رشا أرنست
انقلاب قطار محمّل بالسولار في بني سويف وخروج آخر عن القضبان وتعطل ثالث في كفر الشيخ، وتوقف جميع القطارات قبل بضع كيلومترات من بني سويف لتفادي الحريق هذا ما اهتمت بنشره بعض الجرائد التي روت أحداث يوم الأحد الماضي 26 أكتوبر. ولم يهتم احد بمصالح الناس التي تعطلت لأكثر من عشر ساعات أو عن البهدلة التي تعرضوا لها كل ركاب القطارات في ذلك اليوم. ومع الأسف كنت واحدة من هؤلاء الضحايا الذين لم ينظر لهم أحد ولا أقول أنني الضحية الوحيدة التي رفضت الاستسلام كما استسلم الجميع في ذلك اليوم وان كنت لم افعل الكثير، فربما هناك من اعترض أو كان له موقف شبيهاً بموقفي.
بعد انتظار أكثر من ساعة وربع على محطة ابوتيج بمحافظة أسيوط في انتظار قطار رقم 991 القائم من سوهاج الساعة الخامسة صباحاً ومتجه إلى القاهرة وصل القطار وبدأ مع وصوله يوم غير متوقع. ركبت كعادتي منذ تسع سنوات وجلست بكرسيّ المتحرك بين عربتين فلا مكان لأمثالي من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل أي قطار في مصر. وبرغم كل البهدلة التي أتعرض لها في كل مرة استقل فيها القطار من الجلوس بين العربات لعدم سماح أبواب أي قطار لمروري بالكرسي المتحرك وتحمل المدخنين والباعة وكل ما يمكن أن أتعرض له من تساؤلات ونظرات وغيرها إلا أن ما تعرضت له ذلك اليوم فاق كل صبري وتحملي. قد أوصف بأنني قادرة على التحمل كالجميع وجلوسي على كرسي متحرك ورغم انه يزيد القليل من العبء أثناء السفر إلا انه لا يُعيقني أبداً من الاستمرار. ولكن عند هذا الحد وأقول كفى. كفى لهذه المهزلة من الاستمرار، كفى تظاهراً بأن كل شيء على مايرام. فعندما يصل الحد إلى الوقوف في منطقة اجهل ويجهل الجميع معي اسمها، وعندما يُطلب مني النزول قبل وصولي للمحطة التي أريدها، وعندما أتعرض لإجبار على النزول لابد أن تكون هناك وقفة.
هذا ما حدث عندما توقف بنا قطار 991 يوم الأحد الماضي بقرية لم يعرف اسمها احد من الركاب أو سائق القطار جنوب بني سويف بحوالي 25 كيلومتر الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً. وبعد ساعة تقريبا من التوقف وسط تساؤلات الجميع عن السبب علمنا بخبر انقلاب قطار البضائع في بني سويف الذي يحول دون مرورنا، لذلك توقف السائق في هذه المنطقة علما أن هناك رصيف للقرية يبعد اثنين كيلو تقريبا إلا أن السائق اختار هذا المكان المجهول ليزيد من بهدلتنا في ذلك اليوم. وبدأ رئيس القطار والشيالين تحريض الركاب وإقناعهم بالنزول والمشي اثنين كيلو للوصول إلى منطقة سيارات الأجرة القريبة معللين ذلك أن العطل سيستمر ما بين سبع أو عشر ساعات. وفي دقائق معدودة ودون تفكير بدأ بالفعل الركاب في النزول، فهذا الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق. وحاولت إقناع الناس بأن هذا ليس حلاً وسيكون بهدلة كبيرة وخاصة للسيدات إلا أن الانتظار كان أصعب من التفكير. وبالفعل خلال نصف ساعة كان جميع الركاب غادروا القطار إلا سبعة أفراد رفضوا للأسباب منهم سيدة حامل وزوجها كانا خائفين من التعرض للانزلاق أثناء الهبوط من القطار، وسيدة أخرى مسنة على كرسي متحرك مع ابنها. وسيدة مع طفلها الرضيع قامت بالاتصال بوالدها التي كانت في زيارة له بالمنيا وابلغها انه قادم. أما الفرد الأخير فكنت أنا، وقد رفضت اقتراح الشيالين بحملي للوصول أول الطريق. وفكرت أن هناك حلاً آخر وهو الاتصال بالنجدة على رقم 122. وبالفعل قمت بالاتصال من تليفوني المحمول وبعد نصف ساعة من المحاولة سمعت استجابة. أسئلة واستفسارات ثم قالوا لي "هانشوف"، مع العلم أنني أخبرتهم بكل ما حدث لنا وبجلوسي على كرسي متحرك وان هناك امرأة أخرى بنفس ظروفي إلا أنهم لم يستجيبوا في البداية فقررت الاتصال بأختي في القاهرة التي قامت هي الأخرى بالاتصال بالنجدة وطلب المساعدة وتلقت نفس الإجابة. إثناء اتصالي كان الشيالين يحملون حقائب وحاجات الناس لنقلها حتى سيارات الأجرة فقابلوا على الطريق ضابط شرطة فاخبروه أن هناك فتاة لا تريد النزول من القطار وقد تكون عائق في إنهاء هذه الأزمة. فما كان من الضابط إلى الاتجاه للحديث معي وقد كان. فوجئت به وتصورت انه النجدة واندهشت للاستجابة السريعة، وهذا ما لم يصدقه عقلي وكما ظننت فقد عرفت أنها الصدفة التي جعلته في طريقي. وكان الحديث كالآتي:
الضابط: إيه المشكلة انك تنزلي من هنا"مشيراً إلى باب القطار"؟
رشا: المشكلة اقولهالك ببساطة، المشكلة إن عشر سنيين متحملة كل ما يحدث وصبري كصبر الجميع، المشكلة إننا في حتة مش عارفين اسمها، المشكلة إن اللي أمر بوقف القطر لم يهتم بينا ولا باللي هايحصلنا.
الضابط: "مستغرب كلامي وكأنه كلام غير مفهوم" يعنى انتي عاوزة إيه دلوقتي؟
رشا: "محاولة تهدئة أعصابي في صمت".... عاوزة انزل بطريقة محترمة ماتهنيش
الضابط: "لم ينطق لثواني ثم نظر إليّ وقال حقك، لكن دي حالة طارئة.
رشا: اوك حالة طارئة لازم يكون لها تجهيز من الهيئة.
الضابط: طيب مفيش تجهيز ومفيش حل غير النزول وبعدين؟
رشا: مفيش حل عندك لكن أنا عندي حل.
الضابط: إيه؟
رشا: النجدة اللي طلبتها تيجي تاخدني على اقرب قسم شرطة وأحرر محضر"كنت جادة جدا وانوي ذلك بالفعل".
الضابط: "بنظرة ساخرة" محضر ايه وضد مين؟
رشا: ضد رئيس هيئة السكة الحديد ووزير النقل والمواصلات
الضابط: "مندهشا" هاتقولي فيه إيه؟
رشا: انتهاك حقوقي الإنسانية إثناء استقلال القطار. وعلى فكرة أنا صحفية
لم اعرف لماذا أخبرته أنني صحفية، فهو لم يسألني ولكني أخبرته. كانت كلمتي حقوق وصحفية بمثابة مفتاح لحلّ الأزمة، هذا ما شعرت به بعد ذلك عندما أخبرتني السيدة التي كانت تحمل طفلها والتي كانت جالسة بالعربة التي توجه إليها الضابط لإجراء مكالمة هاتفية من تليفونه المحمول ولم يلاحظ وجودها لان العربة كلها كانت فارغة ماعدا السيدة وطفلها النائم. فسمعته يقول للطرف الآخر دي صحفية وبتتكلم عن حقوق الإنسان.
بعدها تلقيت مكالمة على تليفوني من شخص قال انه رئيس مباحث وسألني عاوزة إيه بالظبط؟ وكانت الساعة وصلت الثالثة ظهراً. فأخبرته بعصبية وصوت عالي: نقول تاني عاوزة انزل من غير بهدلة، بشكل محترم وعلى رصيف. وكان الضابط قد اخبره أني أريد تحريك القطار لمسافة 2 كيلو حتى نصل لرصيف القرية المجهولة. وبالفعل بعد نصف ساعة جاء الأمر الذي اجهل حتى الآن مصدره وتحرك القطار بنا في دهشة من الجميع. فأكثر من مائتي راكب نزلوا بطريقة مهينة وسبعة أشخاص تحرك بهم القطار.
وجاء الجزء الثاني من المشكلة كيف سأصل إلى القاهرة بعد رفضي ركوب الميكروباص الذي عرضه عليه الضابط وأخبرته أنى غير قادرة بمفردي ركوبه لأنه عالي ولن اسمح لأحد بلمسي. ولولا أن والد السيدة التي تحمل طفلها قد وصل إلى المكان وعرض توصيلي مع ابنته إلى القاهرة لكان الضابط لعن الصدفة التي جمعته بي في هذا اليوم بعد أن حاول مع سيارات الأجرة توصيلي وجميعهم رفضوا حسب قانون المرور الجديد الذي لا يسمح بالانتقال من محافظة إلى أخرى بدون خط سير رسمي. ما جعلني اصرخ في وجهه بأن يُعطي احدهم خط سير فأجابني لستُ ضابط مرور. وكان عليه أن يجد حلاً حتى تدخل والد السيدة وأنهى المسألة. فوافقت رغماً عني وكان التعب والإنهاك الشديد تملكا مني بعد مرور إحدى عشر ساعة داخل القطار، ومازال أمامنا أكثر من ساعتين للوصول إلى القاهرة، وهذا ما جعلني اصرف نظر أيضاً عن المحضر الذي سألني عليه الضابط فأجبته بأنني منهكة وأخشى تكملة البهدلة في قسم الشرطة. انتهى الأمر ولم ينتهي اليوم، فشكرت الضابط التي وضعته الصدفة أمام وجهي ثم ركبنا السيارة وتوجهنا إلى القاهرة ووصلت بيتي في السادسة والنصف مساء.
هذا ما حدث معي ومع ركاب قطار 991 يوم الأحد ولم يهتم أحدا في هذا البلد حدث لنا، وكأننا نحن سبب العطل أو العطل نفسه وعلينا تحمل المسئولية. اقبل تحمل مسئولية أخطائي ولكن مَن يقبل تحمل مسئولية أخطاء هؤلاء المسئولين الذين لم يقدروا قيمة الوقت في حياتنا ولا همهم بهدلة نساء وأطفال ولا النظر لما قد نتعرض له أثناء هذه الوقفة المفاجأة.
ما حدث معنا لا يحدث في أي بلد أخرى، وقانون مواجهة الحوادث قانون صريح لا يوجد منه بند واحد يُطبق في مصر، لا قانون مواجهة حوادث ولا كوارث. وكان الأغرب في نهاية هذا اليوم أننا علمنا أن قطار البضائع انقلب في العاشرة صباحاً وتوقف الطريق قرب بني سويف من الجنوب والشمال إلا أن تحركات القطارات استمرت طبيعية وكأن شيئاً لم يكن، وعند القرب من المنطقة الموبوءة تتوقف ويتعطل كل شيء بما فيها تفكير الركاب ليصبحوا تحت رحمة الشيالين الذين يُعتبروا المستفيدون الوحيدون في هذا اليوم لتقاضيهم بقشيش من الجميع أثناء حمل الحقائب ذهابا وإياباً.
أقول قولي هذا واعلم أن ربما لن يهتم أحداً بقراءة المقال. وربما يقول البعض أنني زدت المشكلة حجماً. ولكني أضع ما حدث في ذاكرة المسئولين ليواجهوا ضمائرهم ويسألوا أنفسهم كم حق من حقوق الإنسان مهدرة في مصر بسببهم وبسبب سياستهم وإهمالهم؟ وكم يزيد عليها من حقوق مهدرة لذوي الاحتياجات الخاصة؟ وسؤال خاص لسيادة وزير النقل: ياترى وضع ذوي الاحتياجات الخاصة وتسهيل الانتقال لهم موضوعة ضمن خطة سيادتك لتطوير النقل ولا الإجابة هاتكون "محدش يسألني قبل 2009" على وزن الإجابة في استجواب مجلس الشعب في شهر يوليو "ماحدش يحاسبني قبل مارس 2009" !!!!
http://racha-arnest.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق