عبــد الكــريم عليــــان
عضو صالون القلم الفلسطيني
نص اتفاق القاهرة للمشروع الوطني الفلسطيني حسب ما نشر في وسائل الإعلام المختلفة، والمتوقع التوقيع عليه في القاهرة يوم التاسع من تشرين الثاني كما جاء في نص الاتفاق: " اجتمعت الفصائل والقوى الفلسطينية في القاهرة يوم 9/11/2008 واتفقت على مشروعها الوطني..." في اليوم التالي لنشر هذه الوثيقة أبدت بعض التنظيمات ملاحظات كما سموها وتحتاج إلى تعديل، وكانت هذه الملاحظات تتركز حول نقطة أساسية وجوهرية في الاتفاق، وهي المادة التاسعة:
"9 ـ الأجهزة الأمنيةإعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية و وطنية بعيدا عن الفصائلية ، لتكون وحدها هي المخولة بمهمة الدفاع عن الوطن و المواطنين ، و ما يتطلبه ذلك من تقديم المساعدة العربية اللازمة لانجاز عملية البناء و الإصلاح." والملاحظات الأخرى جاءت مرتبطة بالمادة السابقة، وهي كما جاءت في البنود التالية:
"12ـ الحفاظ على التهدئة في الإطار الذي توافقت عليه كافة الفصائل و القوى الفلسطينية خلال اجتماعاتها بالقاهرة يومي 29 ـ 30 / 4 / 2008 . 13 ـ توفير المناخ الداخلي الملائم من اجل إنجاح ، مرحلة ما بعد الحوار الشامل و التنفيذ الكامل لمقتضيات هذه المرحلة ، و ما تفرضه من حتمية وقف و إنهاء أية إعمال أو إجراءات داخلية من شأنها الأضرار بالجهد المبذول لأنها حالة الانقسام و ضرورة التفاعل بإيجابية مع متطلبات المصالحات الداخلية.
"إذن الخلاف هو: على مشروع المقاومة المسلحة، أو بالأحرى في ما يتعلق بمن يحملون السلاح وكيفية التعامل معهم؟ أو لنقل: ما هو مصير هذا الأسلوب من الكفاح؟ هل سيكون ذلك من مهام الأجهزة الأمنية إذا ما أعيد ترتيبها وتأهيلها من جديد؟ كما أشير إلى ذلك من خلال المادة 9 حسب ما ورد في الاتفاق بشكل غير ضمني، وبالطبع هذا يتنافى مع اتفاق أوسلو الذي حدد مهمة هذه الأجهزة بالحفاظ على النظام والقانون، وسيضعنا أمام موقف جديد من قبل إسرائيل لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيكون عليه الأمر فيما بعد.؟
كذلك هل ستصبح التنظيمات المسلحة تنظيمات سياسية لا يوجد لديها أذرعا عسكرية؟ علما أن من بين هذه التنظيمات من استقوت وكبرت بسبب هذا الأسلوب، وهذه القوة.. بل لنقل: أنها بنيت على هذا الأساس، فكيف إذن لهذه المنظمات أن تقبل بهذا الاتفاق؟ إن لم تعمل على نسفه، وإفشاله، وستجد دولا إقليمية تساعدها على ذلك.. وحتى يمكنها العمل على إفشاله بعد الاتفاق إذا ما بقي السلاح في أيد عناصرها.. آن لنا أن نناقش هذا الموضوع، أو هذه التجربة بعد استخدامها لأكثر من سبعين سنة حتى الآن وما أحرزته من نتائج سواء كانت إيجابية أم سلبية.. هل يمكننا الاستمرار فيها؟ أو ترشيدها بما يخدم المصلحة العليا لشعبنا؟
إن العمل العسكري أي كان يجب أن يحقق ثلاثة أهداف أساسية هي: سياسية واقتصادية وعسكرية.. وبالقياس ماذا حققنا على الصعد الثلاثة؟ ألم نخسر كل شيء..؟! فسياسيا لم نحقق سوى مشروع السلطة الفلسطينية الهزيل ولم نحافظ عليه، أو نطوره إلى الأفضل.. وعسكريا أي موقع أو أرض استيراتيجية احتفظنا بها، أو استرددناها..؟ ألم تبق كل أراضينا تحت سوط الاحتلال ويتحكم في كل شيء يبقينا على قيد الحياة من الهواء إلى الماء والطعام..؟ أما الاقتصاد؛ فالحمد لله كل شيء على ما يرام.. فعجلة الإنتاج لم تتوقف، والبطالة معدومة،ولم يسجل أي حالة من الفقر والجوع في مجتمعنا ما عدا أن كل الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة يعيش على التسول..!
قد يثير هذا القول شيء من الإحباط ، أو قد يقول البعض: من الانهزام، أجل! فثقافتنا السائدة لا تقبل بالهزيمة؛ فهزيمة الجيوش العربية عام 1948 سموها (نكبة)، وهزيمتهم عام 1967 سموها (نكسة)، وهزائم المقاومة كانوا يسمونها انتصارات.. نعم! سموها ما شئتم، لكن النجاح يقاس بالنتائج لا بالكلام.. ربما النجاح الوحيد الذي حققناه هو في صمود شعبنا الأسطوري، والحفاظ على قضيتنا مشتعلة.. لكن ثمن ذلك كان باهظا وباهظا جدا، والمهم الآن: كيف يمكن الحفاظ على كينونة شعبنا؟ واستمرار نهج المقاومة بأشكالها المختلفة والاستفادة من الظروف الدولية والمحلية...أشكال عديدة من المقاومة والنضال حقق شعبنا من خلالها نجاحات باهرة، لكنها كانت تحبط ولم يستفاد منها.. أو لم يتم استخدامها في تحقيق بعض الأهداف، كذلك أشكال أخرى من المقاومة لا يتم الانتباه لها؛ فكل طفل يتم تعليمه وتأهيله بالشكل الأنسب هو مقاومة، وكل طفل يتسرب من مدرسته ويترك تعليمه هو خسارة فادحة، وكل مصنع أو ورشة تنشأ يمكنها أن تعيل أسرة هو مقاومة، وكل عمل فني يمكنه أن يخفف عن شعبنا معاناته، أو ينقل للغير عدالة قضيتنا، أو ينقل للغير أهمية تراثنا هو مقاومة، وكل طبيب ومهني يؤدي عمله بأمانة هو مقاومة، وكل فلاح يزرع الأرض ولا يتركها بورا أيضا مقاومة.. لكن العمل المسلح في الغالب كان يفسد كل الأشكال السابقة من المقاومة، وأحيانا كان يساهم بدور كبير في القضاء عليها مثلما حصل مع عمالنا البواسل.. والأراضي الزراعية التي كانت تلف محافظات غزة وأصبحت يبابا..
ما لا يمكن الحديث عنه هو خروج المقاومة المسلحة عند بعض التنظيمات عن الأهداف الوطنية، وصارت عنوانا للمزايدة والعنصرة السياسية إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من انقسام سياسي وجغرافي أساء كثيرا لقضيتنا ولشعبنا.. أليس حري بنا بعد كل ذلك التفكير جديا بهذا الأسلوب؟ والعمل على ضبطه، أو ترشيده بطريقة جديدة؟ ما المانع في أن يكون كل العمل المسلح من خلال جهة وطنية واحدة تأخذ قراراتها حسب الحاجة وفي الوقت المناسب؟ لماذا لا يتم تأهيل شبابنا جميعهم بطريقة واحدة وبهدف واحد تجاه الوطن؟ لماذا يرفض الرافضون هذه الأسس؟ولماذا لا نتفق عليها إذا كان جميعنا ينتمي لهذا الوطن؟ وكلنا يريد ويهدف إلى تحريره واستقلاله؟
دعونا نختلف في الحوار حول قضايانا ونلجأ للأغلبية داخل المجلس التشريعي، أو المجلس الوطني ونبعد خلافاتنا عن مؤسساتنا المدنية والعسكرية لتبقى تحمي الوطن والمواطنين بدلا من أن تكون في أيد جهة دون غيرها.. وإلى الذين ينادون بالشرعية نقول: هل الشرعية تعطيكم الاستيلاء على الحكم بالقوة العسكرية وبالدم؟ أي شرعية هذه التي تنادون بها؟ أبو مازن يصبح غير شرعي بعد انتهاء مدة حكمه؟ وما قمتم به من انقلاب وتدمير للمؤسسات العامة هو الشرعي!؟
يا للعجب! في أي دستور ورد ذلك.. يا أصحاب الدستور؟ أليس المخرج الوحيد من كل ذلك هو الموافقة على المادة التاسعة التي وردت في الاتفاق؟ بدلا من وضعها محل خلاف لنسف أي تفاهم يمكن أن يكون.. نعتقد أن الموافقة على هذا الاتفاق وهذه الأسس سوف يدفع شعبنا للانطلاق من جديد ويعزز لديه الثقة والقدرة نحو الصمود، ومواجهة التحديات.. قد يكون موضوع منظمة التحرير موضع خلاف أيضا، وقد يكون عدم تحديد سقف زمني لانتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني هما موضع الخلاف، لكن يمكن التفاهم حول ذلك وتحديد زمن هذه الانتخابات.. وما لا يتم التطرق له في الاتفاق المذكور، هو: كيف سيعتاش جموع شعبنا العاطل عن العمل؟ خاصة أن شريحة كبيرة قد فقدت أعمالها، ودمرت ورشها، وجرفت مزروعاتها..
هل السياسة الاقتصادية التي اعتمدت في السابق وحاليا تلائم ظروف شعبنا وتساعده على الصمود؟ وهل يمكننا بناء أسس صحيحة تقوم على العدل والمساواة في شتى المجالات تعزز انتمائنا للوطن والمجتمع؟ وأخيرا إذا كان النظام الرئاسي قد أظهر لدينا خللا كبيرا من خلال التنازع على السلطات فهل يجوز أن يبقى كما هو؟ أم نغيره إلى نظام برلماني؟ نعتقد أن هذه هي الأسئلة الجوهرية والإجابة عليها، أو الاتفاق عليها كفيل بإخراجنا من النفق المظلم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق