سعيد الشيخ
لا انصح المتفائلين الانسياق بعيدا بعد فوز السناتور الامريكي باراك اوباما بالمقعد الرئاسي ليصبح الرئيس الرابع والاربعين لاكبر دولة في العالم... الدولة التي اذا تثاءبت فأنه يتوجب على المنظومة الدولية ان تغفو. لذلك فأن الانتخابات الرئاسية الامريكية كل اربع سنوات لسيت حدثا استثنائيا يخص الولايات المتحدة، دون ان يخص جميع دول العالم التي تجد نفسها مشدودة للبرامج السياسية الامريكية المتطاولة على حجم الكون.
وقد اكتسبت هذه الانتخابات لهذا العام اكثر اهمية من سابقاتها باعتبار ان السياسة الامريكية التي يقودها الحزب الجمهوري لمدة ثمانية سنوات قد وصلت الى مفترق طرق يحمل اشارات تدل الى ان كل هذه الطرق تؤدي الى انسدادات محوطة بالانهيارات. وهو الوضع الذي تلقفه الحزب الديمقراطي المعارض ليطلق من ارضيته حملة التغيير ممثلة بمرشح غير عادي وهو الرئيس المنتخب باراك اوباما... وميزة هذا الرئيس لا اعتقد ان مبعثها برنامجه السياسي بقدر لونه الذي انتصر على تاريخ امريكا العنصري. وهذا شأن امريكي بحت لا يعني بأي حال ملايين الضحايا والمقهورين في الكون نتيجة السياسات الامريكية المتعجرفة.
ومن هنا نسطيع فهم مفردة "التغيير" التي جاء بها الحزب الديمقراطي، كتعبير عن نبض الشارع الامريكي في الاستياء من سياسات الحزب الجمهوري الحربية والاقتصادية التي وضعت الولايات المتحدة ومعها دول العالم في وضع قلق تهزه عاصفة اقتصادية تنوء رياحها في الجهات الاربع. وكلمة التغيير هنا ستظل "مطّاطة" كما هي العملية الديمقراطية الامريكية ككل، حيث تتشكل وتتقولب حسب المصالح العليا للولايات المتحدة وفي شكل أضيق حسب مصالح النخبة الحاكمة.
ويخطئ من يظن ان التغيير المزعوم سيشمل السياسات الامريكية الخارجية حيث الغطرسة وعقدة التفوق ستظل تتحكم في مجمل العلاقات. وفيما يعني المنطقة العربية فان المبدأ الامريكي سيظل على حاله دون تغيير في دعم وتقوية الكيان الصهيوني وتمكينه من غرس جذوره في الارض الفلسطينية، وهذا ما اعلنه اوباما خلال حملته الانتخابية عندما اعلن عن التزامه فيما لو أصبح رئيسا بالدفاع عن اسرائيل. وعندما تذهب "اسرائيل" بكل نسيجها السياسي والاعلامي للاحتفال بفوز اوباما نفهم ان التغيير ما هو الا اكذوبة انتخابية يبتلعها فقط السذج... ولن يتأخر اوباما عن الوفاء بعهده تجاه اسرائيل حيث في اليوم الثاني فقط من انتخابه يعيّن "رام ايمانويل" امينا عاما لموظفي البيت الابيض. وهذا ما هو الا جنرال اسرائيلي خدم في وحدات الجيش الاسرائيلي التي كانت تعمل على احتلال الجنوب اللبناني. هذا أول الغيث والايام المقبلة ستكشف عن اسماء صهيونية عديدة لتكشف عمق العلاقة الامريكية - الاسرائيلية التآمرية على حقوق الشعب الفلسطيني.
وما يثير العجب حقا ان صحيفة عربية تنتهج الخط القومي تصدر من لندن تنضم الى سجل الساذجين ممن وقعوا متأثرين بحملة اوباما الانتخابية ليكتب رئيس ومدير التحرير فيها مهللان بانتخاب اوباما، وكأن هذا الاخير قد اعلن على عكس الثوابت الامريكية في ان القدس عاصمة اسرائيل الابدية. أو ان الواجب الاخلاقي الامريكي مع انتخاب اوباما سينظر بعين العطف تجاه ضحايا الشعب الفلسطيني من جراء النكبة التي افتعلتها الحركة الصهيونية بأقتلاعها شعبا من وطنه ونفيه وتشريده... تهلل الصحيفة القومية بأوباما وكأنه سيضع قرار الامم المتحتدة رقم 194 حيز التنفيذ وسيعيد الشعب الفلسطيني المشرد منذ ستين عاما الى وطنه.
ان الانقلاب الامريكي الحقيقي يبدأ عندما تبدأ امريكا العظمى بتصيح خطأ تاريخيا اقترفته بريطانيا العظمى بأقامة دولة لليهود على ارض الوطن الفلسطيني. وتصحيح اخطائها في العراق وافغانستان وكذلك تصحيح مجمل علاقاتها مع دول العالم بما يرسّخ الامن والسلام.
وحتى يتم ذلك فأن انتخاب باراك اوباما صاحب البشرة السوداء كرئيس للولايات المتحدة الامريكية ما هو الا "ديكور" وترميم في هيكل الديمقراطية المتآكل.
سعيد الشيخ/ كاتب وشاعر فلسطيني
الجمعة، نوفمبر 07، 2008
باراك اوباما مجرد ديكور
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق