عبد الكــريم عليـان
بينما يتابع الجميع الأزمة الاقتصادية العالمية، ويجتهد الخبراء وغير الخبراء في تفسيرهم لما يجري ويدور.. وتشارك الناس، وكذلك الفقهاء والدهاقنة تحليلاتهم وتفسيرهم للأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم، كل يدلي بدلوه.. ولا أحد منهم يشفي غليلك ليبقى الغموض يسيطر على تفكيرك، نظرا لتعقيدات المشكلة وحجمها.. وراح المنظرون والبلهاء فرقا، منهم من ذهب فرحانا ليستبشر خيرا في بدء انهيار الولايات المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، ومنهم من أخذ موقف الشماتة ليتشفى فرحانا بعدوه المتوحش، ومنهم من يتغنى بالبديل الماركسي كنظام سوف يحل المشكلة، ومنهم من يتغني بالبديل الإسلامي كمنقذ لهذه الأزمة، وكأن الأزمة مسألة فلسفية أو عقائدية من السهل اختيار البديل وحل المشكلة..! قد يقول قائل: ما علاقة ذلك بالبنوك في غزة؟ نعم! ليس هناك علاقة مباشرة لكن تعقيدات المشكلة في هذه البنوك وحركة العملاء الذين هم بالغالب موظفي السلطة الذين يتقاضون رواتبهم الشهرية بواسطة هذه البنوك التي راحت تتوحش بحجم الليبرالية المتوحشة، لكن الفريسة هنا قد تكون صغيرة صغر كمية الأموال التي تضخها السلطة الفلسطينية شهريا في هذه البنوك كرواتب لموظفيها، وبالمناسبة الوحش هنا ليس البنوك فقط ! بل يتبعها أو يسبقها بالحصة مجموعة شركة الاتصالات الفلسطينية وعلى رأسها شركة الجوال الخلوية، ثم يتبعهما بعد ذلك تجار الأنفاق الذين يجلبون المنتجات اللازمة للمواطنين بأسعار خيالية فاقت كل تصور...
من لا يقيم في غزة لا يمكنه الشعور بحجم المشكلة والاضطهاد الذي يعاني منه سكان قطاع غزة وخاصة بعد الانقلاب الدموي الذي نفذته حركة حماس على مؤسسات السلطة الفلسطينية، وما تبع ذلك من حصار شديد طال كل شيء في نشاط السكان وحركتهم حتى انعدمت حركة الإنتاج تماما، ولم يعد هنا أي موارد للمواطنين سوى فئة الموظفين في القطاع العام والتزام السلطة الشرعية في رام الله بدفع رواتب هؤلاء، والتي أصبحت (الرواتب) رمزا لوجود هذه السلطة وقوتها في غزة.. ويبدو أن الإعلام لم يتطرق لهذا الموضوع ومواضيع أخرى كثيرة، إذن البنوك في غزة عرفت من أين تؤكل الكتف؟ ليس أمامهم إلا رواتب الموظفين بعدما توقفت كافة الأنشطة الاقتصادية الأخرى.. فراحت تستغوِل وتتوحش في سرقة أموال الناس بشكل منظم دون وازع أخلاقي، أو ضمير وطني.. عدد من هذه البنوك تلتحف بأغطية إسلامية ووطنية مستغلين بذلك ضعف المواطن المنهك، والذي يحتضر منتظرا الموت كخلاص وحيد من أزمته المستشرية..
في الأسبوع الفارط كان موعد دفع الرواتب لموظفي السلطة عبر تلك البنوك، وبحجة عدم وجود عملة إسرائيلية(الشاقل) وهي عملة التداول في أسواق غزة والضفة أيضا، وهي العملة التي ضختها السلطة في البنوك، ولأن الرواتب تحسب بالعملة الإسرائيلية كذلك.. راحت هذه البنوك استبدال الرواتب بالدولار الأمريكي، أو بالدينار الأردني بسعر أعلى من السعر الحقيقي في السوق السوداء.. يخرج الموظف من البنك ليحول الدينار أو الدولار الذي استلمه من البنك إلى العملة الإسرائيلية المتداولة في الأسواق كي يغطي تكلفة حياته وحياة أسرته، فيجد أنه قد خسر من راتبه مبلغا يتراوح ما بين 0.5 ـ 1.5 % إن لم يكن أكثر في بعض البنوك حسب سعر الدولار فيها.. كل هذا يحدث في ظل الحكومة الرشيدة المسئولة أولا عن حياة الناس وأمنهم في غزة..؟! ويبدو أن مفهومهم للحكم هو ما يتعلق بالسياسة والتناحر السياسي مع الأحزاب، أو التنظيمات الأخرى..
كيف لهذه البنوك أن تحقق أرباحا خيالية في بلد لا ينتج شيء غير التسول ..؟ بل على العكس تماما في ظل الحصار ساهمت هذه البنوك في إحكام الحصار على المواطن والسلطة على حد سواء، ولو عدنا للوراء قليلا منذ بدء الحصار، كان همها الرئيسي كيف تسترد أموالها المقروضة للموظف الذي بات لا يعرف ما له وما عليه؟ وابتدعت هذه البنوك طرقا ووسائل متعددة في كيفية سرقة الناس وابتزازهم إلى حد لا يمكن السكوت عليه وتتحمل سلطة النقد والمجلس التشريعي والسلطة القضائية المسئولية الكاملة عن تصرفات البنوك؛ لأن الموظف أو المواطن ليس بخبير في الحسابات البنكية، فمثلا: إذا اقترض موظف ما مبلغا من المال من أي بنك في غزة قبل الحصار، وكان من المفترض تسديد هذا المبلغ للبنك في شكل أقساط منتظمة كل شهر إذا ما انتظمت الرواتب ... لكن ما حصل هو مع بداية الحصار صرف للموظفين سلفا صغيرة لا تكفي إعالتهم، وتم استلام هذه السلف من بنك البريد ( حكومي ) وليس من البنوك التي لم تتفق مع السلطة على تسهيل هذه المهمة؛ لأن السلفة المقدمة للموظف قد لا تكفي لتسديد القسط المستحق عليه للبنك.. فوجدت البنوك نفسها بلا عمل وعرفت كيف تقتنص الفرصة لإعادة هيبتها في الانتقام من المواطن وإدخاله في دهاليز حسابية لا يعرف لها أول من آخر عندما عادت تصرف السلف والرواتب للموظفين، فالمدين للبنك لا يعرف ماذا سدد وكم تبقى له؟ وإذا ما طلب كشف حساب من البنك لا يمكنه أن يفهم كم أودع له من راتبه وكم أخذ منه البنك وكم بقي له؟ وكان يقبل بأي شيء يسد به ظمأه.. ولا يريد أن يدوخ في معرفة الحقيقة المبهمة؟؟
إضافة لما ذكر وما لم يذكر.. من لا يعرف مصطلح ( المدين دوار ) فهو عبارة عن منح الموظف راتب كامل أو راتبين مسبقا من البنك بضمان الراتب أو بضمان مدخراته من التأمين والمعاشات... هذه الطريقة السحرية والملتوية، وهي غير متوفرة حتى في دول الليبرالية المتوحشة.. قد تساعد الموظف وتحل له مشكلة محدودة مرة واحدة لكنه يبقى يسدد فوائدها شهريا طيلة الحياة.. بمعنى أن البنك ضمن من الموظف ربحا ثابتا ما لم يسدد هذا الراتب؟ ولو افترضنا أن البنك يجني فائدة بنكية من كل راتب بمعدل 35 شيقلا على الأقل ولو كان عدد الموظفين المدينين دوار 10 آلاف موظف في كل بنك ، فالبنك سيحقق دخلا شهريا منهم ما يقارب الـ 100 ألف دولار فقط من هذه الوسيلة؟ ما دامت هذه البنوك مؤسسات لا فائدة وطنية منها ولا تعمل على التنمية.. وتعمل فقط على كيفية الاستفادة من رواتب الموظفين، إذن فلتتحول إلى مؤسسات حكومية توظفها الدولة لتسهيل صرف رواتب موظفيها.. أو تستغني عنها وتجد طريقة أخرى لتسليم الموظفين رواتبهم بدلا من أن تكون هذه البنوك وحش يأكل لحم المواطنين!!
Elkarim76@hotmail.com
الاثنين، نوفمبر 10، 2008
البنوك في غزة توحشت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق