ميرا جميل
أولا تحية لكل المجتهدين الذين ساهموا بالنقاش الواسع الذي أثارثه مقالتي السابقة " اعجازاتنا العلمية الوهمية وفقرنا العلمي المدقع ." . لا أدعي اني على صواب والآخرين على خطأ . انا أيضا انسان أفكر ، وما كتبته كان ارهاصا صعبا بين ايماني بجلال الاسلام وقرآنه ورفعته ، وبين رؤيتي انه لا يضير الاسلام اذا خلا القرآن من الاعجازات العلمية ، فهو لم يجيء ليحل مكان الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وعلم الانسان والطب والميكانيكيات والهايتك والتكنلوجيات الدقيقة وعلم الطيران.. الخ. العلوم لها مسارها وتغيراتها وما يكشفه العلم اليوم ، من نظريات نسارع لايجاد أصولها في القرآن ، واذا تبين خطأ النظرية مستقبلا لدرجة قد تتغير من جذورها ؟ فهل أخطا اذن الذي أنزل القرآن ؟
ما يقلقني ويثير غضبي من النقاش ، ادعاء البعض انهم الصواب الوحيد ، والآخرين ، وأنا بينهم "سطحيين ".. وقد اضطررت بحالة غضب غير عادية أن استعمل تعابير في منتهى الفظاظة ضد من يتهمني بالسطحية. كلنا أبناء آدم .. كلنا نخطئ ونتعلم ونتقدم ولم تلدنا امهاتنا كاملي المعرفة. لا يخيفني الخطأ اذا كنت قادرة على اعادة التفكير من جديد ..
أن انبهار البعض ب "علوم" الدكتور زغلول النجار ، لا يثير في الا الحزن على الضياع الفكري الذي يلم بنا شعوبا عربية واسلامية.
العلوم يا سادتي ليست تشاطر في ايجاد نصوص نلصقها عنوة بما هو موجود من علوم ،أحيانا لا يشمل النص الا كلمة ، مثلا كلمة "الذرة" أصبحت "علم الذرة" .. ولم يقل لنا " مكتشف " علم الذرة القرآني ، كيف نستغل هذا العلم في توليد الكهرباء مثلا ؟؟ أو غير ذلك من العلوم ، وغني عن القول اننا عاجزون عن تحويل العلوم الى رافعة اقتصادية واجتماعية وعلمية لتطوير مجتمعاتنا ودولنا المتخلفة مع الأسف الشديد . حتى العلوم التي نستورد مبتكراتها من الغرب .. نعرف استهلاكها ولا نعرف تكريسها في انتاجنا.
ماذا تفيدنا اكتشافات زغلول النجار وأمثاله حول الاعجاز العلمي في القرآن ؟ هل حقا تحول القرآن الى وثائق لمعهد أبحاث علمية ؟اذن تعالوا نلغي كتب العلوم كلها ونكتفي بتدريس القرآن ،لأنه يشمل لسعادتنا كل العلوم والتكنلوجيا . لماذا نتعب في تعلم الفيزياء والرياضيات ما دامت موجودة بنص قرآني ؟ لماذا نتعلم الطب ما دام قرآننا مليء بالطب النبوي والعلاجات التي لم يصل اليها العالم بعد ؟ لماذا ندرس الكيمياء وتركيب العناصر ما دمنا نملكها بآيات مقدسة من قرآننا ؟
لماذا ندرس البيولوجيا وآية واحدة ترشدنا الى كل ما يشمله هذا العلم من تفاصيل ومن اكتشافات لم يصلها غيرنا أحد بعد ، وعندما يصلها الباحثون الكفار من اوروربا أو أمريكا سنجد الآية العلمية التي سبقتهم الى اكتشافهم الذي قد يكون استغرق عشر سنين متواصلة من البحث العلمي وصرف الملايين ؟؟ يا لهم من أغبياء ... لماذا لا يبحثون عن الحقائق العلمية في القرآن ويوفرون مليارداتهم وتعب بالهم وارهاق عقولهم ؟؟!!
لماذا نحن متخلفون في انتاج الدواء ونعتمد على استيراده ما دمنا نملك العلم القرآني في هذا المجال ايضا ؟ يا سيدي الدكتور العلامة زغلول النجار تكرم علينا بمعادلة كيميائية لانتاج دواء عربي اسلامي قرآني واحد لأحد الأمراض التي ننتظر ان يأتينا الفرج والدواء المناسب لها من معاهد الأبحاث الغربية ؟؟
هل كل علومك وكتبك العلمية والاعجاز العلمي في القرآن الذي تكتشفة وتبهرنا به يقف عاجزا أمام معاهد الشيطان الصهيوني والشيطان الأمريكي ؟؟
كل اعجازاتنا العلمية ولا نعرف ان نبني مصنعا لتكرير نفطنا ، أو انتاج أدوات لإستخراجه ، ونعطي للشركات الغربية ، التي لا اعرف كيف توصلت الى علومنا المخفية في القرآن .. لبناء مصانع التكرير واستخراج النفط بل وسفن لشحنه ، او انابيب لنقله قريبا من الموانئ؟
هذا حقا اعجاز علمي في التخلف ؟
هل تعلم يا زغلول العالم ومكتشف العلوم ، ان دولة فقيرة في اوروبا مثل هولاندا ، هي أغنى اليوم من كل دولنا العربية لأنها تعيد تسويق نفطنا العربي من موانئها ؟ هذا لم يحصل بالطبع بسبب اعجاز علمي ، بل بسبب اعجاز تخلفي .
الحديث عن الاعجاز العلمي هو حديث بلا رصيد .. ثرثرة بلا نتائج ملموسة. ولا تضيفون بذلك قيمة للقرآن فوق قيمته الكبيرة ومكانته العظيمة . بل للأسف تلحقون الضرر من حيث لا تدرون بالاسلام والقرآن. أنتم يا دكاترة مكتشفي الاعجازات العلمية ، علماء اسما وجهلاء فعلا . وأكاد أقول انها تجارة مربحة لكم لضمان آخرتكم على الأرض ، وليس في أي مكان آخر ..
العلوم لا توجد جاهزة وكاملة في أي نص كان ، لا ديني ، ولا كتاب منزل ..
في كتاب للفيلسوف كارل بوبر " المجتمع المفتوح وأعدائه " ( 1945 ) لفت انتباهي ما قاله حول النظريات العلمية . من المفيد أن يقرأ ذلك زغلولنا العظيم مكتشف العلوم القرآنية . يقول بوبر : " ان النظريات العلمية ما هي الا تخمينات يجب العمل الدؤوب على دحضها بواسطة التجربة أو بكل وسيلة أخرى ، فاذا صمدت في الامتحان يتعزز موقعها وتنمو المعرفة حتى المحاولة التالية " . السؤال ، هل محاولة دحض العلوم المكتشفة بالقرآن سيعتبر كفرا من جانبنا ؟؟ وهل اعجازاتنا العلمية في القرآن ستصمد في الامتحان الغربي ( ليس امتحاننا نحن لأننا مطيعين لمن يولى علينا ) أم ستتغير مثل كل نظرية علمية لأن فيها جوانب لم تتضح بعد ، لعل زغلول النجار يقوم بهذه المهمة العلمية ؟؟
من المؤكد اننا سنكتشف ( بفضل دكتورنا المنفلت علميا ) ان هذا أيضا كان يعرفه القرآن وأشار اليه . وعندما تنشأ نظرية جديدة من القديمة الساقطة ، سيكون زغلول نجار جديد ليجد جذورها القرآنية ، ربما بعد عقود من استهلاكها الكامل في تطوير مرافق الاقتصاد والتعليم في الغرب ، وبعد عمر طويل تموت أجيالنا وتولد أجيال جديدة ، ويولد زغاليل جدد .. ونبقى في تخلفنا العلمي ، الا ان صوتنا يقوى بسبب تكاثرنا الطبيعي ليصل لمسامع الكفار من النصارى واليهود والهندوس والبوذيين بان القرآن سبقكم الى هذا العلم الذين تفاخرون به " يا أولاد الايه ..."
اعرف اني ساواجه حملة شعواء .. مجتمعنا ما زال مغلقا ويرفض حق التعبير عن الرأي .. وسيطل من جديد الشاطر الذي وصفني بالسطحية ، ليدلي بخرافات دينية لا تصمد بوجه العقل . وليوجه لي أسئلة امتحان عن مدى المامي بفتاوي " المهازل " التي جعلتنا أضحوكة للعالم ... وكأن المامي بالتفاهات وتفاصيلها " العلمية " سيزيدني ثقافة .
أعزائي ، انا مستعدة لكل حوار عقلاني .. الدين هو علاقتي الخاصة مع خالقي ، فلا تخلطوا بين ما أطرحه ، وبين حرصي على ديني وقرآني من المشعوذين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق