د. صلاح عودة الله
"بلفورُ" وعـدُكَ للأغـراب في وطني لولا التخاذلُ لا ينجو وما عرفا**لكنَّ أنظمةَ الأعـرابِ قـد لَقَحَتْ مـِن ماءِ وعْدِكَ حتى أنْجَبَتْ خَلَفا**مُستأسِدين عـلى أوطـانِهم أُنُفٌ لا يأبهون بِذُلِّ الغـزوِ والشرفا**تَمَخَّضَ المجـدُ في أوطاننا خَنِثاً والكـلُ أبكمُ في إذلالِهِ شُغفا**يـا أمـة العرب قيدُ الذلِّ منكسرٌ إن صار ابنك مـن ثدييكِ مُرْتَشِفا**هـيـا نُعيدُ إلى بـغـدادنـا يمنٍ وقلبُ مصرَ يضئُ بحـرِّهِ النَّجفا**فنسحقُ الغزوَ والأطماعَ في وطني وينسجُ المجـدُ مـن أفعالنا صُحُفا..!. حلت في الثاني من تشرين ثاني 2008 الذكرى الحادية والتسعون لوعد "بلفور" المشؤوم الذي منحت بموجبه بريطانيا الحقق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين..فبعد إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 والتي قسمت البلاد العربية والإسلامية, عمدت بريطانيا إلى بسط نفوذها على جزء مهم من هذة البلاد، وسعت في نفس الوقت إلى تلبية رغبة الصهيوني "حاييم وايزمن" والصهيونية العالمية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين والتي اتخذت شكل "تصريح" والذي عرف باسم " وعد بلفور".
في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 وجه وزير خارجية بريطانيا" أرثر جيمس بلفور" إلى" اللورد روتشيلد" ،أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، كتاباً هذا نصه:
عزيزي اللورد "روتشلد":
"يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته..إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى, وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح".المخلص.."آرثر بلفور".
وتعتبر هذه الرسالة أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين، وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهدا بإقامة دولة لليهود في فلسطين. ان هذا الوعد شكل بداية الالتزام الإمبريالي العملي لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا النظام، ومحاولة من بريطانيا والعالم الغربي للتكفير عن جرائمهم ضد اليهود، ولإلحاق الكيان الجديد بالمنظومة الإمبريالية وأهدافها الاستعمارية ضد وطننا العربي والعالم. ومن هنا نستطيع أن نفهم طبيعة التحالف الأمريكي الصهيوني المحرك الرئيس لكل السياسات الأمريكية العدوانية في منطقتنا. ولا عجب، فإن المصالح الاستعمارية تتعزز أكثر فأكثر في ظل سيادة أفكار ومبادئ نظام عالمي جديد تحكمه أفكار الغطرسة والعربدة والعدوان، والتي تنادي بالقيم الأمريكية كقدر مفروض على البشرية بالقوة، وترويج لما يسمى بعالم حر ديمقراطي، وتلوّح باستخدام ترسانتها الحربية لكل من يقف موقفاً مناهضاً ومناوئاً لسياسة العدوان والبلطجة. وتتواصل خطى جريمة هذا الوعد:
بعد حلول الذكرى التسعون لهذا الوعد النكبوي المشؤوم، طل علينا وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ليتخذ موقفا بريطانيا جديدا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حيث يعلن:" ان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم "غير منطقي"، ويضيف "من الصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم". ويرى الوزير البريطاني، "أن الأفكار القديمة والأهداف والآمال يجب أن يعاد تعريفها وأحدها مسألة عودة اللاجئين، فمنطقياً لن يعود هؤلاء الذين تركوا بلادهم في العشرينات والثلاثينات"، وأضاف: "تاريخياً مر أكثر من ستين عاماً، وأصبحت تلك الأماكن جزءاً من "دولة إسرائيل"، وأردف: "العملية ليست سهلة لأنها ترتبط بالهوية الوطنية".
ان الامبراطورية البريطانية منحت فلسطين وطنا لمن ليس له بالاصل وطنا ولمن لا يستحق مثل هذا الوطن على حساب الشعب العربي الفلسطيني..فبعد ان تسببت وانتجت النكبة وقضية اللاجئين يأتي وزير خارجيتها اليوم بعد ستين عاما من الوعد ليكرر المشهد والدور بشكل مكمل ، في محاولة لشطب قضية اللاجئين وحق العودة الى الابد تحت ذريعة "من غير المنطق" ان يطالب الفلسطينيون اليوم بالعودة ، فقد اصبحت فلسطين كلها "اسرائيل". والتأكيد على هذا الوعد يستمر: لقد اعلن داني أيالون سفير "إسرائيل" السابق في امريكا وبمنتهى الوضوح:"إن رسالة بوش في نيسان 2004 إلى شارون، والتي اعترف فيها بالكتل الإستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور، علاوة على أنه في رسالة بوش تم ترسيم الحدود التمهيدية لإسرائيل".
وقارن أيالون رسالة بوش بتصريح وزير الخارجية البريطاني أرثور جيمس بلفور، عام 1917 قائلا:"كان تصريح بلفور أيضاً ورقة ملزمة صدرت من الوزير البريطاني لحاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية، وفي حينه لم يكن هناك اعتراف دولي، ومر 30 عاماً حتى تم تنفيذ التصريح".
وأعرب عن اعتقاده مؤكدا:"أن رسالة بوش تعتبر وثيقة أهم من تصريح بلفور، وبحسبه فإن الرسالة ستكون الأساس للتوصل إلى أي اتفاق في المستقبل، واعتبر الرسالة أحد أهم الإنجازات أثناء فترة آرئيل شارون"...ان وعد بوش لشارون وضع فلسطين عمليا بين وعدين تاريخيين يتلاقيان على الاجهاز الكامل الشامل والمطلق على فلسطين لصالح المشروع الصهيوني و"الدولة اليهودية النقية". لقد قدم بوش الى منطقتنا مؤخرا حاملا في جعبته الكثير من المصائب والويلات وبالرغم من ذلك قمنا باستقباله كضيف عزيز على قلوبنا..من سلطة رام الله الى دول الخليج العربي..اننا ببساطة أمة ترحب بجلادها.هذا"الضيف" يزورك عنوة وهو يعلم ان زيارته لك هي امر يجلب لك التعاسة ويجعلك متحفزا دائما لتلقف سلاطة لسانة الذي من شده خوفه من العتمة لا يستطيع البقاء في ظلمة فم مطبق الفكين فيخرج مسرعا ليقول هذرا ويقذف حجرا..ضيف يحل عليك حلول المصائب, وهو فعلا احد اكبر المصائب,يحل فجأة بلا مقدمات فلا يسعك الا الصبر الجميل وانتظار مكافئة العلي القدير , أوليس عظم الجزاء مع عظم البلاء..؟ وهل هناك بلاء اكثر من انعدام نعمة الأمن و نشر الجوع بين الأهل والاخوة , حيث لم نتعود من زيارات هذا الثقيل الينا الا على الكوارث المرحبة والنوازل المودعة..وما يترتب على ذلك من الأسى والفقد لكل ما يدخل على النفس الطمأنينة. ضيف يأتي متنكرا في زي الشرف والنزاهة والتحكيم العادل ويا لسذاجته..ألا يعلم ان مضيفه والعالم أجمع يدرك حقيقته وانه ابعد ما يكون مما يتنكر فيه من الصفات..الظلم مسلكه وانتهاك الحرمات هوايته وسرقة الحقوق بل والممتلكات حرفته..أيظن اننا حمقى..؟. فكيف نأمن لضيف يبارك لثلة من اللصوص براعتهم في سرقة ارض وتهجير شعب؟ كيف نأمن لضيف يرسل عصابتة "بلاك ووتر" متنكرة في زي عسكري لاحتلال دولة وازدراء تاريخ , كيف نأمن لضيف زراعته ابدال العنب بالشوك ينثره بكثرة بين ثنايا مذاهب واديان ولغات وثقافات شعب واحد لكي تبرز ابرهذه الأشواك طاردة اي محاولة اندماج او تقارب بين اطراف الجسد الواحد؟ومن اكثر ما يضحك حتى البكاء ان يعد هذا الضيف بما لا يملك لمن لا يستحق.."ستكونون في ذكرى تأسيسكم ال 120 اكثر امنا..و. و..الخ. ومن اكثر ما يبكي حتى الضحك ان يصدق أصحاب الحق هذا الوعد لمن لا يستحق بل ويعملون على تنفيذ بنوده بكل غباء وبلاهة..وليس بأفضل حالا منهم اخوه ظهرت عليهم مشاغل الدنيا فجأة فبدوا كمن أصابهم البكم والصمم..انه وعد"بوش فور"..فهل يعيد التاريخ نفسه؟. ان مؤتمر الخريف "أنابوليس" والذي سمي زورا وبهتانا مؤتمر السلام في الشرق الأوسط والذي انعقد في تشرين الثاني من العام المنصرم جاء ليأكد على يهودية اسرائيل وتصفية ما تبقى من الوطن المسلوب, والغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وانه لمن المؤسف أن يقوم الرئيس ابو مازن بالمشاركة فيه رغم كل النصائح بعدم الذهاب الى امريكا مع وفده المرافق..ولكن, لقد اسمعت لو ناديت حيا**ولكن لا حياة لمن تنادي. ان الأمور تعدت هذه الحدود, فلم يعد يتوقف الأمرعن مطالبة الصهيونية بتهجير وابعاد فلسطينيي القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بل تعداه الى ابعد من ذلك وهو المطالبة بتهجير فلسطينيي الاحتلال الأول.. وهذ الأمر بدا بصورة واضحة وجلية قبيل انعقاد مؤتمر الشؤم المذكور..ان عملية تهجير هذا الجزء من ابناء شعبنا كانت وما تزال القضية الرئيسية التي تشغل بال القادة الصهاينة من"بن غوريون" الى القتيل "رحبعام زئيفي" وصولا الى العنصري الحاقد"ليبرمان" زعيم من يحملون فكرة الترحيل"الترانزفير"..فتصريحات وزيرة خارجية الكيان الصهيوني" تسيبي ليفني" والتي خلفت مؤخرا "أولمرت" في رئاسة حزب"كديما الصهيوني" تكشف عن مخطط صهيوني لتهجير فلسطيني 48 الى خارج حدود دولة ما يسمى "اسرائيل" للحفاظ على عرقيتها اليهودية التي اكد عليها الزعماء الصهاينة مرارا في الاونة الاخيرة..هذا وكانت ليفني قد صرحت في الأيام الأخيرة التي سبقت انعقاد مؤتمر" أنابوليس المشؤوم" بأن إقامة الدولة الفلسطينية لن تكون الحل القومي فقط للعرب في غزة والضفة الغربية، وليس فقط للاجئين الفلسطينيين، بل أيضاً لعرب إسرائيل (فلسطينيي الاحتلال الأول ). انه من الخطورة بمكان أن هذه التصريحات قد خرجت قبل مدة وجيزة على الاجتماع الدولي في أنابوليس مما يعطي إشارة واضحة إلى حجم الخطر الذي يتهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على حق العودة. انه في الوقت الذي كان فيه شعبنا يعيش أجواء الذكرى الستين للنكبة وهو يتطلع للعودة، جاءت هذه التصريحات لتعطي إشارة لا لبس فيها على نوايا التطرف والعنصرية الصهيونية للبدء بعمليات تهجير جديدة لأهلنا في الأرض المحتلة عام 1948..إن التصريحات المكثفة التي خرجت من المسؤولين الصهاينة قبيل مؤتمر أنابوليس وبعده تريد التأكيد على (الخطوط الحمراء الصهيونية) والتي تلغي حق العودة في الوقت الذي يبدو فيه الطرف الفلسطيني المفاوض في أضعف حالاته ويلتزم الصمت إزاء كل هذا..!. لقد كان من غير المعقول على السلطة الفلسطينية أن تذهب إلى مؤتمر هذه مقدماته ونؤكد هنا بأن الخطر ما عاد يتهدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وحسب، بل إن النوايا الصهيونية القديمة الجديدة لتفريغ أراضينا المحتلة عام 48 من سكانها باتت أكثر علانية ووضوحاً في ظل صعود اليمين الصهيوني والتيار الموسادي المخابراتي إلى مكاتب صنع القرار في الكيان الصهيوني..وقد طالبنا مرارا السيد محمود عباس بعدم المشاركة في هذا المؤتمر لأنه يأتي لتصفية ما تبقى من قضيتنا,الا أنه ذهب مع وفده المفاوض ضاربا بعرض الحائط كل هذه المطالبات..وما حصل بعد ذلك هو ارتكاب المجازر الصهيونية البشعة بحق ابناء شعبنا في قطاع غزة وبضوء اخضر من مجرم الحرب العالمي جورج بوش. وفي تهاية مقالي أقول, اذا كان "وعد بلفور" قد ترتبت عليه مجازر جماعية وجرائم حرب لا حصر لها، ونتجت عنه على نحو خاص "مجازر سياسية وحقوقية" ونتجت عنه نكبتنا الكبرى, فان "وعد بوش" يحمل لنا الاخطر والابشع والاشد كارثية من المجازر الجماعية الدموية والسياسية على حد سواء..فالوعد يحملنا مرة اخرى الى بدهيات الصراع الاولى بوصفه صراع وجود وهوية وسيادة وحاضر ومستقبل..فإما ان تكون الامة او لا تكون..؟ الشكرالعظيم لهذا الجلاد الراحل وعن قريب عن البيت الأبيض سود الله وجهه..والخزي والعار لكل من رحب به وامن بوعوده الزائفة..ولكن ومما يطمئن النفوس أنه برحيله وكما رحل معه أولمرت سيرحل الكثيرون من اتباعه في منطقتنا..فالتاريخ لا يرحم مثل هؤلاء والذين لا تاريخ لهم..!. تحية اجلال وتقدير لأبناء شعبنا القابضين على الجمر..وان يوم النصر ات لا محالة..!.
-القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق