راسم عبيدات
.......واضح جداً انه منذ مؤتمر أنابولس في تشرين ثاني من العام الماضي،ورغم كثرة الحديث والتفاؤل بالنتائج التي سيتمخض عنها هذا المؤتمر،فيما يتعلق بالمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية،إلا أنه ورغم كل الصخب الإعلامي والكثير من اللقاءات العلنية والسرية الإسرائيلية – الفلسطينية،فإنه لم يتم إحراز أي تقدم ملموس في القضايا الجوهرية من قدس ولاجئين وحدود وسيادة واستيطان،بل أن الأمور بالنسبة للفلسطينيين حتى في القضايا الهامشية والحياتية، بفعل سياسات وممارسات الاحتلال أصبحت أكثر صعوبة وتعقيد،وباختصار "تمخض الجبل فولد فأراً" فالاستيطان من ذلك التاريخ وحتى الآن تضاعف عشرات المرات،والحواجز العسكرية زادت بشكل كبير،ناهيك عن الزيادة في تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية،وكذلك زيادة التغول والتوحش في ممارسة واعتداءات قطعان المستوطنين على شعبنا وأهلنا،والتي وصلت حد إطلاق الصواريخ على البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية،وإعدام مواطنين عزل بدم بارد،بمباركة وتشجيع من أعلى المستويات السياسية الإسرائيلية.
هذا الفشل الذريع يؤشر إلى عمق الأزمة،وعدم وجود نية حقيقية وصادقة عند الإسرائيليين لدفع استحقاقات العملية السلمية ولو بالحد الذي يلبي الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،ففي داخل إسرائيل لا يوجد ولا يتوفر أية قيادة إسرائيلية،تقدم على عمل من هذا النوع،دون أن تنتحر سياسياً،فالمجتمع الإسرائيلي غير ناضج لصنع السلام،حيث أظهرت استطلاعات الرأي مؤخراً أن 76% من الإسرائيليين يرفضون السلام مع الفلسطينيين،ورغم المحاولات التي جرت من خلال لقاءات القمة والزيارات المكوكية للقيادات الأمريكية للمنطقة،إلا أنها لم تنجح حتى في التوصل إلى اتفاق سقف أو إعلان مبادئ،ينقذ ماء وجه الأطراف التفاوضية،ويبقي على نهج التفاوض قائماً.
والقيادات الإسرائيلية البارعة في المماطلات والتسويف،بمختلف تلاوينها الحزبية والسياسية من اليمين واليسار،متفقة على سياسة واحدة،ألا وهي مفاوضات الفلسطينيين دون إعطاءهم شيء،فمن "شامير" الذي كان يخطط في مدريد لمفاوضة الفلسطينيين عشرات السنين دون إعطائهم شيء،إلى "نتنياهو" الذي قال لا تنازلات للفلسطينيين دون ثمن،و"بيرس" نفسه الذي يطمح إلى سلام اقتصادي،بعيداً عن تقديم تنازلات مثل انسحاب شامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967،وهو المعروف عنه رغم كل دمويته وما قام به هو وحزب العمل الذي يعتبر أحد أبرز أبائه الروحين،قبل أن ينتقل إلى حزب "كاديما"،من زرع للمستوطنات في الضفة الغربية،فهو رغم كل ذلك عند معسكر الاعتدال العربي "حمامة سلام وحمل وديع لم يرتكب لا مجزرة ولا مذبحة" لا في لبنان ولا فلسطين.
فهذا المراوغ البارع والوجه غير الحقيقي لإسرائيل،وجد أنه لا بد لضمان استمرار المفاوضات العبثية والمارثونية، من الهاء العرب والفلسطينيين في شيء جديد قديم،ألا وهو المبادرة العربية للسلام والتي أقرت في القمة العربية- بيروت /2002،وردت عليها إسرائيل باجتياح الضفة الغربية ومحاصرة مقر الرئيس الراحل أبو عمار في رام الله،ومن ثم شن حرب عدوانية على لبنان في تموز/ 2006 .
وهذه المبادرة العربية ورغم الكثير من الملاحظات عليها،وما أبدته من تنازلات وخصوصاً فيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين،فإن إسرائيل لم تبدي قبولاً لها،وبقي النظام الرسمي العربي يستجدي إسرائيل وأمريكا من أجل قبولها،ولكن إسرائيل كانت تزداد صلفاً وعنجهية،مقابل نظام رسمي عربي يزداد عجزاً وانهياراً.
و"بيرس" بحنكته وخبرته الطويلة،أدرك أن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ،وصلت إلى طريق مسدود،وكذلك النظام الرسمي العربي وأمريكا،وخشية من انهيار هذا النهج ودعاته في الساحتين العربية والفلسطينية،فلا بد من شيء يبقى على هذا النهج والخيار قائمين،حيث يجري الحديث عن لقاءات علنية وسرية في أكثر من عاصمة أوروبية تشارك فيها شخصيات فلسطينية وعربية وإسرائيلية وأمريكية وأوروبية،لتفعيل مبادرة السلام العربية،وفي الخط الموازي أعلن "بيرس" أنه يتوجب على إسرائيل مفاوضة العرب كمجموع،وليس خوض مفاوضات ثنائية مع الفلسطينيين،وتوجه الى القاهرة وعقد لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك،وهناك أعلن أن إسرائيل مستعدة لقبول المبادرة العربية،بعد التفاوض على بنودها،أي الهبوط بسقفها الهابط أصلاً،وخوض جولات طويلة من المفاوضات حول هذه المبادرة،أي العودة بالمفاوضات الى المربع الأول التفاوض من أجل التفاوض،وفي هذا السياق تستغل إسرائيل هذه المفاوضات،من أجل فرض الوقائع على الأرض،وبما لا يبقي شيء للتفاوض حوله.
والمستهجن والمستغرب أنه رغم كل الذي يجري،من كذب وزيف وخداع،إلا أن هناك في الساحتين العربية والفلسطينية،من يتعاطى مع الأمور على قاعدة"عنزة ولو طارت"،فهو عدا عن فقدان الإرادة ورهن قراراته ومواقفه إلى الآخرين، فهو لا يقف ضد نهج المقاومة والممانعة فقط،أو يستقوي بهما،بل يعمل على ضربهما وشن حرب عليهما،والتشكيك في قدرتهما على تحقيق الانتصارات واستعادة الحقوق،على الرغم أن الوقائع والحقائق على الأرض،تقول أن هذا النهج والخيار يحقق المزيد من الانتصارات في أكثر من ساحة وجبهة،من أفغانستان ومروراً بالعراق ولبنان ونهاية في فلسطين.
ان التساوق مع أطروحات"بيرس" لن تقودنا،إلا نحو المزيد من الضعف والانهيار،وتعزيز حالة الضعف والانقسام في الساحتين العربية والفلسطينية،ناهيك عن مخاطر ابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية وتهويد القدس وأسرلة سكانها،وممارسة التطهير العرقي بحق سكانها العرب،وبحق العرب الفلسطينيين في فلسطين/1948 .
وأنه لا بد من مراجعة شاملة،مراجعة فيها الكثير من الجرأة،من أن العملية السلمية وفق هذه الآليات قد ماتت وولت إلى غير رجعة،ولا بد من استثمار كل عوامل القوة العربية،من أجل فرض معادلات جديدة في العملية السلمية والمفاوضات مع إسرائيل،بحيث يعاد طرح ملف القضية الفلسطينية والمفاوضات معها على المؤسسات الدولية ومرجعياتها قرارات الشرعية الدولية،كبديل عن الرعاية والمرجعية الأمريكية والرباعية،وبدون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة،والدوران فيها يكلف المزيد من الخسارة أرضاً وحقوق.
الأحد، أكتوبر 26، 2008
بيرس والعودة للمربع الأول
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق