سعيد علم الدين
تحية لبنانية عربية شرقية خالصة إلى غبطة بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم، لموقفه السياسي الواعي الحكيم في موضوع صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني.
يؤكد هذا الموقف الشهم لبطريركنا الكبير أنه هامةٌ:
وطنيةٌ لبنانيةٌ صلبةٌ، وقوميةٌ عربيةٌ أصيلةٌ، وشرقيةٌ إنسانيةٌ عاليةٌ.
فيا لسخرية الأقدار في هذا الزمن اللبناني والعربي الغريب الأطوار، حيث تحول المنافقون والدَّجالون والمزيفون والكذَّابون والثرثارون والأفاكون والإرهابيون والبلطجيون والممانعون الخانعون الى ثوار!
وأصبح عندهم "حق الرد في الزمان والوقت المناسب" على أمريكا وإسرائيل هو الشعار!
يتمسكون به ثوار آخر زمان كتمسك الغريق بحبل الهواء!
ويحاربون ثوار آخر زمان الشطار، ويا للعار: بجبهات الآخرين، ومآس الأهل، ودماء الأشقاء! وهم السماسرة الصغار!
ويا للعجب!
حيث العلماني ميشال عون يحاول امتطاء الدين وصولا لمآربه السياسية، وحيث رجل الدين العليم يتدخل بهمة الحكماء العالية لإعادة الأمور الى نصابها فاصلا بين الدين والسياسية.
بقوله في القداس الاحتفالي الذي اقيم في زحلة، الاحد 26 تشرين اول، توعيةً للناس، وتنويرا لهم لكي لا يغشهم السياسي المتذاكي:
" هذا ، شأن لبناني خاص، فكل واحد اذا اراد ان »يفش خلقوا» بشيء يلزقها بالطائفة والناس تصدقه".
هذا الكلام فيه نقد لاذع للسياسي المخادع، الذين يستغل عاطفة المؤمنين الدينية لخداعهم في سبيل تحقيق طموحاته الأنانية.
بتأكيده القول أن " هذا ، شأن لبناني خاص"، وبالتالي ليس طائفياً أرثوذكسياً. أي أن موضوع الصلاحيات المثار من قبل العلماني ميشال عون تجييشا للعواطف الدينية واصطيادا في المياه العكرة اللبنانية، هو شأن وطني سياسي لبناني جامع لكل اللبنانيين وليس ديني طائفي لشريحة منهم.
أي ان البطرك ينظر الى لبنان كوطن والى اللبنانيين كشعب واحد، بينما الانتهازي ميشال عون ينظر اليه كقطعة جبنة، واليهم كمجموعات من الطوائف المتناحرة على هذه القطعة.
أي ان البطرك الحكيم يطلب من السياسيين النظر الى المطالب السياسية المحقة من منظار وطني واسع وليس من منظار طائفي ضيق.
كلام البطرك فيه ايضا تهكم ساخر على تصرفات السياسي المنافق الذي اذا اراد ان »يفش خلقوا» بشيء، أي اذا أراد إزعاج رئيس الحكومة الأب اللبناني الكبير الاستاذ السنيورة، واستفزاز الطائفة السنية، لغاية في نفس ميشال عون معروفة، "يلزقها بالطائفة" الأرثوذكسية "والناس تصدقه".
فاضحا دور السياسي الغشاش على الساحة اللبنانية، بقوله "هذا شيء ليس بجديد، وهذه مسألة صغيرة تؤخذ ذريعة من اجل اشياء اخرى"
داعيا كعادة رجال الدين الكبار الى السمو والتعالي عن الصغائر ومحبة الآخر والاوطان بقوله "ولكن لا يجوز ان يتجاهل الانسان، الامر المهم والاساسي وهو الوجود سوا في البلد الواحد، بمحبة البلد الواحد وهذه الامور لا يفوقها شيء".
كلام من ذهب يساعد في هذه الظروف الصعبة والخطيرة التي تعصف بلبنان الصغير من كل الجهات على قيامه من كبوته، بينما ميشال عون يسعى وبشتى الطرق لعرقلته عن القيام، ليبقى في هذه الكبوة اسير مشاريع الآخرين المدمرة والتى لا تخدم المواطن وتشكل أكبر ضرر للمصلحة اللبنانية العليا وقيام الدولة السيدة المستقلة.
محذرا السياسي الدمية الذي يقوم بهذه الادوار الخطيرة من مغبة حرتقاته السياسية وتصرفاته الحمقاء التي تسبب الفتن والمشاكل والقتال بين ابناء البيت اللبناني الواحد، بقوله " هذه أشياء كما تحصل حاليا في السياسة تحصل في البيت الواحد ولكن لا تتسبب بمشاكل يومية وقتال فهذا عيب فهناك خلل في تقويم الامور« .
فيا للعجب العجاب!
فبدل ان يستدرج العلماني المزيف ميشال عون في موضوع الصلاحيات الكنيسة الأرثوذكسية الكريمة لحرتقاته السياسية الصغيرة، ومآربه الدنيوية الدنيئة في خلق النعرات الطائفية، واستغلال العاطفة الدينية عبر ثرثراته الدائمة عن الحقوق الضائعة، تارة عن حقوق رئيس الجمهورية الماروني، وهو الذي عطل انتخابه اكثر من 7 اشهر لكي يفرض نفسه على الكرسي "كأنا او لا أحد".
لماذا؟ خدمة لمشاريع المحور الايراني السوري في الهيمنة على لبنان والعراق والعالم العربي مذهبيا أو تمزيقه إربا.
متسببا عون وليس غيره بمواقفه المدمرة هذه في فتنة 7 ايار المشؤومة التي ادت الى احتلال بيروت السنية من قبل ميليشيات ايران وسوريا وفرض أمر واقع على اللبنانيين انتهى باتفاق الدوحة وتقبيل أيادي الملالي ليوافقوا عليه. الهدف الهيمنة على قرار زعماء بيروت والجبل وخلق فتنة سنية شيعية لا تبقي ولا تذر، استطاعت قادة 14 آذار تفاديها بمواقفهم السياسية والوطنية التاريخية الحكيمة.
فعون العلماني المزيف يعمل جاهدا اليوم مدعوما بالمال الطاهر على اضاعة لبنان العربي الديمقراطي التعددي بأكمله من خلال استتباعه لأطماع نظام الولي الفقيه المذهبي القارسي الشمولي.
ولهذا فهو يقوم بشحن العواطف الدينية واستفزاز الطائفة السنية وفي اكثر من مناسبة، ومنذ أن قال بوقاحة في معرض انقلابه مع حزب الله على شرعية الرئيس السنيورة بعد حرب تموز " من شيل سني ومنحط سني". وكأن السنة أو الموارنة أو الارثوذكس أو غيرهم من الطوائف الكريمة لعبة بين يديه وأيدي أسياده.
وهكذا جاءه الرد الحكيم من البطريرك الكريم مغلقا الباب في وجهه رافضا استدراج الكنيسة والمؤمنين الى امور ليس لهم علاقة بها ومضرة للطائفة ولبنان.
لماذا؟ لان البطريرك يفكر بأبوة وسمو من اجل قيامة لبنان المعذب من محنته، التي يحاول عون وامثاله من صغار السياسيين إغراقه بها إلى أبد الآبدين دون التفاتة واحدة لآلام وعذابات ومآسي ومصائب اللبنانيين.
فتحية إلى كل المخلصين الشرفاء في لبنان من رجال دين وسياسيين، لقول كلمة الحق بجرأة الشجعان، من أجل صون الوطن وكرامة المواطن وحقوق الإنسان. فزعماء الابتزاز السياسي والإرهاب والبهتان وتجار الكراسي يعتبرون السكوت عن أخطائهم وتلفيقاتهم وثرثراتهم وحماقاتهم ومعاركهم الدنكوشوتية وحروبهم الإلغائية وعدم انتقادها، ضرورة وطنية لا بد منها، لتنفيذ مشاريعهم الانتهازية التي يدفع ثمن فاتورتها في النهاية الشعب الغلبان.
تحية للشرفاء في صفع أهل الكذب والافتراء، وفضح ممارساتهم الدنيئة، ومشاريعهم المشبوهة لخراب الأوطان، في وطن معذب مستباح، ويواجه وحيدا أخبث وأعتى وأبشع مؤامرة إلغاء.
إلغاء وجوده كوطن واحد سيد حر عربي ديمقراطي تعددي مستقل:
بضرب وحدته التعددية، وتغريبه عن عروبته، وإفساد ديمقراطيته، وخنق حريته، والأهم من كل ذلك النيل من هيبة جيشه وقواه الأمنية وكسر شوكة دولته كما حدث في 7 أيار.
وبالتالي الدوس على سيادته الوطنية وتحويله:
- الى مشاريع دويلات مذهبية وقبائل متناحرة خدمةً لأهداف الأعداء في تفتيت الدول العربية للهيمنة عليها. وكما نراه بأم العين في فلسطين والعراق ولبنان من تدخلات إيرانية تآمرية ودفع أموال طائلة ليست بالنظيفة ولا الطاهرة، بحجة مواجهة المشروع الامريكي.
ويا للسخرية هم يقومون بتنفيذه بأيديهم تساعدهم مربعاتهم المسلحة والتي عليها ألف علامة سؤال وسؤال، لما يحدث في لبنان منذ 4 سنوات من تفجيرات وتفخيخات وعمليات اغتيال. ومن حقنا وضع علامات السؤال ما دامت هذه المربعات وغيرها من المخيمات والمعسكرات السورية- الفلسطينية خارجة عن سلطة القانون وعيون الشرعية، يأوي اليها القاتل المجرم، والارهابي المخرب المصدَّر من وراء الحدود الشمالية الشرقية، والعابث بأمن الوطن وسلامة المواطنين بحرية.
الى متى سيبقى مثلا مخيم عين الحلوة ملاذا آمنا ومأوىً ثابتا لمئات من اللصوص والإرهابيين المطلوبين للسلطة اللبنانية؟
الا تكفي مأساة نهر البارد اللبنانية الفلسطينية التي أراد المحور الايراني السوري من خلالها حرق قائد الجيش آنذاك العماد سليمان لكي لا يصل إلى رئاسة الجمهورية. ولكي يفرضوا بدلا منه ميشال عون!
وانقلب سحرهم عليهم! لكنهم تسببوا بمأساة دموية فظيعة وإراقة دماء لبنانية وفلسطينية بريئة غالية وزكية.
ولهذا فعلى السيد نصر الله أن يكون السباق في هذا المضمار، تكفيرا عن ذنوب 7 ايار، إذا كان حقا بعد لقائه مع الزعيم سعد الحريري يريد التمسك باتفاق الطائف.
والتمسك بالطائف يعني تنفيذه، أي تسليم السلاح طوعا للدولة كما فعلت باقي الميليشيات وليس وضعه كملف على الرف!
وليس ايضا ابقاء لبنان ساحة مستباحة للإرهاب وحروب الآخرين، وإنهاك وكسر إرادة شعبه بتحويلهم الى خانعين ضعفاء أو مهجرين في بلدهم أذلاء، أو ومهاجرين في شتى البلدان.
- إلغاء دوره العربي الإنساني المميز، في هذا الشرق الشمولي الاستبدادي المريض، كصاحب رسالة حضارية تاريخية نادرة في العيش المشترك بين المذاهب والملل والأديان والأعراق منذ آلاف السنين. وملاذا آمنا للأقليات والمستضعفين.
فلبنان لم يولد البارحة بقرار من الجنرال غورو، ولم يسلخ من سوريا كما يردد بعض الغلمان، وإنما هو ابن التاريخ السحيق وامتشاق اللبناني للجبل والصخر وركوب البحر وصراع الريح منذ آلاف السنين.
عودة الى المخطوطات والآثار الفرعونية والكتب الإغريقية وشواهد مذهلة في الإنجيل المقدس تؤكد هذا الكلام.
وعمر لبنان الحالي: بتاريخه البعيد العريق، وأرزه المتجذر في جباله الشامخة، وشعبه الطيب الفذ، أكثر ستة آلاف عام.
الخميس، أكتوبر 30، 2008
البطريرك الحكيم والعلماني المزيف عون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
كلام حكيم.. لا فض فوك
إرسال تعليق