصرة ، الذي عجزت مراسلة الحدث عن اكتشافه ، رغم انه معروض في الهواء الطلق ؟!
وهل كان التوجيه الذي تلقته المراسلة من المحرر ، يحددها سلفا لكتابة تقرير ينضح بالطائفية البغيضة التي هُزمت في انتخابات الناصرة ؟
هل من ضرورة لشرح بديهيات المنافسة بين الجبهة والاسلامية في الناصرة ؟
ان اتهام الجبهة ، أو مرشحها للرئاسة رامز جرايسي انها قائمة طائفية ومرشح طائفي ، بمقارنتها مع القائمة الاسلامية ومرشحها للرئاسة أحمد الزعبي ، هو تجاوز للعرف الصحفي والأتيقا الصحفية ، وليس من اختصاصي شرح قانون "اللسان السيء".. الذي يتضمنه مثل هذا التقرير .
لآ أكتب دفاعا عن جبهة الناصرة ومرشحها . انا من منتقدي سياسات الجبهة والحزب الشيوعي .. ويرفضون حتى نشر مقالاتي التي تدعمهم انتخابيا . ولكن في معركة انتخابية في مدينة تسكنها طائفتان ، لم يكن امام المصوت المسيحي ، حتى الغاضب من الجبهة ، من خيار آخر الا الجبهة ، ليس لأنها طائفية ، بل لأنها ضد الطائفية ومن أجل حماية المجتمع المدني الحضاري وصيانة النسيج الاجتماعي بين ابناء البلد الواحد ، بوجة قائمة مركبة على طهارة العنصر الطائفي ، اختار مرشحها رجال الدين وأئمة المساجد ، وبغياب أي عنصر مسيحي من صفوفها ، في مدينة تعتبر مركز العالم المسيحي في أهميتها الدينية والسياحية ، ويشكل مسيحيوها شريحة كبيرة من السكان أقل من النصف بعض الشيء . بينما قائمة الجبهة هي قائمة مشتركة ( أخجل ان أستعمل الصيغة الطائفية في تسمية تركيبتها ) وعدد المرشحين المسلمين فيها يتجاوز عدد المرشحين المسيحيين وفي الأماكن العشرة الأولى أيضا. فهل يكون تصويت الناخب المسيحي تصويتا طائفيا ، أم تصويتا لصد الطائفية ، وهل سرا نكشف ان رامز فاز برئاسة البلدية بدعم الناخبين المسلمين الواسع أيضا ، وليس أقل من نصف المصوتين له هم أبناء شعبنا المسلمين .. وبهدف صد التيار الطائفي أيضا ؟
في القائمة الاسلامية أشخاص أحترمهم وأعرفهم من علاقات عمل سابقة ولا أفهم حتى اليوم كيف يتورطون باعادة ترشيح أنفسهم في قائمة طائفية بكل معنى الكلمة وبكل المضامين .. ولا افهم ادانتهم الواضحة لمرشحهم للرئاسة وتنصلهم منه خلال دورة البلدية الماضية ، ومشاركتهم بالتصويت العقلاني في المجلس البلدي كمعارضة بناءة حقا ضد اتجاه قائد كتلتهم في المعارضة من رؤيتهم الصحيحة انهم انتخبوا لخدمة مدينتهم وأهلهم .. وما ان تقترب الانتخابات الا وهم ينضوون تحت قيادته مرة أخرى ... في قائمة تناقض كل نهجهم العقلاني الذي مارسوه في المجلس البلدي السابق. وأنا على ثقة ان مصلحة الناصرة وأهلها ستعيدهم الى النهج السليم في هذه الدورة أيضا . وعدم التصويت لهم هو نتيجة حتمية لوجودهم في قائمة طائفية ... حتى لو كانوا غير طائفيين شخصيا .
أحمد الزعبي:المنحى الطائفي في التصويت أدى
الى نجاح رامز جرايسي !! (كل العرب )
هذا العنوان من باب صدق او لا تصدق .صحيفة تحترم نفسها تنشره في زاوية الساتيرا فقط لتسلية قرائها . هل كان يقصد أحمد الزعبي ، رئيس القائمة الطائفية المغلقة – "الموحدة " في الناصرة ان يحلل الانتخابات أو يمد الصحفي الذي قابله بعنوان لزاوية الساتيرا في الصحيفة؟
اذا كان المنحى الطائفي أنجح رامز فلماذا تصرون على قائمة طائفية ، تساعد رامز على النجاح تلو النجاح ، وكأنكم تدفعون المسيحيين دفعا لأحضان الجبهة ورامز جرايسي ؟!
ضعوا حدا لنهجكم الطائفي ، واخرجوا من عقليتكم الطائفية .. ربما تتغير اوراق اللعبة ؟
هل تظن انه يمكن لمسيحي متدين أو علماني غير متدين ، بل ولا ديني تماما ، أن يصوت لقائمة تركيبتها طائفية ، اعلامها طائفي ، نشيدها طائفي ، وفي مركز نشاطاتها .. الله يبارك ، لا شيء يمت بصلة لأجواء الناصرة المتآخية؟ وهل تظن ان المسلمين يصوتون طائفيا فقط ، لذلك تمسكت بقائمة على طهارة التركيبة الطائفية ؟
اتحدى ان تذكر مجموعة من المسيحيين أعطتك أصواتها ، كما تدعي .. . انت توجه اهانة حضارية لأبناء الطائفة المسيحية الذين صوتوا لقائمة غير طائفية ، مشكلة بأكثريتها المطلقة من ابناء مدينتهم واخوتهم في النضال والمصير ، مسلمين غيوربن على دينهم وعلى شعبهم وعلى مدينتهم .
ليس النقاش ان المسيحي يصوت على أساس ديني . بل ماذا تقترح القائمة الموحدة الطائفية المغلقة ، على جمهور واسع في مدينة الناصرة ، مسيحيين ومسلمين .. عدا العقلية الطائفية والشعارات الطائفية والاستفزاز الطائفي ؟
وعلى فرض تشكلت قائمة مسيحية طائفية في الناصرة ، أو غير الناصرة ... كوزن مضاد للقائمة الموحدة ، أو غيرها من القوائم الطائفية ، تأكد ان مسيحيي الناصرة ، أو غير الناصرة .. هم أول من سيعزلها ويحطمها ، حتى قبل ان تتمكن من الوصول ليوم الحسم في الانتخابات.
لن نمرر مثل هذا النهج .
ماذا وعدت مصوتيك الوهميين من المسيحيين ، ليتحمسوا للتصويت لك وللموحدة ؟
هل تقترح عليهم ان يصيروا أهل عهدة وأهل ذمة؟
هل تظن ان أهل الناصرة من جميع طوائفها وفئاتها الاجتماعية ، مستعدون للمخاطرة مرة أخرى مع مغامرين دفعوا المجتمع النصراوي الى أخطر صراع في تاريخه ؟
وهل تظن ان ال 14 الف الذين امتنعوا عن التصويت كانوا سيحسمون المعركة لصالحك ؟
هل تتحدث بمنطق ؟
تأكد ان بعضهم امتنع بسبب مشاكل ادارية مع البلدية.. وهم مصوتون لن يصوتوا لقائمة طائفية ، حتى لو كان ذلك انتقاما من الجبهة ومن نهجها السياسي . وبعض الممتنعين من أهل بيتي ، فشلت في دفعهم للتصويت ، وكان من المستحيل مائة مرة أن يصوتوا لك انتقاما سياسيا أو بلديا .
33 الف مصوت لا قيمة لهم في حساباتك .. فقط ال 14 الف الممتنعين لأسباب عدة ، ليس من ضمنها رغبتهم ، التي تدعيها نيابة عنهم ، في وصول ادارة طائفية لمدينتهم .
يجب ان نقرا الانتخابات في الناصرة أيضا باطارها السياسي الفلسطيني العام ، أمامنا نموذج غزة وما ترتكبة حماس ( كنموذج للإسلام السياسي ) من أخطاء بحق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
هذا النموذج ترك بصماته السلبية على واقع كل الاسلام السياسي في الشرق الأوسط . . وليس في فلسطين فقط . واليوم يصل رد الفعل الى المواطن النصراوي والمواطن الفحماوي والمواطن العكاوي وغيرهم ..
الفشل ليس لأبناء هذه الطائفة أو تلك ، بل هو انتصار وطني عام انجزوه بوقف المد الطائفي المقيت ، واختيار الوحدة الوطنية والاجتماعية ، اختيار المجتمع الدمقراطي المفتوح ،المتطور والحضاري .
في فلسفة الرياضيات هناك مسائل فنية فلسفية صعبة ، تشبه تحليلاتك الانتخابية .
ابن قبيلة من سكان استراليا الأصليين أجاب على سؤال باحث انتروبولوجي بأن ( 2+2=5) سأله الباحث كيف توصلت لذلك ؟ أجاب : من العد ، أولا انا أربط عقدتين في حبل ، وأربط عقدتين أخريين في حبل آخر ، وعندما أجمع بين الحبلين بعقدة ، أعدهما والنتيجة ( 5 ) عقد . الجواب اذن خمسة !!
مجرد فلسفة .. لا ضرورة للتفسير .
"التجمع" يحتفل بزيادة قوته في الناصرة (؟!)
صدقوني لا أقول هذا بسخرية أو كمادة اخرى لزاوية الساتيرا ، مع ان الواقع لا يبقي مساحة لشيء آخر . يعتقدون ان انجاز قائمة "الاصلاح والتغيير" هو انجاز لحزبهم .. مبروك عليهم .. لو خاضوا الانتخابات منفردين لحصلوا على أقل من 300 صوت . الأصوات ال 3000 هي حقا انجاز للقائمة الجديدة التي بادر اليها السيد مصطفى عرابية . وهي تشير الى رفض أوساط سكانية لنهج الطائفية التي تمثلها الموحدة بجدارة ، اقرأوا نتائج الصناديق تصلون للحقيقة .القائمة لم تؤثر على الجبهة حتى بصوت واحد .. تعالوا ننتقل لحكاية تعبر عن ذهنية " التجمع " .
سرق اعرابي سرة دراهم ، ثم دخل المسجد يصلي ، وكان اسمه " موسى " ، فقرأ الامام من القرآن :" وما تلك بيمينك يا موسى؟" فانتفض الاعرابي وقال :" والله انه لساحر ". ثم رمى الصرة وهرب.
التجمع ، بنفس عقلية الاعرابي ، سرق انجاز شركائه . ليس بعيدا اليوم الذي سيرمي الصرة ويختفي ..!!
وعلى فكرة .. بمناسبة دعوتهم لقائمة مشتركة في الكنيست .. هي استغاثة الغريق الأخيرة .
هذا ليس كل شيء .. بل اخترت الأكثر لفتا للنظر والاستهجان مما تضمنته صحافتنا من مستوى اعلامي لا اعلام فيه بقدر ما فيه من مواقف مسبقة للصحيفة ، أكتفي بالنماذج التي قدمتها لواقع اعلامي مريض .. ولفكر يغيب عنه الوعي الأولي .. ولعل في التنبيه ما ينفع ويغير !!
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabhloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق