راسم عبيدات
...في اقل من عام غيب الموت أربعة من قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،أربعة من قادة صفها الأول،أربعة ممن كان لهم بصماتهم الواضحة في تاريخ وفكر وسياسة ومواقف الجبهة الشعبية،وكل واحد منهم كان بمثابة مدرسة في مجاله،بل ربما شكل الحكيم كمؤسس وقائد وطني وقومي،استثناء وكان مدرسة جامعة،تتلمذ فيها رفاق دربه وحزبه،وتشربوا أفكاره ومبادئه وقناعاته ونهجه وقيمه الثورية والوطنية والإنسانية،فالقائد أبو جوهر،خالد باكير،كان أحد أعمدة الجبهة وقادتها في العمل التنظيمي والحزبي،وهو من الرفاق القلائل الذين أرسوا وأسسوا قواعد الصمود في سجون الاحتلال وأقبية تحقيقه،وهذا الرفيق كان بحق وجدارة رجل المهمات الصعبة في الحزب حسب ما يقول رفاقه،وكان نموذجاً وقائداً وملهماً في هذا المجال،وهو معروف عنه انه من الرفاق الذين يؤدون مهامهم بصمت بعيداً عن الإعلام والفهلوية والاستعراضية،وكان دائماً يترجم القول إلى فعل،وبنفس صلابته وصموده في أقبية التحقيق والسجون،كان صلباً في أرائه وأفكاره ومعتقداته.
أما الرفيق أبو وسام- احمد المسلماني- حكيم القدس، فهذا الرفيق كان قائداً ومبدعاً في أكثر من مجال،وكان قائداً جماهيرياً من الطراز الأول،يبني ويحرض ويحزب وينظم ويقود،ويتواصل مع الجماهير،وهو لم يكن مبدعاً وقائداً في العمل الجماهيري فقط،بل كان محور عمله الدفاع عن هوية وعروبة القدس،فهو لم يترك أي مناشطة أو عمل له علاقة في هذا الجانب،إلا وكان على رأسه أو مشاركاً فيه، وهو من الناس المؤسسين والفاعلين في لجنة مقاومة الجدار،وهو الذي وضع مؤسسة العمل الصحي بقوة على خارطة العمل الوطني،وليس هذا فقط بل كانت له تجاربه المشرفة في الصمود والتحقيق،وكان نموذجاً للقائد الحقيقي في السجون.
أما الرفيق القائد والمؤسس الحكيم،فهو لم يكن قائداً وطنياً فحسب،بل قائداً قومياً،وملهما للكثير من قادة القوى وحركات التحرر العالمية،أفكاره وأرائه ومقولاته ومواقفه تغنى فيها الثوريين على طول الوطن العربي وعرضه،بل وفي العالم أجمع،وبقي صلباً وعنيداً في أرائه ومواقفه وقناعاته حتى لحظة رحيله،وحتى في تلك اللحظة كان يحلم بوطن عربي واحد تزول عنه كل الحدود المصطنعة،وظل مسكوناً بهاجس حب الوطن والعودة إليه حتى لحظة رحيله.
لم يقدم مصلحة الحزب على مصلحة الوطن أبداً،كان له ثوابته وخطوطه الحمراء،ولم يفقد البوصلة أبداً في هذا الجانب،فهو لم يجامل في قضايا الحقوق الوطنية،ولم تشكل الجغرافيا السياسية عائقاً أمامه للتمسك والتعبير عن مواقفه،فهو قال بكل وضوح بأن الدم الفلسطيني خط أحمر،وكل من يحرض عليه أو يشارك في سفكه ليس بفلسطيني،وكذلك نظرته ورؤيته للاقتتال الداخلي،حيث رفضه وأدانه جملة وتفصيلاً،ورغم كل الضغوطات والهجمات والمضايقات التي تعرضت لها الجبهة،لم يقبل أن يسجل بحقه وبحق الجبهة الشعبية،أنها كانت سبباً في انقسام الشعب الفلسطيني،أو شق وحدة تمثيله وعنوانه،ورحل طاهر الكف والسمعة ،
أما المناضلة التقدمية والقائدة النسوية والجبهوية مها نصار،فرحيلها لم يكن بالخسارة للجبهة الشعبية والحركة الوطنية فقط،بل خسارة بالأساس للحركة النسوية،والتي كانت مها مدافعة شرسة عن حقوقها،وعن حقها في المساواة الكاملة،وكانت مها منحازة فكراً وقولاً للفقراء والمهمشين من أبناء شعبها،وتحديداً لبنات ونساء الريف،والقائدة نصار لم يكن يشغلها الهم الوطني،بل كانت هموم المرأة في صلب اهتماماتها،ولعبت دوراً فاعلاً في سبيل توحيد تعبيراتها النقابية عبر الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية،وهي لم تكن منغلقة أو مغرقة في الفئوية،بل كانت تغلب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب،وتحظى بثقة واحترام كل ألوان الطيف النسائي قيادة وقواعد،ومن هنا تقدمت الصفوف وقادت في أكثر من ميدان ومجال في العمل الطلابي والنسوي والجماهيري والحزبي،كانت صلبة وعنيدة في مواقفها والدفاع عن أرائها ومعتقداتها،وبالقدر الذي كانت تقاوم فيه المرض وتصارعه وتتغلب عليه في العديد من الجولات بإرادة فولاذية ومعنويات عالية،كانت تقاتل وتناضل في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة الفلسطينية،وحقها في العمل والإنتاج والمشاركة مع الرجل على قدم المساواة في كل المجالات والميادين،وكانت من الرعيل الأول من الذين أسسوا الإطار النسوي الجبهوي،وكانت تتميز على الكثير من الرفيقات في هذا الجانب،بقدرتها العالية على الاستقطاب،وتستطيع الوصول بسهولة إلى خلق حالة من الصداقة والثقة مع من تستهدفهم من الفتيات والنساء،فهي بعيدة عن نظرة التعالي واستعراض القدرات و"الفذلكات" الكلامية والمصطلحات الكبيرة،ومن هنا كانت محط ثقة واحترام رفيقاتها ووقفت على رأس إطار الجبهة النسوي- اتحاد لجان المرأة الفلسطينية.
نعم حصاد عام جبهوي،شكل خسارة ثقيلة وكبيرة للجبهة،خسرت فيه أربعة من رموزها وقادتها وعلى رأسهم قائدها ومؤسسها الحكيم،وخسارات أخرى بفعل الاستشهاد والاغتيال،حيث اغتيل الأمين العام السابق القائد الشهيد أبو علي مصطفى،وكذلك استشهد القائد ربحي حداد"أبو الرامز" في معارك الاجتياح الإسرائيلي لنابلس في الانتفاضة الثانية2001 ،حيث رفض الاستسلام واستمر في المقاومة حتى الشهادة،وإذا ما أضفنا لهذه الخسارات، خسارات أخرى بتعطيل واحتجاز قدرات وطاقات الأمين العام القائد احمد سعدات ومعه عدد من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية،من خلال الأسر والاعتقال في سجون الاحتلال ،ندرك حجم الخسارة التي منيت بها الجبهة الشعبية.
أن تنظيماً يصاب بمثل هذه الخسارات الكبيرة بفعل الموت والاغتيال والاعتقال،ويبقى صامداً ومتماسكاً ،ويؤدي دوره الوطني والنضالي،لهو يستحق شرف النضال والدفاع عنه والتسمك بأهدافه وثوابته،ولو أصابت هذه الخسارات أحزاب أخرى فأنا واثق بأنها، لربما تفككت وتحللت واندثرت عن خارطة الفعل والوجود.
ومن هنا هذه الخسارات يجب أن تكون حافزاً ودافعاً قوياً لكل رفاق وأصدقاء هذا الحزب من أجل الإمساك بأهدافه وثوابته،والعمل على زيادة حضوره وفعله بين الجماهير،عبر عملية حرث جدي وحقيقي،ومراجعة شاملة،تطال كل مختلف نواحي ومفردات العمل ، وأن تكون العملية التنظيمية في صلب وأساس هذه المراجعة،فبدون التنظيم لن تستقيم الأمور،وستبقى الأزمة تراوح مكانها،بل ستزداد عمقاً وشمولاً.
الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام من الخسارات الثقيلة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق